أولى

لماذا تتوعّد «إسرائيل» إيران بردٍّ قاسٍ… وتضرب لبنان؟

‬ د. عصام نعمان*

“إسرائيل” تتوعّد إيران بالردّ على ضربتها الصاروخية المدوّية مساء يوم الثلاثاء الماضي بضربةٍ أقسى. لكنها تنفّذ وعيدها بشنّ حرب إبادةٍ على حزب الله، تنظيماً وقدرات وجمهوراً وبيئة، وعلى لبنان من جنوبه الى شماله بلا هوادة وعلى مدار الساعة.
إذا كان بنيامين نتنياهو قد خطّط وباشر بتنفيذ حربه على لبنان قبل الضربة الأخيرة التي كالتها إيران لكيانه الغاصب، فلأنه وفريقه الحاكم أدركا مبكّرين انّ حزب الله ينمو ويتعاظم بوتيرةٍ متسارعة وقد يتمكّن، ربما وحده دونما مشاركة إيران، من تقويض الكيان الصهيوني. وعليه، يمكن تلخيص حرب الإبادة التي يشنّها الصهاينة حاليّاً بأربع كلمات: التقتيل والتدمير والتهجير والتفكيك. نعم، تفكيك لبنان شعباً ودولةً ومؤسسات.
لماذا يتمادى الصهاينة ليلاً ونهاراً في تدمير لبنان وقتل شعبه وتهجيره؟
لأنّ “إسرائيل” استعاضت مرحلياً عن ضرب إيران بضرب حلفائها من قوى المقاومة في فلسطين ولبنان واليمن والعراق وسورية. تركيز “إسرائيل” حاليّاً على ضرب حلفاء إيران لا يعني الاستغناء عن ضربها تحديداً. ذلك أنّ أسباباً ومحاذير ومخاطر وتحديات عدّة تتطلّب، في تقدير قيادة “إسرائيل” السياسية والعسكرية، معالجةً وتحسّباً وتحوّطاً قبل الإقدام على توجيه الضربة لإيران. في طليعة هذه المحاذير والمخاطر مسألةُ تقدير حجم التدمير والأضرار والخسائر العسكرية والاقتصادية الناجمة عن ضربة إيران الأخيرة.
قيادةُ “إسرائيل” لم تنكر، بادئ الأمر، ما أصاب كيان الاحتلال من تدمير وأضرار، ثم حاولت التخفيف من مستوى حجمها وتداعياتها. لكن مراكز رصدٍ وأبحاث وصحف ومراقبين وإعلاميين في الولايات المتحدة وغيرها كشفوا ما لَحِق بكيان الاحتلال من تدمير وخسائر، لا سيما في قواعده ومطاراته العسكرية، فاتّضح أنها جسيمة ووازنة ونجمت عن استخدام إيران صواريخ فرط صوتية بعيدة المدى وشديدة الفعالية ما استوجب عدم التعجيل بل تأجيل ضرب إيران الى وقت لاحق.
أبرزُ أسباب التأجيل ثلاثة:
الأول، التحسّب لمفاعيل تفوّق إيران في الردع في ضوء امتلاكها صواريخ هجوميّة ودفاع جوّي متطورة.
الثاني، ثبوت امتلاك حزب الله ترسانة ضخمة من الصواريخ المتطورة. تجلّى ذلك في نجاح مقاتليه بصدّ وإلحاق خسائر جمّة بالعدو “الإسرائيلي” على حافة الحدود بين لبنان وفلسطين المحتلة رغم كثافة القوات التي حشدها في مواقع الاشتباك.
الثالث، وجود مخطط استراتيجي لنتنياهو وحلفائه المتطرفين لا تنحصر مراميه بإضعاف حزب الله وحلفائه فحسب بل يتعدّى ذلك الى محاولة إرساء “نظام جديد” للشرق الأوسط يؤمّن هيمنة “إسرائيل” على كامل الإقليم كما يحمي مصالح الولايات المتحدة ودول الغرب الأطلسي.
هذا المخطط البالغ الطموح لا يمكن تحقيقه من دون مشاركة سياسية وعسكرية واسعة من الولايات المتحدة. وبما أنّ هذه الأخيرة منشغلة بانتخاباتها الرئاسية في الوقت الحاضر، فلا سبيل إلى مشاركتها في التدابير العملانية التي يستوجبها المخطط المذكور قبل اضطلاع الرئيس (أو الرئيسة) الجديد المنتخب بسلطاته في العشرين من شهر كانون الثاني/ يناير المقبل.
هذه الحقائق الواضحة والتطورات المرتقبة لا تغيب عن أذهان قادة إيران. وإذ لاحظوا انّ نتنياهو وفريقه الحاكم من جهة، ومسؤولين أميركيين يتمادون من جهة أخرى في إطلاق تصريحات ومواقف تنطوي على اعتزام العدو الصهيوني، بتشجيع ودعم من واشنطن، باحتلال جنوب لبنان “لفترة من الزمن”، فقد بادروا الى تسريب ردود فعل متشدّدة عبر الصحف المحلية قبل أن يحسم المرشد الأعلى السيد خامنئي الموقف الرسمي خلال خطبته يوم الجمعة الماضي في تأبين القائد الشهيد السيد حسن نصرالله.
