مقالات وآراء

حقائق هادئة بوجه مغالطات صارخة

‭‬ د. هاني سليمان

ينبري الإعلام الغربي – الصهيوني وبعض الإعلام العربي على تشكيل جبهة إعلامية سياسية تهدف الى تضخيم إنجازات العدو والتعتيم على إنجازات المقاومة بكلّ محورها المقاتل، بهدف خلق حالة من اليأس والإحباط والانقسام لدى المجتمع اللبناني بكلّ مكوناته الاجتماعية والسياسية والثقافية، بحيث تنتهي هذه الحالة الى الدعوة لإخراج لبنان من الانخراط في الواجب الإنساني والديني والقومي المتمثل بإسناد غزة وشعب فلسطين ولبنان.
وتنبري بعض الشخصيات السياسية والإعلامية في لبنان، عن حسن نية أو عن سوئها، الى ان تكون طليعة جيش «المقاتلين» ضد المقاومة على الجبهة الإعلامية، ومن أهمّ أسلحتها عنوان «لنحفظ لبنان بعد ان تخلّت عنكم إيران».
وبعقل بارد، رغم حرارة القذائف وحراجة الموقف نتوجه إليهم بالقول…
أولاً: ان استشهاد قادة المقاومة دليل على المزيد من صحة خياراتها وإنجازاتها – وأؤكد على كلمة إنجازاتها – على غير صعيد. وكما هو ملحوظ فإنّ وتيرة القتال بعد استشهاد السيد حسن نصر الله وقبله عدد من أركان القيادة العليا بقيت على حالها، لا بل زات وتوسعت استهدافاتها وكأنّ رجال الله في الميدان يعملون بأوامره وتوجيهاته، كما لو أنه حيٌّ يرزق، مما ينفي العُطب الذي تعانيه كلّ مقاومة يستشهد قادتها. وفي هذا، ظاهرة نادرة في تاريخ الشعوب والمقاومات تجدر دراستها تنويراً للأجيال القادمة.
ثانياً: رغم إنجازات العدو باستهداف قادة المقاومة والمدنيين وتدمير البيوت على أصحابها وأهلها، لا يزال العدو نفسه يقول (نحن في مرحلة صعبة) للغاية وهنا نسأل؟ ما سبب هذه المرحلة الصعبة، بل هذه الحالة الصعبة حيث الصواريخ تدك المستعمرات وتدخل الرعب في قلوب المستوطنين وتجعلهم يعيشون كابوس الخوف على المصير والوجود. – نعم الخوف على المصير والوجود – وما التعتيم المطبق والتعمية الشاملة عن الحالة التي يعيشها مستوطنو الكيان إلا دليل واضح على ذلك.
وفي هذا المجال نقول: لقد وعد قادة الكيان المستوطنين باللبن والعسل في فلسطين المحتلة، فاذا بهم يشعرون بالضيق والخوف وفوق وتحت وابل الأسئلة الوجودية الصارخة التي عبّر عنها نتنياهو غداة عملية «طوفان الأقصى».
ولنا في هذا المجال التمسك بالآية الكريمة «إن تكونوا تألمون فإنهم يألمون كما تألمون وترجون من الله ما لا يرجون» سورة النساء الآية 104.
ثالثاً: الى الأبرياء الذين يقولون إنها نهاية مرحلة المقاومة وعلينا ان نعترف بالهزيمة ولملمة الجراح وإيواء النازحين.
معذرون أولئك الأبرياء، لكن الحقيقة الهادئة والجلية هي غير ذلك…
أ – لأنّ بنية المقاومة صلبة أكثر مما يتصوّر البعض، ولأنّ فاعليتها ملحوظة لدى المستوطنين أكثر مما هي ملحوظة في أيّ مكان آخر، لا بل يمكن القول إنها ليست نهاية مرحلة بقدر ما هي بداية مرحلة في الصمود والمواجهة، ولقد مرّت المقاومات في التاريخ – ومقاومتنا خير معبّر عنها – بظروف صعبة وقاسية ومريرة، وخيّل للبعض انها لن تقوم من عثارها، فإذا بها تقوم وتواجه وتنتصر والعبَر ماثلة في الأذهان عن طرد الاحتلال من فيتنام وأفغانستان والعراق ولبنان .
ب – هي نقطة مهمة تجب إثارتها وتوضيحها ودحضها، مفادها قول غولدا مائير «انّ العرب لا يقرأون التاريخ» في إشارة الى تكرار تجربة المفاجأة في حروبها ضدّ فلسطين والأمة العربية. ألا يجدر بنا القول انّ العدو ايضاً لا يقرأ التاريخ، بدليل المفاجأة الكبرى في حرب تشرين المجيدة 1973 وعبور جيش مصر العظيم لقناة السويس ورفع العلم العربي السوري فوق هضاب الجولان المحتلّ. ولولا التدخل الأميركي المباشر لكانت نتائج المعركة واضحة، وبدليل مفاجأة عملية طوفان الأقصى المركبة والمحبوكة التي وضعت الكيان الغاصب أمام وجوب قراءة تاريخ المقاومات، ومنها تاريخ مقاومة فلسطين ولبنان وكل حركات التحرر.
نقول كفى جلداً للذات ولننصرف الى متابعة معركة التحدي تطلعاً للانتصار الآتي. المقاومون أبناء الأرض يقرأون التاريخ جيداً والمستوطنون هم الطارئون الذين تلفظهم الأرض التي جاءوا اليها.
ج – لقد جاء الردّ الإيراني على الكيان الصهيوني ليؤكد على حقيقة انّ إيران ظهير صادق لمعركتنا، وأنّ أيّ عربي شريف لا يريد ان تكون بديلاً عنا في أيّ مجال من المجالات.
د – في كلّ الحروب التي خاضتها «إسرائيل» ضدنا مدعومة من الغرب، كانت ذلك الكيان دولة فتية زُرعت سنة 1948 وتطورت سنة 1956 وتعملقت سنة 1967 واستباحت سنة 1982، وراحت بعدها تشيخ كعجوز يعيش على عكاز التكنولوجيا والذكاء الاصطناعي والمنبّهات وأجراس الإنذار حتى إذا قيل لها انّ طوفاناً سيحصل قالت بلغوا الذكاء الاصطناعي. وهو الكفيل بالمعالجة، ولكن لم يدروا ان هذا الذكاء بغياب العنصر البشري المتراخي والمترهّل أو المنهك في حرب غزة بمواجهة أهل الإرادة هو مقدّمة للغباء الذي يجعل الرجل يكمل حياته بانتظار ما هو مكتوب له.
ما نقوله ليس أحلاماً ولا شعراً ولا هتافاً في مظاهرة، انه وجهة نظر أو قراءة في علم النفس والسياسة وقانون الطبيعة، تلحظ صيرورة نشوء الدول والكيانات وتطورها وقمة مجدها حتى زوالها…

مقالات ذات صلة

زر الذهاب إلى الأعلى