أولى

هل تستخدم «إسرائيل» سلاحاً نووياً لضرب إيران؟

‬ د. عصام نعمان*

لعلّ السؤال الأكثر إلحاحاً عشيةَ الانتخابات الرئاسية الأميركية في 5 نوفمبر/ تشرين الثاني المقبل هو: أيهما سيكون البادئ بضرب الآخر: “إسرائيل” أم إيران؟
الأيام العشرون التي تفصلنا عن انتخاب الرئيس (أو الرئيسة) الأميركي الجديد هي فترة زمنية بالغة الخطورة لأنّ الرئيس القريبة ولايته من الانتهاء يصبح، بحسب التعبير الأميركي الرائج، “بطّة عرجاء”، غير قادر على اتخاذ قرارات تتعلّق بالحرب والسلم لئلا تتأتى عنها تداعيات غير ملائمة لا للبلاد ولا لمرشح حزبه، فيخسر حزبه الجائزة الكبرى: رئاسة البلاد لمدة أربع سنوات في الأقل.
إلى ذلك، ثمة ظروف وتحدّيات سياسية واستراتيجية وحتى شخصية تواجه الرئيسين في “إسرائيل” وإيران قد ترغمهما على اتخاذ قرارات استثنائيّة وبالغة الخطورة خلال فترة العشرين يوماً التي تفصل الولايات المتحدة عن تاريخ انتقال السلطة والقيادة فيها من رئيسٍ الى رئيسٍ آخر قد يكون نقيضاً له في توجّهاتٍ ومواقف وقضايا عدّة ما يؤدي إلى حدوث متغيّرات وتحوّلات خطيرة داخل الولايات المتحدة وخارجها.
في غمرة هذه الواقعات والاحتمالات، يمكن استشراف جوابٍ مرجّح وليس حاسماً عن السؤال الأكثر إلحاحاً في هذه الآونة: مَن تراه يكون البادئ في ضرب الآخر، “إسرائيل” ام إيران؟ وقد يتفرّع عن هذا السؤال الملحاح سؤال آخر: أليس من الممكن أيضاً أن تتخلّى “إسرائيل” وإيران عن “خيار” تبادل الهجمات قبل 5 نوفمبر المقبل؟
إنّ بنيامين نتنياهو هو اللاعب الأكثر إثارةً للجدل بين القادة الممسكين بزمام السلطة في دول الشرق الأوسط. لذا يقتضي، بغية التمكّن من استشراف ردود فعله وقراراته، الإحاطة بالواقعات والمعطيات والملابسات الآتية:
*يتأثر نتنياهو بدوافع ثلاثة غالبة في حياته وسلوكيته السياسية:
الأول، البقاء في السلطة على رأس حكومته الائتلافية التي تضمّ اثنين من غلاة الصهاينة العنصريين المتطرفين، بتسلئيل سموتريتش (وزير المالية) وإيتمار بن غفير (وزير الأمن القومي) اللذين يرفضان أيّ وقف لإطلاق النار أو تسوية مع الفلسطينيين وفصائلهم المقاوِمة تحت طائلة الاستقالة ما يؤدي إلى سقوط الحكومة في حال اختار نتنياهو طريق التسوية. بسقوطها تنتهي على الأغلب حياة نتنياهو السياسية ويُساق إلى المحكمة لمقاضاته جرّاء ارتكابه سابقاً أفعالاً جنائيّة تستوجب عقوبات قاسية.
الثاني، اعتناقه الراسخ لمقولات (أوهام) توراتيّة من طراز “كلّ ما تطأه أقدامكم من أراضٍ يكون لكم”، أو “أرضك يا إسرائيل من الفرات إلى النيل”، وهي مقولات تملي على معتنقها واجب العمل لتحقيقها.
الثالث، اعتقاده الراسخ بأنّ إيران تشكّل خطراً وجودياً على الكيان الصهيوني بعدما أصبحت “دولة عتبة نووية” قادرة خلال مدة وجيزة على تصنيع سلاحٍ نووي ما يجعل “إسرائيل” وحتى أميركا غير قادرتين على التغلّب عليها أو احتوائها.
*طموح نتنياهو الى تطويب نفسه أعظمَ ملك في تاريخ “إسرائيل” لنجاحه في تخليصها من خطر وجوديّ هدّد كيانها بالزوال، يدفعه الى انتهاز فرصة امتلاك اليهود الأميركيين نفوذاً وتأثيراً واسعين خلال الانتخابات الرئاسية لشنّ حرب على إيران قبل 5 نوفمبر/ تشرين الثاني المقبل، أي عندما لا يكون الرئيس بايدن قادراً أو راغباً في منعه من خوضها.
