التحديات الكبرى لا تحلها الصورة الهوليودية
ناصر قنديل
لم تنكر قوى المقاومة على كيان الاحتلال نجاحاته في استهدافها بضربات مؤلمة، خصوصاً استهدافه المقاومة في لبنان في بنيتها وقادتها وبيئتها وصولاً إلى اغتيال قائد هذه المقاومة، وما رتبته هذه الضربات المتلاحقة التي ما كانت لتتم أو تنجح لولا المشاركة الأميركية الكاملة في الكثير منها. وتعترف قوى المقاومة أنّها أصيبت وتألمت ولحقها كثير من الضرر والأذى بفعل هذه الضربات، لكن بلغة الحرب وليس بلغة الألم الإنساني تبقى قيمة هذه الإنجازات التي تُحسَب للكيان في قدرته على تحويلها إلى عناصر تغيير في موازين الحرب، وجبهة لبنان تحضر في معادلة الحرب بعنواني إطلاق الصواريخ على مستوطنات ومواقع الاحتلال في شمال فلسطين المحتلة، وقدرتها على حماية جبهتها الأمامية من أي عمليات توغل برية، فهل نجح الاحتلال في تعديل أو إلحاق الأذى بهاتين أو بإحداهما على الأقل؟
لا تنكر قوى المقاومة أيضاً، وخصوصاً المقاومة في لبنان، أن قيامها بفتح جبهة الإسناد لغزة قد أفقدها الكثير من عناصر القوة في تفعيل معادلة الردع لحماية بيئتها ومناطق توزّع هذه البيئة، خشية الرد على استهداف عمق الكيان ومؤسساته الخدمية والحيوية باستهداف العاصمة بيروت والمؤسسات الحيوية للدولة اللبنانية، وتحميل المقاومة بالتالي مسؤولية ذلك، ما أجبر المقاومة على ربط استهداف عمق الكيان ومؤسساته الحيوية باستهداف العاصمة والمؤسسات الحيوية للدولة اللبنانية. كما لا تنكر المقاومة في لبنان أن الضربات التي تلقتها منعتها من بلورة مكافئ رادع بديل لاستهداف عمق الكيان ومؤسساته الحيوية بصورة تتيح وضع هذا المكافئ في الخدمة فوراً لصناعة معادلة ردع تحمي بيئتها من مدنيين ومؤسسات مدنية، لكن ذلك لم يتأخر، وشيئاً فشيئاً تبدو معادلة حيفا وصفد وطبريا ونهاريا وعكا، وما حمله الهدهد في نسخته الأخيرة، مكافئاً فعالاً لا يلبث أن يؤتي ثماره.
بالمقابل لا تزال قيادة الكيان منذ أسبوعين لا تملك ما تقدّمه من أجوبة على مسار الحرب إلا التباهي بعمليات الاغتيال، كما فعل رئيس حكومة الكيان بنيامين نتنياهو، أو استعراض صور وفيديوات حول العمليّة البرية كان آخرها ما نقله الناطق باسم جيش الاحتلال بصورة بدت أقرب للمهزلة، بعرض أسلحة فردية أو ما يسمّيه نفقاً والدخول الى منزل على الخط الحدودي، أو تصوير رفع العلم بالتسلل خلف القوات الدولية وأخذ صورة تذكارية والهروب، فيما تبدو التحديثات التي تنتظر جيش الاحتلال بعناوين واضحة، ماذا ينتظر الجيش الذي حشد كل الفرق المقاتلة لديه على حدود لبنان ورفع شعار إبعاد المقاومة الى ما وراء الليطاني لبدء تنفيذ هذه العملية؟ وماذا ينتظر من قال إنه سوف يقوم بإيقاف صواريخ المقاومة عن شمال فلسطين ليفعل ذلك؟ وماذا ينتظر من توعّد بالرد على إيران منذ عشرة أيام ليقوم بالردّ؟
الأكاذيب الممسرحة عن خلافات أميركيّة إسرائيلية حول الرد على إيران باتت مكشوفة وتسبّب الغثيان، ووظيفتها أولاً كسب الوقت لتبرير التردد الناجم عن الذعر من النتائج والتبعات والعواقب، وثانياً تصوير الامتناع عن استهداف مواقع حيوية إيرانية قد ترتب رداً لا قدرة على تحمّله، وكأنه نتاج ضغوط أميركية، لشراء سمعة سياسيّة طيبة لأميركا، وسمعة عسكرية للكيان بتصويره قادراً على الفعل وقد امتنع إكراماً للطلب الأميركي، وحرمان إيران من صورة القوة التي تُجبر واشنطن وتل أبيب على التشاور لتفادي ما سيلحق بالكيان من أذى، وكذلك تجنيب القواعد والمصالح الأميركيّة واقتصاد الطاقة من كوارث سوف تترتّب على التورط الأميركي في المواجهة.
الإسرائيلي عالق ومعه الأميركي، وما يجري من مواجهات عسكريّة على حدود لبنان وفي مخيم جباليا وخان يونس في غزة، يقول إن زمام المواجهات البرية بيد قوى المقاومة، وسواء جرى العدوان على إيران مبكراً أو متأخّراً، فالأكيد أيضاً أن زمام الأمور وهنا بيد إيران وحجم الرد الذي سيأتي متناسباً مع حجم العدوان ويُعيد المبادرة مرة أخرى الى يد إيران. وبالتوازي تتواصل صواريخ المقاومة في التساقط في شمال فلسطين لتقول بالفشل الإسرائيلي الكامل لأهداف العملية التي تمّت خلال السعي لتحقيقها كل الضربات التي يتباهى الكيان وقادته بها، ولا يزال العنوان الذي قال السيد حسن نصرالله عنه قبلنا التحدي هو ملف مهجّري مستوطنات الشمال، بينما الصواريخ زادت كماً ونوعاً ومدى، وزاد معها المهجّرون عدداً، والكلمة كما قال السيد، لليل والنهار والميدان.