مقالات وآراء

البوصلة لا اتجاهات الريح…!

‭}‬ نجيب حمود

على رأس عام من بداية طوفان الأقصى المبارك والذي ما زال متابعاً دفقه، فاتحاً مسارات ومسدّداً أخرى، هذه وقفة قصيرة على رافده اللبناني الذي ما فتئ يزخّمه، تحاول وضع بعض النقاط على حروف عمّدت بالدم، وأيّ دم…؟
1 ـ بعد انخراط المقاومة الإسلامية في لبنان في إسناد جبهة غزة، أصبحت بهذا الانخراط هي المهاجم وخرجت عن وضعية الدفاع بالمعنى العسكري المباشر.
*نتيجة هذا بالنسبة لنا ولكلّ مراقب من الخارج أنّ كلّ ما كان من «معادلات الردع» و» قواعد الاشتباك» لم يعد صالحاً في مقاربة أداء المقاومة من حينها.
سوء فهم هذا الأداء الجديد وسوء فهم زاوية القراءة – ومن هذه الأخير مطالبتها بالتزام تحقيق معادلات الردع وقواعد الاشتباك الدفاعية – هو الذي شوّش على كثيرين منا فهم سلوك المقاومة.
لهذا ومن الناحية العملية بالنسبة للمهتمّ – حامل هم المقاومة أولاً وأخيراً -، كلّ مقاربة توصيفية أو تحليلية تستند على ما قبل مسار فتح جبهة الإسناد، من الأحسن تركها من جهتنا من ناحية، ومن ناحية أخرى مناقشة مَن ما زالوا يبنون عليها في محاججة المقاومة – لها أو عليها، سيان – بطلب تبيان مبناهم: ما هو؟
2 ـ المقاومة، ككلّ مقاومة، لها نسق ثابت أحدهما تصوّري يرتكز على المنظومة القيَمية والمعرفية التي تتبناها وتعقدها والآخر سلوكي تناضل به ومن أجله، يحكم كلّ ما يصدر عنها كمنظمة تقاوم ويصدر عن السابق.
المقاومة كتنظيم مرتكز في جغرافيا طبيعية وبشرية وسياسية، لها ثوابت تحكم أداءها كباقي التنظيمات المقاومة في التجربة التاريخية الحديثة:
*أولوية السياسي على العسكري، أعني هنا أنّ الأهداف السياسية هي من يحدّد السلوك العسكري، وإن اتحد السياسي والعسكري في أشخاص قيادتها.
*أولوية الداخل على الخارج.
في لبنان، تعريف الداخل مهمّ لفهم سلوك المقاومة الإسلامية فيه، وهو الذي عبّرت عنه مراراً عبر المعادلة الذهبية «جيش + شعب + مقاومة».
ما قد لا ينتبه له البعض (لأنّ المقاومة لم تقف عنده كثيراً وتفصيلاً بسبب بنية لبنان)، أنّ *مكوّن «الجيش» في المعادلة هو عنوان مشير (لا تعيين) للبنان كدولة واحدة موحدة وتبني على هذا التعريف مقتضياته وعلى رأسها مراعاة خصوصية هذا الكيان السياسي. وعليه فإنّ الدولة اللبنانية تصبح بهذا المعنى جزءاً من المعادلة الذهبية وأحد محدّدات مفهوم الداخل بالنسبة لها.
لا يمكن بحال من الأحوال أن تصاغ معادلة تقابلية قوامها طرفان، شعب ومقاومة قبالة جيشهما.
هذه مسألة مهمة في فهم سلوك المقاومة الإسلامية في لبنان ماضياً وحاضراً ومستقبلاً، لعلّ أول المعنيين بالانتباه لها هم المهتمّون، أعني حاملو همّها. أما غير هؤلاء فكما قال الشيخ الرئيس، علي بن سينا، «أنت ومن يستحق الخطاب».
طرح الملف الرئاسي هو أحد المحاولات لفكّ ترابط حلقات السلسلة الذهبية تماماً كما محاولات التشكيك في أداء الدولة اللبنانية الحالي، ممثلة في الرئاستين، السراي وعين التينة.
3 ـ أداء المقاومة الجديد، بعد احتواء ما أريدَ له أن يكون ضربة صاعقة (كتلك التي وجّهت لروسيا من طرف الغرب الجماعي لإركاعها بعد بداية العملية العسكرية الخاصة في إقليم أوكرانيا)، هو محاولة العودة إلى تفعيل معادلات الردع وقواعد الاشتباك الدفاعيتين حفاظاً على جبهة الداخل والمعادلة الذهبية. هذا يعني: أ) غير صحيح أنه تلقائياً وبإرادة العدو، خرجت المقاومة من مهمة الإسناد لأنّ العدو فتح في وجهها الحرب؛ ب) أنّ الذين أخطأوا في قراءة وفهم نسق المقاومة بعد فتح جبهة الإسناد، يكرّرون الخطأ بما يمكن أن يكون أخطر منه وهو قراءة سلوكها في ما بعد «أيلولها الأسود» دون ملاحظة تحوّلات أدائها.*
