أولى

معركة «الحساب المفتوح».. حتى انهيار الكيان الصهيونيّ

 د. جمال زهران*

منذ أن جاء مصطلح «الحساب المفتوح»، على لسان نائب الأمين العام لحزب الله الشيخ نعيم قاسم، في آخر خطبه، عقب اغتيال عدد من قيادات الحزب، المتميّزة، وهدم عمارتين كاملتين، وتدميرهما بالصواريخ المحمولة بطائرات أميركية (أف/ 35 – أف/ 16)، وأدركت على الفور، أنّ الحرب الكبرى والشاملة، قد بدأت. وما كان قد يبدو أنه هروب من هذه المواجهة، حسب تقدير البعض، سواء بحسن نية أو بسوئها، أصبح حقيقة، وأنه كان هو التطور الطبيعيّ لمعارك محدودة، ومعارك استنزاف، وسط إصرار العدو الصهيوني على استمرار عدوانه الهمجي والبربري على غزة وشعبها، وارتكاب المجازر اليومية، حتى أضحت الحرب الصهيونية، هدفاً في حدّ ذاته، وبلا رادع من أي طرف دولي، أو دول كبرى، أو منظمة دولية، أو مؤسسات العدالة الدولية!
وقد أكدت دائماً، في مقالاتي، أنّ ما حدث في السابع من أكتوبر 2023م، وتمثل في عملية «طوفان الأقصى»، هو بداية المرحلة الأخيرة في الصراع العربي الصهيوني، وأن لا مهرب من المواجهة الشاملة والحرب الكبرى، رغم نفي جميع الأطراف، بأنهم لا يميلون، إلى ذلك، والبعض يعلق أنه لا يشجع ولا يفضل ذلك. حتى أنّ أميركا نفسها وهي المورّدة للسلاح بلا حدود للكيان الصهيوني، تتظاهر بأنها لا تريد توسيع الحرب، ولا تفضّل إلا عقد هدنة ووقف القتال، ولكن بالشروط الصهيونيّة، حفاظاً على ماء وجه الكيان الصهيوني، والخروج «المشرّف» للنتن/ياهو، وعصابته المتوحشة الذين يديرون الشأن الصهيوني! ولكنهم في الوقت نفسه، ومن واقع خطابهم السياسي، على ألسنة قادتهم (وزير الخارجية – الحرب – الأمن القومي – الرئيس الأميركي)، يؤكدون على حتمية الخلاص من المقاومة وخاصة (حماس والجهاد – وحزب الله – وأنصار الله)! وبطبيعة الحال، فإنّ هذا لو تحقق سيكون في صالح الكيان الصهيوني، ولصالح دعم النفوذ الأميركي في الإقليم (عربياً – شرق أوسطياً).
إلا أنّ هذا العدو الصهيوني الاستعماري، وداعميه من دول الاستعمار الجديد (أميركا)، والقديم (بريطانيا – فرنسا – ألمانيا – إيطاليا)، ينسون مقولة تاريخية وهي، أنه لا يضيع حق وراءه مطالب، وأنّ الاستعمار الصهيوني الاستيطاني، مصيره الزوال، وأنّ المعركة هي معركة تحرير واستقلال، ولذلك فإنّ المقاومة الفلسطينية ومحور المقاومة كله، هما الحلّ لإنهاء الاستعمار وتصفية وجوده، مثلما حدث في أماكن أخرى في المنطقة العربية، وأفريقيا وآسيا. كما أنّ النفوذ الأميركي، كسرته الشعوب التي تطلعت للحرية والاستقلال (نماذج فيتنام – أفغانستان – الصومال – بيروت في 1982/ 1983م)، فضلاً عن نماذج أخرى ناضلت من أجل التحرير والاستقلال (الجزائر/ 1962م، وجنوب أفريقيا/ بداية التسعينيات).
ومن ثم فإن الاعتقاد بأن الكيان الصهيوني، مستمرّ في الإقليم، ويسعى بدعم الاستعمارين الجديد والقديم، للحصول على الشرعية والقبول والاندماج في الإقليم، عن طريق دعم خيار تطبيع الكيان مع نظم عربية (بدأت بمصر عام 1978/ 1979م، ثم الأردن، ثم سلطة أوسلو الكسيحة، ثم الإمارات – السودان – البحرين – المغرب..)، والتطبيع مع دول أخرى بشكل غير مباشر (قطر – عُمان – السعودية)، هو اعتقاد خاطئ. كما أنه اعتقاد خاطئ أيضاً، كلّ من يتوهّم أنّ المقاومة إلى تراجع أو انكسار، وأنّ استخدام القوة المفرطة، وبتوحش ضدّ الشعب الفلسطيني، والشعب اللبناني، والعربي عموماً، هو الوسيلة لتحقيق ذلك. فالمقاومة في تطوّر، وفي انخراط نحو المزيد من القوة، حتى أصبحت قادرة على المواجهة المستمرة ولمدة زمنية غير مسبوقة، وأظن أن استمرار المواجهة الحالية من 7 أكتوبر 2023م، وحتى الآن، ولمدة عام كامل دون توقف خير تأكيد، على أوهام هؤلاء، وتأكيد على صحة مقولتنا، أنّ المقاومة هي الحلّ والسبيل لاقتلاع الكيان الصهيوني، من الإقليم وتحرير بيت المقدس، بصفة نهائيّة، وعلى الاستعمار الغربي (القديم والجديد)، التصرّف بحلّ مشكلة الصهاينة، بترحيلهم من الأراضي الفلسطينية المحتلة، وإلى غير عودة، بعد ثبوت فشل المشروع الصهيوني الاستعماري المدعوم غربياً، كأداة لنشر النفوذ، ونهب موارد الإقليم، والحيلولة دون وحدة العرب، وتقدّمهم.
