بين صعوبات تقدّم العدو براً واضطراره إلى خفض سقف أهدافه
حسن حردان
لوحظ وبشكل لافت لجوء قادة العدو إلى خفض سقف أهداف حربهم على لبنان، بعد فشل جيش الاحتلال المستمرّ في تحقيق أيّ تقدّم في الميدان والسيطرة على بعض البلدات الحدودية في جنوب لبنان، في أولى اختبارات التقدّم البري.. وتكبّد قوات النخبة الصهيونية من وحدة إيغوز خسائر فادحة.. وذلك لليوم السادس على التوالي، مما وضع جيش الاحتلال أمام مأزق حقيقي في بدايات عمليته البرية ومحاولاته تشكيل رأس جسر داخل الأراضي اللبنانية، يؤمّن له دخول قواته المدرّعة من دون أن تتعرّض لوابل مكثف من الصواريخ المضادة للدروع يؤدّي إلى تدميرها واحتراقها، الأمر الذي إذا ما حصل سيؤدي إلى انتكاسة خطيرة غير مسبوقة تصيب جيش الاحتلال.. خصوصاً أنّ المقاومة استطاعت، حتى الآن، تحقيق جملة من الأهداف:
الهدف الأول، إحباط محاولات التقدّم الإسرائيلية، وإفشال كلّ محاولات التسلل.. وهذا يُعتبر إنجازاً للمقاومة التي تمزج في التصدي للمحاولات «الإسرائيلية» بين أساليب حرب العصابات عبر نصب الكمائن للقوات المعادية وتفجير العبوات الناسفة بها والاشنياك معها من مسافة صفر، وبين أساليب الحرب النظامية بواسطة قصف قوات الاحتلال ومراكز تجمّعها على الحدود بالمدفعية والصواريخ والمُسيّرات الانقضاضية.. مع انّ المقاومة تضع في خططها قدرة العدو على الدخول إلى بعض المناطق، عندما يستخدم كثافة من القصف الجوي والمدفعي، لتمكين قواته من التقدّم، ومن الطبيعي ان تلجأ قوات المقاومة في مثل هذه الحالة إلى المناورة، وتجنّب البقاء في نقطة او موقع محدّد، وتقوم بعد ذلك بالالتفاف على قوات العدو في المنطقة التي دخلت إليها، واستنزافها وجعلها غير قادرة على السيطرة والبقاء فيها.. أليس هذا ما حصل في حرب تموز عام 2006.. لذلك المهمّ بالنسبة للمقاومة كيف تغرق العدو في مستنقع الاستنزاف وتكبّده الخسائر الفادحة، وتمنعه من السيطرة على ميدان وساحة المعركة، وتحبط أهدافه…
الهدف الثاني، إثبات قدرة وكفاءة المقاومة في الميدان وتكبيد العدو خسائر كبيرة، برهن عن مدى جاهزية واستعداد المقاومة، وعدم حصول ايّ تراجع في قوّتها وعزيمة مقاوميها، او ايّ تراجع في معنوياتهم نتيجة استشهاد سيد المقاومة..
الهدف الثالث، التأكيد على ما ينتظر جيش الاحتلال من معارك ومواجهات ضارية التحامية مع المقاومين الذين يملكون إلى جانب الخبرة القتالية والأسلحة الفتاكة، العقيدة والإيمان والاستعداد للتضحية في سبيل قضيتهم العادلة والتحفز للثأر لقائدهم ورمز المقاومة وسيدها أمين عام حزب الله الشهيد السيد حسن نصر الله..
