أولى

العدو عالق في المأزق البري والمقاومة تقلب مشهد المعركة

حسن حردان

انقضى قرابة أسبوعين على بدء قوات جيش الاحتلال الصهيوني عدوانها البري، ومحاولتها المتكررة والمستميتة للتقدّم باتجاه القرى والمناطق الحدودية في جنوب لبنان، للسيطرة على تلالها المشرفة على الكثير من المدن والبلدات اللبنانية، كمقدّمة للتوسّع في الهجوم البري لتحقيق الأهداف التي وضعها رئيس وزراء العدو بنيامين نتنياهو وصادق عليها مجلس وزرائه المصغر، وهي:
1 ـ احتلال منطقة جنوب نهر الليطاني.
2 ـ إبعاد قوات المقاومة إلى ما وراء شمال الليطاني.
3 ـ الوصول إلى البنية التحتية للمقاومة وتدمير صواريخها وأنفاقها.
4 ـ ربط انسحاب جيش الاحتلال من جنوب لبنان بنشر قوات دولية متعددة الجنسيات تُعطى صلاحيات استخدام القوة لمنع اي تواجد للمقاومة في المستقبل، وتأمين الحماية لكيان العدو.. بما يوفر الأمن للمستعمرات الصهيونية في الشمال الفلسطيني المحتلّ وإعادة المستوطنين الصهاينة إليها…
إلا أنّ جيش الاحتلال لا يزال يفشل في تحقيق أيّ تقدّم في المناطق الملاصقة للحدود، نتيجة تعرّضه لمقاومة ضارية وشرسة في كلّ المداخل والطرق التي سلكتها قوات العدو للوصول إلى أهدافها الأوّلية، وأدّت إلى تكبّده خسائر فادحة في الأرواح من جنود نخبة النخبة في جيش العدو..
هذا التطور الميداني فاجأ حكومة العدو، ومعها الإدارة الأميركية، وحلفاؤهما في المنطقة والعالم، الذين لم يكونوا يقدّرون او يتوقعون ان يواجه جيش الاحتلال هذه الشدة والقوة في المقاومة، بعد الاغتيالات التي طالت قياداتها العسكرية وفي الطليعة قائد ورمز المقاومة سماحة السيد الشهيد حسن نصر الله، بل كانوا ينتظرون ان يحصل انهيار في معنويات المقاومين يضعف من عزيمتهم وإرادتهم على القتال.. لكن ما حصل كان العكس تماماً، ولذلك لم يتمكن جيش العدو من إحداث اختراق في دفاعات المقاومة القوية، وعجز حتى الآن عن الدخول إلى مناطق لا تبعد عن الحدود مع فلسطين المحتلة سوى بضعة أمتار.. فيما لوحظ انّ العدو يتردّد بدفع أرتال دباباته للدخول إلى المناطق اللبنانية خوفاً من استهدافها وتدميرها واحتراقها بصواريخ المقاومة المضادة للدروع، في مشهد مماثل لما حصل لدبابات العدو في سهل الخيام ووادي الحجير خلال العدوان على لبنان في تموز ـ آب من عام 2006.
هذا الإخفاق المتكرر للعدوان الصهيوني في مواجهة المقاومة، حاول جيش العدو الخروج منه عبر تغيير طرق ومحاور التسلل والتقدم باتجاه تلال القرى الحدودية، لكنه فشل أيضاً، وواجه مقاومة ضارية، في رامية وعيتا الشعب وبليدا، وغيرها، وسقط العشرات من جنوده بين قتيل وجريح.
كلّ هذا أظهر مؤشرات عدة أهمّها:
أولاً، متانة دفاعات المقاومة ونجاح كمائنها وعبواتها الناسفة في اصطياد جنود العدو ومن ثم الاشتباك مع من تبقى منهم على قيد الحياة من مسافة صفر.. فيما مُسيّرات المقاومة واصلت ضرباتها الانقضاضية، وضربت بالأمس قاعدة لواء غولاني في بنيامينا جنوب حيفا تبعد عن الحدود 65 كلم، وأوقعت عشرات الجنود بين قتيل وجريح.. في مؤشر على النقلة النوعية في هجمات المقاومة وإيقاع الخسائر الكبيرة في صفوف جيش الاحتلال.. تذكر بضربة المقاومة للمدمرة ساعر في حرب تموز 2006، الأمر الذي يؤكد انّ قدرات المقاومة بخير ولم تمسّ كما ادّعى وزير حرب العدو يوآف غالانت.. ولهذا تشكل هذه الضربة الأقوى للمقاومة حتى الآن، إلى جانب تصدّيها القوي لجنود العدو في البلدات الحدودية، تحوّلاً هاماً في مسار المعركة، قلبت المشهد رأساً على عقب وأظهرت قوة المقاومة ومدى قدرتها على الضرب بالعمق الصهيوني وفي أماكن حساسة عسكرياً، مما أدى إلى ارتفاع كبير في معنويات جماهير المقاومة وعزز الثقة بقدراتها..
ثانياً، كشف إلى أيّ حدّ انّ المقاومة قد استعدّت جيداً لمواجهة ايّ اجتياح صهيوني لجنوب لبنان، وهي تملك القدرات والخبرات القتالية لمنع العدو من تحقيق أهدافه، وتدفيعه ثمن جرائمه.