ومن هنا تأتي أهمية طرح مصطلح «الحساب المفتوح»، في هذا التوقيت بالذات. فالمقصود بهذا المصطلح، الذي لم يُطرح جزافاً، أو يُطرح للاستعراض (لـ «الشو»)، ولكن يطرح بمعناه الحقيقي، هو أنّ المواجهة بين الطرف المقاوم، وبين الكيان الصهيوني، لم تعُد محصورة في (فعل، وردّ الفعل)، أو (واقعة # مقابل واقعة)، كما لم تعد المواجهة محاصرة في حدود جغرافية معينة، وقواعد الاشتباك التقليدية، بل إنّ المواجهة أصبحت مفتوحة وبلا قيود، وبلا قواعد اشتباك، بمعنى أنّ هناك خطوطاً حمراء، ليس على أيّ طرف تجاوزها. فهذا هو المقصود بمصطلح «الحساب المفتوح»، أي المواجهة الشاملة مع العدو الصهيوني، بلا حدود، بلا سقوف، بلا قواعد اشتباك، وبلا جغرافية محدّدة. ولعل السبب الذي دفع حزب الله إلى هذا الخيار، هو ذلك التمادي من جانب العدو الصهيوني، في سياساته العدوانيّة والهمجيّة ضد الحزب وقادته، وضد المدنيين في لبنان، أو غزة، وتجاوزه الحدود الجغرافيّة بالعدوان على منطقة الضاحية، ببيروت، واستمرار سياسات الاغتيالات، وآخرها يوم الخميس 26/ سبتمبر/ أيلول، باغتيال القائد/ محمد سرور، ومن قبله بأيام، اغتيال (14) من قيادات الحزب، فما هو إذن معنى الاستمرار في التقيّد بقواعد الاشتباك، في ظلّ استمرار مجازر العدو. فلو لم يأخذ الحزب بهذا الخيار، لتثبت عند جمهور المقاومة، في ظلّ إعلام مضاد ومضلل، وعبر شاشات عربية للأسف، أنّ الحزب غير قادر على الردّ!
لذلك كان خيار «الحساب المفتوح»، هو الخيار الأقوى والحتمي، للمقاومة. حتى أنّ الشيخ نعيم قاسم، قال: تلك هي الدفعة الأولى من الحساب، وذلك بضرب تل أبيب وضواحيها وقواعدها العسكريّة، بالصواريخ (فادي/1، فادي/2، فادي/3، وقادر/1..) وهي صواريخ يصل مداها إلى 120 ك.م. ومن ثم أصبحت سموات الكيان كلها، وأراضي فلسطين المحتلة كلها ساحات مواجهة، بعد أن كان الأمر قاصراً، على الشمال الفلسطيني المحتل وبعمق 20 ك.م، كحد أقصى! كما أن «الحساب المفتوح»، يأتي في إطار استراتيجية الحزب (تل أبيب/ بيروت)، أي ضرب تل أبيب مقابل ضرب العدو الصهيونيّ للضاحية، في بيروت.
فضلاً عن ذلك فإن المواجهة الشاملة عبر استراتيجية «الحساب المفتوح»، ليست قاصرة على الجبهة اللبنانية، بل يمتدّ إلى الجبهة العراقية التي تضرب الآن أيضاً في إيلات، والجولان، ويافا)، والجبهة اليمنيّة التي تضرب للمرة الثانية عاصمة الكيان (تل أبيب) بصاروخ ومسيرة، وعلى بعد (2200) ك.م، ووصل إلى أهدافه بنجاح، فضلاً عن تدمير (3) مدمرات أميركية، في البحر الأحمر، أصرّت على المرور لدعم الكيان الصهيوني، وبعدد (23) صاروخاً يمنياً، وكل ذلك تم من صباح الجمعة 27 سبتمبر/ أيلول، وطوال النهار.
لعلّ استراتيجية «الحساب المفتوح»، هي نقلة نوعيّة في المواجهة الشاملة والحرب الكبرى، حتى تحرير فلسطين، وإنهاء الوجود الصهيونيّ في الإقليم، نتاجاً لتدميره من الداخل وهو الحادث الآن، ولذلك المزيد من التفاصيل في العيد الأول لطوفان الأقصى.

*أستاذ العلوم السياسية والعلاقات الدولية، جامعة قناة السويس، جمهورية مصر العربية

مقالات ذات صلة

زر الذهاب إلى الأعلى