الأميركي يتدخل لإنقاذ الاحتلال: الرئاسة وحيفا
ناصر قنديل
كم كانت ساحرة صواريخ المقاومة على حيفا، وكم كان بليغاً البيان الصادر الذي أعلن قصفها ولمرة واحدة فقط رداً على استهداف الضاحية، ثم عاد إلى صيغته التقليدية، رداً على الاستهداف الهمجيّ للمدنيين في المدن والقرى اللبنانية، بعدما بدا أن الاحتلال يعرض تحت الطاولة ومن خلال الميدان تخفيض القصف على الضاحية مقابل تخفيض القصف على حيفا، أملاً ببلوغ المقايضة بالتوقف مقابل التوقف، ولم يكد يمض أسبوع حتى تكرّر قصف بيروت بصورة غير مفهومة، وتحت عنوان ذرائع لا تنسجم مع حجم انتباه مخابرات الاحتلال لاستهدافها قادة المقاومة، خصوصاً في العاصمة بيروت وتجنّب الخطأ، فعندما استهدف مقر للهيئة الصحية الإسلامية كان السؤال عن هوية المستهدف بينما كل الشهداء والجرحى هم من المسعفين، وأول أمس استهدف حي شعبي في قلب بيروت معروف بحجم وزن المقاومة وتأييدها بين سكانه، والذريعة المرتبطة بملاحقة أحد قادة حزب الله ساقطة في المرتين، لكن الرسالة أوضح، توقفوا عن قصف حيفا وإلا نقصف بيروت، حتى جاء بلينكن بالخبر اليقين، يمكننا تخفيض التصعيد عبر الحصول على ضمانات بعدم قصف العاصمة مقابل توقف القصف على حيفا.
المقاومة لم تُخرج بعد أيّاً من صواريخها الدقيقة الى الميدان، وهي بالآلاف، وتدّخرها لمعادلة بيروت مقابل تل أبيب، وهي تحمّلت عدم تفعيل معادلة الضاحية مقابل تل أبيب لتقدّم الحماية للعاصمة، وكانت معادلة حيفا تحت النار. وعندما اكتشفت المقاومة حجم الأثر المترتب على استهداف حيفا أعادت ربطها بكل عمليات استهداف المدنيين في البقاع والجنوب والضاحية، وإذا كان توقيت تفعيل معادلة بيروت مقابل تل أبيب يعود لقيادة المقاومة وحساباتها، فإن الأكيد هو أن الاحتلال الذي يتفاخر ويتظاهر بغرور القوة، بدأ يشعر بنفاد أوراق القوة، والسبب الحاسم هو الفشل الميداني في الحرب البريّة، ودخول معادلة حيفا على الخط، والتقارير المنشورة داخل الكيان تكشف حجم التداعيات التي بدأت بالظهور بقوة وسرعة نتيجة الفشل على الجبهة الأماميّة وتساقط الصواريخ بكثافة ودقة حتى حدود تل أبيب.
هنا يمكن أن نفهم الحراك الأميركي الحثيث على الضغط لمعادلة مقايضة وقف إطلاق النار بانتخاب رئيس للجمهورية، والمقصود طبعاً رئيس توافق عليه واشنطن وتقبل به جماعتها في لبنان، حيث يفترض تحت شعار الرئيس التوافقي الحصول على موافقتها وامتلاك حق الفيتو من الأطراف القادرة على تجميع ربع أصوات نواب المجلس النيابي على الأقل هو أحد شروط التوافق، والحراك ما كان ليصبح في التداول وموضع عناية وتركيز وإصرار من واشنطن لو كانت أمور الحرب من وجهة نظر واشنطن وتل أبيب تسير على ما يُرام. والحراك هنا هو محاولة إنقاذية للكيان من الفشل الذي بات يبدو محتوماً في مسار الحرب، عبر استغلال الانطباع العام عند اللبنانيين بأن المقاومة مصابة بفقدان بوصلتها مع استشهاد قائدها، وأن وزن حزب الله السياسيّ أضعف بكثير مما كان مع وجود أمينه العام، وهذا يستدعي تشجيع مناوئي الحزب، ومعهم كل الذين يستمعون لنصائح واشنطن ولو كانت مخادعة، بالدعوة إلى المسارعة لانتخاب رئيس، والهدف هو استثمار الصورة الغامضة للوضع العسكري التي يمكن خلالها مواصلة الادعاء بالتفوّق الإسرائيلي، وتقديم انتخاب الرئيس لقيادة حزب الله كوصفة مناسبة لخلاص حزب الله وبيئته من تداعيات مواصلة الحرب، والتعامل مع حزب الله وكأنه قوة ساذجة، يتيم فقد أباه وبين يديه ميراث كبير ويجب خداعه، قبل أن يكتشف ذلك. والقصد هنا قبل أن يكتشف حزب الله أنه على عتبة نصر عظيم، وأن بين يديه ما يمكن أن يأتي بالكيان جاثياً على ركبتيه طلباً لوقف النار عندما يقوم بتفعيل كل معادلاته، ويستثمر ما تصنعه بطولات مقاوميه جنوباً، بصورة تجعل نصر تموز 2006 مجرد مقبّلات في وجبة النصر المقبل.
المسمّى الأميركي بالتلميح لمعادلة تحييد حيفا مقابل تحييد بيروت، بالتصريح بمعادلة انتخاب الرئيس مقابل وقف النار، يقول إن الأميركي يسعى لوقف النار خدمة للإسرائيلي تجنباً للفضيحة التي سوف تمثلها الهزيمة المؤكدة لجيش الاحتلال، ويحاول الحصول على ثمن ضمن سياق مشروع موازٍ للحرب هو الانتقال إلى احتواء حزب الله وتقييده بعد فشل محاولات القضاء عليه وإلحاق الهزيمة به، لكن ما لم يفهمه الأميركي وكثير من اللبنانيين، أنه بالرغم من حجم الخسارة بفقدان سيد المقاومة، فإن الحزب والمقاومة يقرآن في كتاب السيّد ويفهمان جيداً معاني موازين القوى وإدارة الحرب والتفاوض ودهاليز السياسة، وأن وقف النار هو معادلة رابح رابح دون مقابل، لا رئاسة ولا تفسيرات تستعيد ما فشل الكيان في فرضه خلال حرب تموز 2006، وفق المفهوم الذي يتداوله بعض الأغبياء والمشبوهين عن ربط القرار 1701 بخروج حزب الله وسلاحه من جنوب الليطانيّ، بينما ما اتفق عليه يُحرِم اليونيفيل من حق الملاحقة والاقتحام والتفتيش لأن ما اتفق عليه هو امتناع حزب الله عن الظهور المسلح جنوب الليطاني لا أكثر، بينما التزامات الكيان المعلقة التي تنتظر التنفيذ كثيرة.