أولى

استراتيجية المقاومة في لبنان: صمود أسطوري أمام العدوان «الإسرائيلي» وضربات نوعية تغيّر معادلات الصراع

فراس رفعت زعيتر

في خضمّ المواجهة المستمرة بين المقاومة والعدو “الإسرائيلي”، تسطّر المقاومة صفحة جديدة من البطولات، تُظهر قدراتها الفائقة في التصدي لهجمات العدو وإفشال محاولاته المتكرّرة للتوغل في الأراضي اللبنانية عبر عدة محاور. منذ إعلان حكومة العدو بدء عمليتها البرية قبل أسبوعين، كانت المقاومة على أهبة الاستعداد، متصدية لمحاولات قوات نخبة الجيش “الإسرائيلي” للتقدم داخل لبنان. وقد أسفرت هذه المواجهات عن خسائر جسيمة في صفوف قوات الاحتلال من قتلى وجرحى، وفق اعترافات العدو رغم التكتم الشديد الذي تفرضه الرقابة العسكرية لديهم. بالإضافة إلى ذلك، تمّ تدمير عدد كبير من دبابات وآليات العدو بشكل مباشر أمام الكاميرات، في مشهد يعكس حجم الخسائر التي يتكبّدها. ورغم التدمير الممنهج الذي طال الضاحية الجنوبية لبيروت وقرى وبلدات الجنوب والبقاع وعمق العاصمة بيروت، التي لم تسلم هي الأخرى من آلة التدمير الإسرائيلية التي استهدفت المدنيين بحجة قصف مراكز عسكرية لحزب الله ومخازن أسلحة، بقيت المقاومة صامدة. في حين كان المدنيون هم الضحايا الرئيسيون لهذه الغارات، حيث دفعوا ثمناً باهظاً نتيجة لمجازر ارتكبت تحت غطاء “العمليات العسكرية”، وذلك على مرأى من المجتمع الدولي ومنظمات حقوق الإنسان الدولية.
ومع ذلك، ارتفع مستوى الصمود إلى درجات بطولية، خصوصاً بعد استمرار المقاومة في استهداف العمق “الإسرائيلي” عبر إطلاق الصواريخ على مستوطنات العدو في شمال فلسطين، ونجاحها في إدخال حيفا ضمن دائرة النار والتهجير بعد صفد وطبريا وغيرها من مدن ومستوطنات الشمال، مما أجبر مئات الآلاف من “الإسرائيليين” على النزوح.

أهداف العدو المعلنة

أحد الأهداف الرئيسية التي أعلنتها “إسرائيل” من هذه العملية هو إعادة المستوطنين إلى مستعمرات الشمال، إلا أنّ المقاومة نجحت في قلب هذا السيناريو رأساً على عقب، حيث أجبرت المزيد من “الإسرائيليين” على النزوح بعد توسيع دائرة استهدافاتها لعمق الكيان.
أما الهدف الثاني، المتمثل في تراجع المقاومة إلى ما بعد نهر الليطاني، فقد فشل هو الآخر بفضل تماسك المقاومين على طول الحدود مع فلسطين المحتلة، حيث يخوضون معارك شرسة على نقطة الصفر، مانعين بذلك أيّ تقدم “إسرائيلي” ومُلحِقين بالعدو خسائر بشرية ومادية بشكل يومي.

النشوة القاتلة

على الرغم من الضربات الموجعة التي وجهها العدو “الإسرائيلي” للمقاومة عبر عملياته الأمنية والاستخبارية، والتي أدت إلى اغتيال عدد من قيادات الصف الأول على المستوى العسكري، وكذلك عملية “تفجير البيجر واللاسلكي” التي نجح العدو من خلالها في إخراج آلاف العناصر من الخدمة، وصولاً إلى الضربة التي ظنّ العدو أنها ستكون القاضية، وهي استهداف رأس هرم القيادة في حزب الله، الأمين العام سماحة السيد الشهيد حسن نصرالله، إلا أنّ جميعها فشلت في تحقيق المُراد منها. رهان العدو كان مبنياً على اعتقاد بأنّ هذه الضربات المتلاحقة ستؤدي إلى انهيار حزب الله ورفع الراية البيضاء. لكن المفاجأة جاءت في قدرة الحزب على استيعاب هذه الضربات بسرعة فائقة، فلم تمرّ سوى أيام قليلة حتى تمكن من لملمة جراحه واستعادة قدرته التنظيمية والقيادية. ليبدأ الحزب بعدها مرحلة الردود التصاعدية، التي أثبتت أنّ زمام المعركة عاد مجدّداً إلى يد المقاومة. الردود القوية التي أطلقتها المقاومة تشير إلى أنها ليست فقط قادرة على الصمود، بل إنها تملي قواعد اللعبة وتفرض وتيرة المعركة بالشكل الذي تريده، وليس كما يريده العدو. هذا الواقع أظهر أنّ العدو الإسرائيلي لم يتعلّم الدرس من حرب تموز 2006، حيث كانت توقعاته تشير إلى انتصار سريع، لكن المقاومة قلبت الموازين وأفشلت أهدافه العسكرية والسياسية.

التقدّم بالنقاط

يمكن الجزم، انطلاقاً من الأهداف التي وضعتها المقاومة، وهي اعتبار جبهة الجنوب جبهة مساندة لغزة وعدم السماح للمستوطنين الصهاينة بالعودة إلى الشمال قبل توقف حرب الإبادة على غزة، وكذلك بالنظر إلى أهداف العدو المعلنة، وهي عودة المستوطنين إلى الشمال بالقوة وإنهاء حزب الله وشلّ قدراته، والدخول إلى عمق القرى الجنوبية لتثبيت وفرض قواعد جديدة، أنّ المقاومة هي من تتقدّم بالنقاط على العدو. بحيث استطاعت تحقيق أهدافها الاستراتيجية عبر تثبيت معادلات جديدة على الأرض، بينما فشل العدو في تحقيق أيّ من أهدافه سوى تدمير البنية التحتية وقتل المدنيين. ورغم أنّ العدو ترفع له قبعة “النذالة” في تنفيذ عمليات الغدر والاغتيالات، التي سخّرت لها كلّ التكنولوجيا الأميركية والدعم الأطلسي، إلا أنّ هذه العمليات لم تنل من عزيمة المقاومة أو قدرتها على الصمود.
في الخلاصة يمكن القول إنّ المسار العام للأحداث يوحي بأن العدو “الإسرائيلي” ومعه داعموه سيكتشفون قريباً أنّ رهاناتهم قد سقطت مرة أخرى. فالقدرة المتميّزة لحزب الله على امتصاص الضربات والعودة بقوة أثبتت مرة أخرى أنّ هذه المقاومة ليست مجرد قوة عسكرية تقليدية، بل حركة تمتلك إرادة فولاذية وقيادة قادرة على إدارة المعركة وفقاً لأجندتها، وليس لأجندة العدو…

مقالات ذات صلة

زر الذهاب إلى الأعلى