آخر الكلام
كتاب مفتوح من زنوبيا ملكة تدمر إلى حافظ الأسد رئيس سورية*
الياس عشّي
سيّدي الرئيس
بالأمس كنتُ، مع صلاح الدين الأيوبي ويوسف العظمة، نتسقّط أخبار العالم العربي، تأتي إلينا، عبر الأقمار الفضائيّة، من تدمر، ولبنان، والقاهرة، وفلسطين.
توقفنا، نحن الثلاثة، عند اجتماع وزراء الخارجية الثلاثة: مصر والسعودية وسورية، في تدمر. عدنا إلى الوراء مئات الأعوام، حيث الانتصار على الرومان مئات من أقواس النصر، وحيث للتاريخ نكهة يكاد العرب ينسَون طعمها، لولا مبادرتكم في إعادة «تدمر» إلى الذاكرة من خلال اجتماع على درجة كبيرة من الأهمية.
تُرى كيف يمكن لإنسان عربيّ أن ينسى انتصاراتنا في تدمر وحطّين وميسلون، ويحفظ، على ظهر قلبه، بنود الاتفاقات المعقودة من أجل تكريس الذلّ، وإنهاء عهد الكرامة العربية؟
كيف يمكن، يا سيدي الرئيس، ألا يفهموا إصرارك على المحافظة على كلّ حبة تراب، في حين أننا نحن الثلاثة دخلنا ذاكرة الأشياء الجميلة من خلال المحافظة على كلّ ما يمثّله شرف المقاومة من وقفات العزّ.
ويبدو أنّ هذا الاجتماع قد حقّق ما تبغونه يا حضرة الرئيس:
أحرج اجتماع الوزراء الثلاثة «إسرائيل»، وفي اليوم التالي قصفت محطّات لتوليد الكهرباء في لبنان. وهي لم تفعل ذلك ردّاً على المقاومة اللبنانية، بل ردّاً على بيان يصدر من «تدمر» معيداً إلى الذاكرة العربية انتصاري، أنا زنوبيا ملكة تدمر، على روما، الممَثلة اليوم بالغطرسة الأميركية. كلّ ما في الأمر أنّ الأسماء وحدها تتغيّر، ويبقى المحتوى واحداً.
أعاد هذا الاجتماع الوعي للجامعة العربية التي اجتمعت لـ «توصي» بمقاطعة «إسرائيل»، وبإلغاء التطبيع بين بعض الدول العربية والكيان الصهيوني.
والسؤال: هل تكفي، يا سيدي الرئيس، هذه التوصية لتردع «إسرائيل» عن أعمالها العدوانية؟ أم أننا بحاجة إلى أكثر من ذلك؟
نحن بحاجة إلى دول عربية تقاتل لتبقى، وإلى جيل آخر من أطفال الحجارة، وإلى مقاومين يزرعون الأرض والسماء بأجسادهم، وإلى إلغاء أنصاف الحلول:
أنصاف الحلول قوّت «إسرائيل»، وأضعفت العرب،
وهذا ما ترفضونه يا سيّدي…
وسنبقى معك…
والنصر لمن يؤمن به.
*هذا المقال كتب ونشر في 10/5/2000 أيّ قبل عشرين يوماً من رحيل رئيس الجمهورية العربية السورية حافظ الأسد