من هنا بعد أن شعر قادة العدو بنشوة «انتصار» اثر «الإنجازات» التي حققها باغتيال قادة في المقاومة، ولا سيما رمز المقاومة، واعتقد لبعض الوقت انّ ذلك قد يمكنه من تحقيق أحلامه في سحق المقاومة، وإعادة رسم خارطة المنطقة وفق مشروع «الشرق الأوسط الجديد» الذي تهيمن عليه أميركا و»إسرائيل»، ويتوّج رئيس وزراء العدو بنيامين نتنياهو ملكاً عليه، جاءت نتائج فشل المحاولات المتكررة للتقدّم البري، لتجبر قادة العدو على إعادة حساباتهم، والصحو من سكرتهم، والعودة إلى أرض الواقع، والاعتراف بأنّ «إسرائيل» في «ذروة حرب صعبة»، في ضوء الخسائر التي أصابت ضباطهم وجنودهم.. وانّ عليهم خفض سقف أهداف العملية البرية، لأنّ تحقيق الأهداف العالية السقف أمر غير ممكن، او ليست سهلة ودونها معارك ضارية وأثمان كبيرة تفوق كثيراً الأثمان التي دفعها العدو في حرب تموز 2006 وأدّت إلى هزيمته، ولذلك بدأ الحديث «إسرائيلياً» عن ضرورة التدرّج بطرح الأهداف، فإذا ما نجحوا في تحقيق الأهداف الواقعية، مثل السيطرة على منطقة محدودة في جنوب لبنان، وإبعاد المقاومة وأسلحتها عن المناطق القريبة من الحدود، ووقف إطلاق صواريخ المقاومة على الشمال الفلسطيني المحتلّ، لإعادة المستوطنين إلى المستعمرات هناك، عندها يمكن تطوير العملية وطرح أهداف أخرى أعلى سقفاً، أما إذا كانت النتائج متواضعة، تكتفي «إسرائيل» بها ولا تتورّط في الاستمرار وتكبّد خسارة كبيرة وتبدّد معها الإنجازات التكتيكية…
إذا تعقيدات الجبهة الشمالية مع جنوب لبنان، في ضوء ما واجهه جيش الاحتلال في أولى محاولات الدخول البري إلى لبنان، أعاد استحضار مأزق العدو في البر، وجعل قادة الاحتلال يعودون إلى أرض الواقع، وأجبرتهم على التخلي عن الرهانات البعيدة المنال.. وهو ما عكسته التعليقات الصحافية الإسرائيلية ومواقف بعض جنرالات العدو أصحاب الخبرة..
وفي هذا السياق شخّصت صحيفة «يديعوت أحرونوت» المصاعب الكبيرة التي واجهت جيش الاحتلال في الأسبوع الأول من العملية البرية بالقول:
«أدرك الجيش «الإسرائيلي» أنّ عناصر حزب الله لا يعتمدون على إطلاق النار من مسافة بعيدة.. وانّ المظليين أبلغوا بالفعل عن 6 مواجهات من مسافة قريبة، وانّ عناصر حزب الله يخوضون معارك وجهاً لوجه مع جنود الجيش «الإسرائيلي» الذين دخلوا جنوب لبنان»…
في حين عنوَن الجنرال المتقاعد يتسحاق بريك مقاله في صحيفة «معاريف الإسرائيلية»:
«كما حدث في 7 تشرين الأول/ أكتوبر: نشوة ما بعد اغتيال نصر الله ستجرّ علينا كارثة أخرى»، مشيراً إلى أنّ النجاحات التي حققناها مؤخراً وخصوصا اغتيال نصر الله، ومسؤولين كبار آخرين في تنظيمه، هي نجاحات ممتازة ومهمة، لكنها لا تغيّر الواقع المختلّ الذي نعيشه إن لم تساعد في تحقيق الأهداف التي وضعناها لأنفسنا».. وقال: «آن الأوان لأن يعترف نتنياهو والمجموعة المحيطة به بأنّ شعار «تفكيك حماس كلّياً، وإخضاع حزب الله ليست أهدافاً واقعية». وإن «محاولة تحقيق هذه الأهداف تدفعه وتدفع حكومته إلى اتخاذ قرارات غير عقلانية، وإلى استمرار حرب الاستنزاف التي تضرّ بإسرائيل كثيراً. وتحت غطاء هذه الأهداف، يمكن ألّا نستطيع تحقيق الأهداف المهمة فعلاً، ولا يمكن تحقيقها إنْ لم يسيطر نتنياهو ومجموعته على ذاتهم، فسلوكهم يمكن أن يقودنا إلى انهيار دولة إسرائيل».
انطلاقاً مما تقدّم يمكن القول، إنّ بدايات الحرب البرية كشفت للقادة الصهاينة انّ حزب الله ومقاومته لم يضعفا او يتفككا، بعد استشهاد السيد والقائد، وانّ جيش الاحتلال بات الآن أمام استحقاق خوض المعركة الحقيقية في مواجهة المقاومة، اي المعركة البرية التي تقرّر نتائج الحرب، والمنتصر والمهزوم فيها، وفي هذه المعركة التفوق فيها ليس للطيران الذي يملكه العدو، وإنما للمقاتل وكفاءته، ومدى ما يملكه من شجاعة وجرأة وإيمان وقضية عادلة واستعداد التضحية وصولاً للاستشهاد.. وهي صفات لا يملكها الجندي الصهيوني.. وهو ما أثبتته حرب تموز عام 2006 وما تناقله جنود العدو عن صعوبة وضراوة القتال الذي واجهوه من قبل رجال المقاومة، وهو ما يتكرّر هذه الأيام في العديسة وكفركلا، ومارون الراس، وعيترون ويارون…