نقاط على الحروف

أوهن من بيت العنكبوت

ناصر قنديل

– يخوض بنيامين نتنياهو حربه للتحرّر من عقدة المعادلة التي صنعها السيد حسن نصرالله وأطلقها في خطاب التحرير عام 2000 من ساحة بنت جبيل، “إسرائيل أوهن من بيت العنكبوت”، ويسعى عبر حربه إلى صناعة معادلات ووقائع تساعده على تحرير المستوطنين معه من عقدة هذه المعادلة، التي تشكلت منها البذرة النفسية والثقافية التي ولد منها المأزق الوجودي الذي دخله الكيان. وجاء طوفان الأقصى يعمق هذا المأزق عبر تأكيد هذه المعادلة. ويمكن وضع كل العمليات النوعية التي استهدفت المقاومة من تفخيخ أجهزة المناداة والاتصال واغتيال القادة وصولاً لاغتيال الأمين العام لحزب الله صاحب المعادلة، لتصدير هذه المعادلة إلى صورة المقاومة نفسها، والقول إن المقاومة وحزبها أوهن من بيت العنكبوت.
– خلال اكتمال أسبوعين فقط على استشهاد السيد نصرالله، كانت المقاومة تصنع ملاحم بطولية استثنائية على الجبهة الحدودية، وتنجح بتدمير دبابات جيش الاحتلال وتقتل وتصيب ضباطه وجنوده سواء عبر العبوات الناسفة أو الصواريخ الموجهة أو الالتحام المباشر، وهي تقول إنها تنهض من ركام وشظايا ورماد، وإنها لم تسقط رغم كل قسوة وشراسة الضربات، وإن هذه الضربات التي أصابتها لو أصابت دولاً عظمى ترنّحت وانهارت، لأن نسبة الـ 1% من بيئتها وهو حجم خسائرها يعادل بالنسبة لأميركا ثلاثة ملايين ونصف المليون، أما بالنسبة لعدد سكان اليابان الذي استسلم بخسارة مئتين وخمسين ألفاً بين قتيل وجريح نتيجة قصفه بالقنابل النووية في الحرب العالمية الثانية، فإن القياس بخسارة المقاومة يعادل أكثر من الضعف أي ستمئة وخمسين ألفاً، كيف إذا أضفنا إليها سقوط القائد والقيادة العسكرية والقيادة الميدانية في وقت واحد تقريباً؟ وها هي المقاومة خلال أسبوعين تقصف مستوطنات ومواقع جيش الاحتلال بأضعاف ما كانت تقصف من قبل الضربات النوعية، وتنجح لليوم الثالث عشر بأن تمنع الاحتلال من التقدم جنوباً وتكبّده أكثر من ثلاثمئة إصابة بين قتيل وجريح وعشر دبابات خلال هذه المواجهات.
– سرب المسيّرات الانقضاضية الذي وجهته المقاومة في اليوم الأهم ذاته في المواجهات البرية، نحو قاعدة بنيامينا وحصدت هذا العدد من القتلى والجرحى الذي قارب المئة مع تداول معلومات عن وجود شخصية عسكرية هامة بينهم، بعدما قطعت مسافة تزيد عن 70 كلم، وفشلت الدفاعات الجوية في إسقاطها، يقول إن حزباً ينجح بكل هذه النجاحات بعدما تلقى كل هذه الضربات، هو أقوى من خيوط الفولاذ الشبكية، فهو يقاتل بكفاءة استثنائية ويطلق صواريخه تحت ضربات سلاح الجو الأقوى في المنطقة. وفي الوقت ذاته ينفذ هذه العملية الدقيقة المعقدة مكاناً وزماناً ونوعية هدف. والمعادلة هنا بقياس قوة المقاومة، هي بقياس أن تفعل كل ذلك بعدما خسرت ما خسرت وأصيبت بما أصيبت، يجعلها أشدّ قوة مما لو فعلت هذا في زمن التعافي ووجود القيادة والقائد الأعلى والرمز الأغلى.
– بالنسبة لكيان الاحتلال، المعادلة هي أن يُصاب بهذه النكبات في يوم واحد، فشل ذريع في الحرب البريّة، وتساقط مئات الصواريخ على مستوطنات الشمال ومواقعه العسكرية، وفوقها تأتيه هذه الضربة على الرأس، بعدما تباهى كثيراً بأنه تخلّص من حزب الله، والمسألة مسألة وقت، لأن الأمر انتهى، وبدأ رئيس حكومة الكيان يتحدّث عن إعادة صياغة الشرق الأوسط، فإن الصدمة تكون أهم وأقوى مما لو حدث ذلك قبل نجاح الكيان بتوجيه هذه الضربات والزهو بها، وهي أشدّ قوة عندما يكون مصدرها مَن قام بنعيه وتحدث عن مراسم دفنه، وهنا حكاية شمشون التوراتية تحضر في صورة حزب بالله، وطائر الفينيق في الرواية الإغريقية، والحصيلة الطبيعية هي مزيد من اليقين بصحة معادلة السيد نصرالله، “إسرائيل أوهن من بيت العنكبوت”.
– يمكن القول إن قائداً عاقلاً في الكيان يذهب ليلاً إلى توقيع اتفاق مع قيادة المقاومة في غزة ينهي الحرب وينقذه وينقذ الكيان وجيشه معه من المزيد من الكوارث، والقوة النوعيّة لحزب الله لا تزال خارج الحرب، سواء على مستوى القوى البشرية والنخبة لم تظهر بعد، أو على مستوى الصواريخ، الدقيق والبعيد والثقيل منها لم يظهر بعد، فهل مَن يقدّم الضمانة بأن العبور إلى الجليل لن يكون في مقبل الأيام على نداء لبّيك يا نصرالله؟

مقالات ذات صلة

زر الذهاب إلى الأعلى