*بالنسبة للمقاومة، سيبقى تشخيص الشاهد عليها من عليائه، سماحة الأمين العام السيد حسن نصر الله، هو الحاكم على المسار: الربح بالنقاط*، فلتبق الإرادة والعزيمة ملتهبة لكن بعقول باردة. ولندع المزايدة لأيتام الوحدة 8200.
لعلّ أهمّ إشارة إلى مثل هذا السلوك هو في سلسلة بيانات المقاومة المتتابعة والكثيرة نسبة إلى المعهود عنها والتي انتهت بإعلانها عن قصف المنشآت في «حيفا العسكرية» مع سقوط صواريخ على «حيفا المدنية». الرسالة هنا رسالتان، يمكن صياغتهما بنكهة ساخرة: لو شئتم، سلّمنا لكم أنّ رماتنا كانوا على غير دقتهم المعهودة، فسلّموا لنا أنّ غياب الدقة هذا كان دقيقاً وأحرز في عدم إصابة المنشآت النفطية!
4 ـ بعد إحجام العدو عن مهاجمة إيران رداً على ردها، سيتبيّن يوماً بعد يوم أنه يعيد حساباته في محاولة تقويض وحدة الجبهات لأنه اكتشف أنّ ذلك سيوسعها.
هذه بداية فرملة الهروب الى الأمام.
هذه بداية تراجع مهمة من طرف رعاة الكيان لأنهم انتبهوا إلى الإحساس بالخطر من جهات خارج المحور جعلها تفكر في الدفاع عن مصالح أمنها القومي بالانخراط غير المعلن في أي توسيع للمواجهة.
أريد التأكيد على أنّ النقطة الأولى (١) هي الأهمّ، تليها الثانية (٢) وأقصد منها تحديداً فك الربط – الذي ينزلق إليه التحليل – بين أداء المقاومة في لبنان وسائر الجبهات. الواقع واحد لا شك في ذلك، لكن الاعتبار واللحاظ مهمان في تفكيك الحقيقة والا لم يعد هناك معنى للفكر، للجهاد الفكري هنا.
ولنعد إلى الميدان في مشهديته الجديدة، أعني بالخصوص بعد «التوقف» لدى العدو و»التحرك» على رأس العام الجديد لهذا الطوفان المبارك.
1 ـ محاولات العدو الدخول براً ما زالت تتركز في الشرق والوسط من الحدود.
الجبهة الغربية محاذية للبحر والعدو متحفظ على فتحها لأنها ستعني فتح الباب للمقاومة على مصراعيه بمواجهته بحرياً… في منصات الغاز.
2 ـ «التردّد» في إعلان استهداف المدنيين مرجعه إلى عدم نضوج شروط المقاومة في ذلك أساساً.. ولعله تعبير من طرف خفي على أداء قيادة المقاومة الجديدة (والمسألة ليست مانعة الجمع كما يقولون).
3 ـ جبهة غزة تمتلك مشروعية أكبر في استهداف تل أبيب من جهة وهي رسالة إلى العدو من الجهة الشمالية.
الكرة في ملعبك: هل تريد ان نصل حيفا بتل أبيب؟
أما إذا عدنا داخلياً وربطاً بما تقدّم، يمكن اختصار الوضع السياسي في ملاحظة:
القوات اللبنانية تعارض باحتشام لأنّ عينها على الشارع المسيحي وغريمها في التيار الحر: أيّ تبدّل في مسار المواجهة سيستثمره الحزب في ترصيد حساب التيار خاصة بعد تفاهم هذا الأخير مع الحركة.
لعلّ هذا ليس ظاهراً بقوة. فلنأخذ مشهد البيان الثلاثي الذي تلاه من أصبح واقعياً الناطق في الدولة اللبنانية باسم مكونها السني.
هذان مفتاحان مهمان في فهم القراءة الداخلية للمشهد والأهمّ منه القراءة بعين عوكرية، عوكر بشرط الجغرافيا أو لا بشرطها، سيان.
اليوم أكثر من أي وقت مضى، المقاومة تأوي في الداخل إلى ركن متين، سقف بيتها روح قدسية وركن بيتها طير الجنوب المؤتمَن على ما ترك له الأمين…

مقالات ذات صلة

زر الذهاب إلى الأعلى