ثالثاً، وأكدت بالوقائع الميدانية مدى المعنويات العالية للمقاومين واستعدادهم للدفاع عن كلّ شبر من الأرض، ولديهم التصميم والإرادة والعزيمة على إلحاق الهزيمة مجدّداً بجيش الاحتلال وتحقيق النصر على غرار ما فعلوا في حرب تموز 2006.
هذه النتائج لنحو أسبوعين من القتال البري، جعلت قناة “سي أن أن” الأميركية تصل إلى خلاصة تقول وتعترف فيها، بأنّ “حرب إسرائيل الأخيرة ضدّ حزب الله انتهت إلى طريق مسدود، إذ تشير الاشتباكات الحدودية العنيفة إلى أنّ الفوز لن يكون سهلاً، وانّ العديد من المراقبين فوجئوا من مستوى مقاتلي حزب الله، وانّ العديد من الجنود الإسرائيليين الذين يقاتلون حالياً في لبنان قالوا: إنّ التضاريس الجبلية المفتوحة تجعل العملية صعبة”.
هذا الإقرار من قناة أميركية معروفة بوقوفها إلى جانب كيان الاحتلال إنما هو دليل على شدة وبأس المقاومين وكفاءتهم القتالية، التي لم تصب بأيّ ضعف او تراجع.. مما دفع الخبراء والمحللين في داخل الكيان إلى الحديث عن مأزق “إسرائيلي” كبير يصعب على حكومة العدو الخروج منه منتصرة او قادرة على الاحتفاظ بالإنجازات التكتيكية التي حققتها في بدايات شنّ الحرب الجوية والأمنية على لبنان، وجرى تبديدها وإضاعتها في بدايات الهجوم البري.. على أنّ هذا المأزق بات ينبع من التالي:
1 ـ عدم قدرة جيش الاحتلال على تحقيق النصر على المقاومة في الميدان مما يضع القوة الصهيونية ومعها كيان العدو في وضع حرج أمام جمهور المستوطنين، وأمام حلفاء “إسرائيل”، وأمام بعض حكومات المنطقة التي تنظر إلى جيش الاحتلال على أنه قوة خارقة لا يمكن الوقوف في وجهها.
2 ـ فشل حكومة نتنياهو في وقف إطلاق صواريخ المقاومة ومُسيّراتها على الشمال الفلسطيني المحتلّ، وبالتالي عدم قدرته على الوفاء بتعهّده للمستوطنين في الشمال بإعادتهم إلى المستعمرات بواسطة القوة العسكرية.
3 ـ دخول جيش الاحتلال، في مأزق متعدّد الجوانب، يقود إلى الخسارة والهزيمة أمام المقاومة في لبنان.
على أنّ مأزق العدو يكمن في ثلاثة أبعاد:
بُعد أول، إذا ما رمى بقوة كبيرة للتوغل في الجنوب، سيقع في إشراك وفخاخ المقاومة وصواريخها المضادة للدروع ومواجهة قتال ضار مع المقاومين عن قرب يؤدي إلى تدمير دباباته، وقتل وجرح أعداد كبيرة وغير مسبوقة من ضباطه وجنوده.. مما سيلحق بجيش الاحتلال هزيمة كبيرة..
بُعد ثان، إذا ما ظلّ العدو يراوح في الحالة الراهنة من الإخفاق المستمرّ في السيطرة على القرى الحدودية وتلالها، وتكبّد الخسائر.. فإنه سيظهر في حالة من الضعف والعجز في تحقيق أيّ أنجاز أمام المقاومة.
بُعد ثالث، التراجع عن الاستمرار في الهجوم البري خوفاً من ان يُمنى بالمزيد من الخسائر والفشل والهزيمة، وبالتالي التسليم من الآن بخسارة ضئيلة، ومحاولة التستر عليها عبر العمل بمساعدة أميركية لاستثمار الإنجازات التكتيكية التي حققها، وبدّدها في المحاولات الفاشلة من هجومه البري، للتفاوض على حلّ سياسي يؤمّن له خروجاً بأقلّ الخسائر.. لكنه سيُعتبر أيضاً خسارة لأنه سيحصل بعد أن فشل في تحقيق هدفه في تحقيق النصر على المقاومة وتدمير صواريخها وتحقيق الأمن في الشمال بالقوة لإعادة المستوطنين.. وبالتالي عليه القبول بمطالب المقاومة لإعادتهم.. وفي الطليعة وقف حرب الإبادة في غزة وتحقيق مطالب المقاومة الفلسطينية..
قد يرى البعض انّ هذه المسارات الثلاثة لا يزال من المبكر الحديث عنها، لكن استمرار فشل جيش الاحتلال في الميدان بات يضغط عليه لحسم سلوك واحد من الخيارات الثلاثة الآنفة الذكر، وهي تشكل أبعاد مأزقه، وخياراته المرة.. التي علق فيها نتيجة المقاومة الباسلة والضارية التي فاجأته في ميدان القتال البري.. وفي قدرة المقاومة الجوية التي ظهرت من خلال نجاح طائراتها المُسيّرة في ضرب قاعدة للواء غولاني، والتي عكست في الوقت ذاته القدرات المتقدمة للمقاومة على صعيد الاستخبارات والاستعلام.

مقالات ذات صلة

زر الذهاب إلى الأعلى