نقاط على الحروف

الحرب سجال… والجولة للمقاومة

ناصر قنديل

– الحرب سجال بين المتحاربين، هذه واحدة من قواعد الحرب، ولا شك في أن الأيام التي مضت على المقاومة منذ تفجير أجهزة المناداة حتى اغتيال الأمين العام لحزب الله السيد حسن نصرالله، والقصف المتوحش على الضاحية الجنوبية وقرى وبلدات الجنوب والبقاع، كانت أياماً لجيش الاحتلال، وقالت إنها جولته بلا تردد، حيث نجح في توجيه ضربات مؤذية وكادت تكون قاتلة لو كان المعنيّ جهة أخرى غير هذه المقاومة.
– في الحرب بين قوى المقاومة والاحتلال يبدو واضحاً أن منهجية الاحتلال تقوم على تحديد جبهة الفعل ورمي كل الثقل المتاح لتدميرها بأدوات عسكرية وأمنية، والاستعانة بكل ما لدى حليفه الأميركي استخبارياً وتسليحياً وقانونياً ودبلوماسياً لتمكينه من فعل ذلك بأعلى الإمكانيات التي توفر فرص النجاح والفوز. وهذا ما فعله خلال عشرة شهور على جبهة غزة، محاولاً صناعة نصر ولو نسبي، وعندما فشل رغم كل القتل والتدمير والوحشية الإجرامية غير المسبوقة، قامت واشنطن بإمداده بحزمة قاتلة أعدتها لإسقاط حزب الله بالضربة القاضية، لصناعة نصر على القوة المحورية في قوى المقاومة التي يمثلها حزب الله، ليقطف ثمار هذا النصر معه على كل جبهات محور المقاومة، بما فيها إيران.
– أمضى حزب الله أياماً يلملم جراحه، لكنه ثبت في جبهة الإسناد وإطلاق الصواريخ على مستوطنات شمال فلسطين المحتلة مؤكداً قدرته على النهوض، حتى جاء الظهور الأول لنائب الأمين العام لحزب الله الشيخ نعيم قاسم وتوالت بعده الإشارات التي تقول بأن الحزب بصفته قلب هذه المقاومة يتعافى ويتماسك ويستعيد زمام المبادرة. وبعد الظهور الثاني لنائب الأمين العام كانت الإشارات أقوى، خصوصاً عندما تمّ إدخال معادلة الردع مجدداً على أدوات الحرب، من خلال قصف حيفا وأحيائها السكنية والاقتصادية، بعدما قالت جبهات الحرب البرية الكثير عن مدى قوة الحزب العسكرية وتماسك بنيته القتالية.
– الجولة الآن للمقاومة. إن طريقة المقاومة التي قدمتها علناً على لسان أمينها العام خلال أحد عشر شهراً من الحرب، كما قدمتها المقاومة في غزة طوال شهور الحرب، تقوم على معادلة معاكسة لمعادلات الاحتلال، فهي لا ترمي بثقلها وتضع ما بين أيديها فوراً على الطاولة، بل تعتمد التدرج البطيء في إظهار أوراق قوتها واستخدامها، وحرب الاستنزاف هي حرب المقاومة التي تنتصر عندما تجعل عدوها يُصاب باليأس من مواصلة الحرب والرهان على تحقيق النصر، وتصير أكلاف الحرب أعلى من عائداتها المرتقبة ومن أكلاف وقفها، ويصير الرأي العام داخله مسانداً لوقف الحرب بعدما كان مسانداً لاستمرارها وتصعيدها.
– المقاومة لم تستخدم بعد كثيراً مما لديها وما يعلم عدوها أنه لديها، لكنها دخلت مرحلة إظهار بعض من هذا الكثير، وهي اليوم تمسك بمفاصل الحرب التي لا يملك معها جيش الاحتلال إلا التباهي بعمليات الاغتيال التي أدت مهمتها وانتهت مفاعيلها مع نهوض المقاومة واستعادتها عافيتها، ولو بقيت الآلام والجراحات في النفوس بآثار يصعب محوها، وخلال أسبوع مضى توقف الناطق بلسان جيش الاحتلال عن التحدث عن إنجازات في العملية البريّة بعدما صار مصدراً للسخرية هو ومزاعمه التي تكذبها وقائع صارخة، عن فشل جيشه بتحقيق أي تقدم في أي نقطة من نقاط القتال، بينما تدخل المقاومة كل يوم جديداً على أدوات حربها.
– هذه الجولة للمقاومة، أمر بات واضحاً وأكيداً، بعدما صارت الجبهة البرية في يومها العاشر تحكي عن إمساك المقاومة بالسيطرة وزمام المبادرة، وصارت حيفا ميدان تصويب لصواريخ المقاومة، وجاء الهدهد بنسخة جديدة عن أهداف رادعة مقابل الاستهدافات التي تطال البنية السكانية والخدمية والمؤسسات الصحية والتربوية، وكل شيء يقول إن كل يوم سوف يحمل المزيد من اليأس للمستوطنين من جدوى رهانهم على حكومتهم وجيشهم، لضمان التلذذ الآمن بقتل المزيد من النساء والأطفال في غزة ولبنان، فكلما قتل المزيد في غزة ولبنان سيسقط المزيد من الصواريخ فوق رؤوسهم وتشتعل الحرائق في مستوطناتهم، ولن تكون مؤسساتهم الخدمية وأماكن سكنهم بمنأى عن الاستهداف، وإن ثمن الأمن الذي يحلمون باستعادته هو أن توقف حكومتهم ويتوقف جيشهم عن خوض هذه الحرب الإجرامية المتوحشة.
– المقاومة تدافع عن شعبها ولا تقتل للقتل، ولا تحرق للثأر، إنما لتدفع المتلذذين بالقتل والحرق إلى اليقين بأنهم سوف يشربون كأس السم نفسه الذي يستمتعون برؤية سواهم يتجرّع مرارته.

مقالات ذات صلة

زر الذهاب إلى الأعلى