أولى

الضربة الاستراتيجية في حيفا: اختراق استخباري يقلب المعادلات ويعيد حسابات “إسرائيل” وحلفائها

فراس رفعت زعيتر

في ضربة نوعية ذات أبعاد استراتيجية عميقة، نجحت المقاومة الإسلامية في تنفيذ عملية معقدة استهدفت اجتماعاً حساساً لكبار قادة جيش العدو “الإسرائيلي” في مدينة حيفا، كان بحضور رئيس أركان الجيش الإسرائيلي هرتسي هليفي. العملية كشفت قدرة المقاومة على اختراق أجهزة الإنذار والرادارات “الإسرائيلية” المتقدمة، ما سمح بإرسال مُسيّرة نفذت ضربتها بدقة عالية، متسبّبة في سقوط عدد كبير من القتلى والجرحى.
ورغم أنّ العدو يحاول كعادته التعتيم على الخسائر، إلا أنّ هذه الضربة وجهت صفعة قوية للمؤسسة العسكرية “الإسرائيلية”.

تفوّق استخباري ومفاجآت المقاومة

ما يميّز هذه العملية ليس فقط نجاحها في تحقيق إصابات مباشرة في صفوف ضباط وعناصر جيش العدو، بل أيضاً القدرات الاستخبارية الفائقة التي أظهرتها المقاومة في جمع المعلومات حول موقع الاجتماع وتوقيته، واختراق أنظمة الأمن “الإسرائيلية” التي لطالما روّجت لتفوّقها التكنولوجي.
هذا الإنجاز يُضاف إلى سلسلة من المفاجآت التي وعد بها الأمين العام لحزب الله الشهيد القائد سماحة السيد حسن نصرالله، والتي عاد ليؤكد عليها لاحقاً نائب الأمين العام الشيخ نعيم قاسم. العملية تمثل تصعيداً نوعياً في قدرات المقاومة على استهداف العمق “الإسرائيلي” في لحظة مفصلية، حيث يتمكن المقاومون في الجنوب من التصدي لمحاولات تقدم الجيش “الإسرائيلي” باتجاه الأراضي اللبنانية، مانعين إياه من تحقيق أيّ اختراق على الحدود ومسطّرين ملاحم بطولية بوجه نخبة جيشه الذي يتكبّد خسائر كبيرة في الميدان بشكل يومي. في الوقت نفسه، جاءت هذه الضربة لتؤكد أنّ المقاومة قادرة ليس فقط على الدفاع، بل أيضاً على المبادرة وضرب العمق الاستراتيجي للعدو في نقاط لم يكن يتوقعها.

التداعيات النفسية والسياسية على العدو

على الصعيد النفسي، أثرت هذه الضربة على معنويات الضباط والجنود “الإسرائيليين” الذين بدأوا يشككون في قدرتهم على حماية قادتهم ومقرّاتهم، مما يزيد من الضغط الداخلي على المؤسسة العسكرية. “المجتمع الإسرائيلي”، الذي كان يعيش في وهم التفوّق التكنولوجي والأمني، وجد نفسه في مواجهة حقيقة أنّ المقاومة قادرة على ضرب أهداف حساسة داخل “إسرائيل” نفسها، مما يثير حالة من الذعر والقلق.

سياسياً، هذه العملية تأتي في وقت حساس للغاية بالنسبة لـ “إسرائيل”. بعد أسابيع من توسيع ضرباتها على لبنان وإعلانها المتكرّر بأنها أوْشكت على إضعاف حزب الله، تجد “إسرائيل” نفسها الآن في موقف دفاعي، تلاحقها الضربات الموجعة في العمق، مما يضعف ثقة الجمهور “الإسرائيلي” بقيادته وقدرتها على تحقيق الأمن والاستقرار.

تحريك عجلة التفاوض:
الغرب يستشعر الخطر

على الجانب الآخر، يبدو أنّ التحولات الميدانية بدأت تدفع الولايات المتحدة وحلفاء “إسرائيل” في الغرب لإعادة النظر في استراتيجيتهم. منذ بداية التصعيد، التزم الغرب الصمت معتقداً أنّ “إسرائيل” ستنجح في فرض سيطرتها سريعاً. ولكن مع استمرار فشل “إسرائيل” في تحقيق أهدافها العسكرية ومع تصاعد الضغوط الميدانية، بدأ حلفاء “إسرائيل” يشعرون بالخطر من تداعيات إطالة أمد الحرب. واشنطن والغرب، الذين دعّموا “إسرائيل” في هذه الحرب، يجدون أنفسهم اليوم أمام واقع مختلف. كلما طال أمد الصراع، كلما زادت فرص المقاومة في توجيه ضربات نوعية مؤثرة. هذا الواقع يدفعهم إلى التحرك سريعاً لتقديم مبادرات تفاوضية قد تساهم في وقف التصعيد، بهدف إيجاد مخرج يحفظ ماء وجه “إسرائيل” ويجنّبها خسائر أكبر في المستقبل.

إعادة تشكيل المعادلة
الميدانية والسياسية

الضربة التي استهدفت ضباط وعناصر العدو في حيفا ليست فقط إنجازاً عسكرياً، بل هي تحوّل استراتيجي يفرض معادلات جديدة على الأرض. نجاح المقاومة في نقل المعركة إلى عمق الكيان “الإسرائيلي” يعزز موقفها التفاوضي في أيّ مباحثات مستقبلية، ويضعف قدرة “إسرائيل” على فرض شروطها. ومع استمرار العمليات النوعية وتصعيد المقاومة التدريجي، بات من الواضح أنّ المسار الميداني سيحدّد بشكل كبير شكل الحلول السياسية المقبلة.
في ظلّ التصعيد المتزايد والتفوّق الذي تُظهره المقاومة في ساحة المعركة، لا يبدو أنّ “إسرائيل” قادرة على تحقيق انتصار سريع كما كانت تأمل. العملية في حيفا تأتي لتؤكد أنّ المقاومة قادرة على مفاجأة العدو وتحدّي تفوّقه العسكري، مما يضعف موقف “إسرائيل” على الأرض ويعزز احتمالية التدخل الدولي لإيجاد حلّ سياسي يحفظ لها ماء وجهها أمام المجتمع الدولي وجمهورها الداخلي.

مقالات ذات صلة

زر الذهاب إلى الأعلى