في هذا السياق، كان رئيس الجمهورية مسعود بزشكيان ورئيس هيئة الأركان العامة للقوات المسلحة اللواء محمد باقري أكدا أنه في حال قيام “إسرائيل” بأيّ اعتداء ضدّ إيران، ستقوم الأخيرة بردّ أقوى عليه.
محللون ووسائل إعلام إيرانية عدّة تحدّثت عن ضرورة الحفاظ على مستوى عالٍ من التهديد ضدّ “إسرائيل” وأهمية تغيير العقيدة النووية الإيرانية بغية منع الكيان الصهيونيّ من تطبيق مشروعه الرامي إلى إضعاف محور المقاومة وإرساء قواعد نظام جديد للشرق الأوسط تكون “إسرائيل” محوره. صحيفةُ “فرهيختكان” رأت: “إن كنا نريد خفض التهديدات الأمنية والعسكرية ضدّ بلادنا، فلا بدّ من الاحتفاظ بظلال الحرب فوق رأس التطورات لفترة زمنية متوسطة المدى على أقلّ تقدير، فإيجاد انطباعات يُستشفّ منها عدم الاهتمام أو الانفعال إزاء الأنشطة العملانية لبلادنا لدى الطرف الإسرائيلي، يمكن أن يضرّ بالإنجازات الباهرة لعملية الوعد الصادق2، ويُعيد الظروف الى ما كانت عليه خلال الأشهر الأخيرة”.
صحيفةُ “ارمان ملي” علّقت على ردة الفعل الإيرانية التالية في حال قيام “إسرائيل” بعمل ما، بأنّ “إيران استخدمت صواريخ فرط صوتية 2 و 3. ولكن إذا أرادت “إسرائيل” القيام بمغامرة جديدة، فثمة احتمال بأن تستخدم طهران صواريخ الجيلين 4 و 5 من هذا الطراز التي تتمتع بتعقيدات أكثر فعالية (…) وستستهدف عمق الأراضي المحتلة لأنها قادرة على إنزال ضربات ساحقة بإسرائيل”.
الأبرزُ والأكثر لفتاً للنظر والتقدير ما أوردته صحيفة “جوان” القريبة من الحرس الثوري بقولها: “إنّ تغيير عقيدة إيران النووية ضروريّ للتصدي للنظام الإسرائيلي الهدّام. لقد أطلق الإسرائيليون على عملية اغتيال السيد حسن نصرالله اسم “عملية النظام الجديد”، وهو يرمز الى استخدام القوة المدمّرة الممتزجة بالتكنولوجيا بغية ممارسة هيمنة قائمة على التكنولوجيا العسكرية في غرب آسيا. إن مخاطر النظام الذي تريد “إسرائيل” تحقيقه تلوح في الوقت الذي كانت فيه عقيدة إيران النووية، طوال الأعوام الخمسين ونيّف الماضية، تتمثّل في الاستخدام السلمي للتكنولوجيا النووية. لكن طهران تمتلك اليوم الإمكانات وطاقات التمهيد والفرصة اللازمة للتحوّل السريع في هذا البرنامج. ففي العالم الذي نعيش فيه، وفي ظروف الحرب المحفوفة بالمخاطر (التهديد الوجوديّ)، فإنّ الشيء الوحيد الذي يُقنع الدول التسع التي تمتلك السلاح النووي و”إسرائيل” بألاّ تستخدم السلاح النوويّ، هو معرفة ان الدول الغريمة لها تمتلك السلاح النووي أيضاً”.
المرشدُ الأعلى السيد علي خامنئي أكد في خطبة تأبين القائد الشهيد السيد حسن نصرالله أن “إيران لن تتأخر في أداء الواجب، ولن تنفعل ولن تتسرّع ولن تقصّر (…) دفاع حزب الله عن غزة ونصرته للمسجد الأقصى هما خدمة مصيريّة للمنطقة كلها لأنّ كلّ ضربة تنزل بالكيان الغاصب هي خدمة للمنطقة ولكلّ الإنسانية”.
إذ حسم المرشد الأعلى موقف إيران الرسمي بقوله إن “إيران لن تتأخر في أداء الواجب”، فإنّ نائب قائد الحرس الثوري الإيراني اللواء علي فدوي كان أكثر حسماً في تحديد معنى “أداء الواجب” بقوله: “إننا سنستهدف منشآت الطاقة والغاز الإسرائيلية إذا ارتكبت إسرائيل خطأ”.
هذا التأكيد على الحسم في “أداء الواجب” من جانب قيادة الحرس الثوري، هل يسري أيضاً على حزب الله، بعدما ارتكبت “إسرائيل” عدّة أخطاء بل جرائم في حربها الإبادية ضدّ جنوب لبنان، بل ضدّ كلّ لبنان، فيبادر الى استهداف حقل وموقع “كاريش” النفطي الإسرائيلي في البحر المتوسط اقتصاصاً من كيان الاحتلال الموغل في ارتكاب جرائم الحرب والجرائم المدوّية ضدّ الإنسانية؟

*نائب ووزير سابق
[email protected]

مقالات ذات صلة

زر الذهاب إلى الأعلى