أفاد موقع “والا” الإسرائيلي، نقلاً عن مسؤول أميركي رفيع بعد المحادثة التليفونية الطويلة بين بايدن ونتنياهو يوم الأربعاء الماضي، أنّ الخلافات بين الولايات المتحدة و”إسرائيل” بشأن الردّ على إيران ضاقت، وأنّ واشنطن نصحت “إسرائيل” بعدم ضرب منشآت إيران النووية أو مرافق النفط والغاز كي لا تتسبّب بأزمة عالمية نتيجةَ ارتفاع أسعارهما.
*المرشحُ الجمهوريّ دونالد ترامب كان قد دعا نتنياهو، بعد انطلاق حرب إبادته على حركة حماس والشعب الفلسطينيّ، إلى ضرب منشآت إيران النووية لكونها تدعم حماس وحلفائها.
*المجلسُ الوزاريّ “الإسرائيلي” المصغّر للشؤون الأمنية “الكابينت” أرجأ الأسبوعَ الماضي التصويت على موعد الهجوم المرتقب على إيران، ونقلت وسائل إعلام عن مصدر أمني أنّ هناك توجهاً الى تأجيل التصويت الى موعد قريب من تنفيذ الهجوم، بينما لمّحت وسائل أخرى إلى اعتزام نتنياهو شنّ الهجوم قبل 5 نوفمبر/ تشرين الثاني المقبل، مشيرةً إلى تصريح وزير الحرب يوآف غالنت: “إنّ ردّ “إسرائيل” على الهجوم الإيراني سيكون قاتلاً ودقيقاً ومفاجئاً، ولن يفهم الإيرانيون ما حدث وكيف حتى يروا النتائج”. وقد فُسّر تصريحه بأنه ينطوي على تهديد باستخدام سلاح نووي.
كيف تراه يكون ردّ إيران على هجوم “إسرائيل” المرتقَب؟ يمكن استشراف ذلك من خلال الإحاطة بالواقعات والمعطيات الآتية:
*يتّضح من المواقف والتصريحات التي يدلي بها كبار المسؤولين الإيرانيين أنّ طهران مستعدة ومتوثبة للردّ على ايّ هجوم إسرائيلي وفق معادلة التناسب والضرورة بحيث يزيد هجومها عن حجم الهجوم “الإسرائيلي” نوعاً ومقداراً تدميرياً.
*تعتقد القيادة الإيرانية أنّ تل أبيب أدركت، بعد ردّ إيران الصاعق عليها مطلعَ الشهر الحالي، أنّ طهران تمتلك القدرة على الردّ الدقيق والمؤلم ما قد يحمل “إسرائيل” على وقف ردّها او إرجائه إلى حين تصبح مشاركة الولايات المتحدة فيه ممكنة ومضمونة.
*تدرك طهران أنّ كلّ هجوم او اعتداء تقوم به تل أبيب يتم ّبقرار مشترك مع واشنطن وإنْ كانت اداة التنفيذ تكون، غالباً، “إسرائيلية”.
*تتصاعد في وسائل الإعلام القريبة من الحرس الثوري الإيراني الدعوة إلى تغيير عقيدة إيران النووية وذلك في ضوء تحدّيين: مجاهرة “إسرائيل” بالعمل لتحقيق ما تسمّيه “النظام الجديد للشرق الأوسط” لضمان هيمنتها على الإقليم، واحتمال استخدامها سلاحاً نووياً في ردّها على إيران ما يستدعي امتلاك طهران السلاح النوويّ “لأنّ الشيء الوحيد الذي يُقنع الدول النووية التسع و”إسرائيل” بألّا تستخدمه هو معرفتها بأن إيران تمتلكه أيضاً”.
*لئن ترجّح طهران عدم قيام تل أبيب بهجومها قبل 5 نوفمبر/ تشرين الثاني المقبل، إلاّ أنّها لا تستبعده بالمطلق، وقد أعدّت للردّ على كلّ اعتداء عدّته.
في ضوء هذه الواقعات والملابسات والتحديات، هل تستبق إيران هجوم “إسرائيل” بضربةٍ يكون من شأنها إجهاضه؟
لا جواب حاسماً في هذا الظرف الدقيق. لكني أرجّح أن يتصرف نتنياهو في ضوء الاحتمالات الآتية:
ـ إذا ضمِن سكوت إدارة بايدن عن هجومه مع توفيرها مسبقاً كمية كبيرة من القنابل الثقيلة الاختراقية للتحصينات الإيرانية، فإنه سيقوم بالهجوم قبل 5 نوفمبر/ تشرين الثاني المقبل.
إذا تعذّر عليه الحصول من بايدن على الموافقة السياسية والمعدات العسكرية المُشار إليها آنفاً، فقد يكتفي مرحلياً بشن هجوم لا يستهدف منشآت إيران النووية أو مرافقها النفطية بل يتركّز على مواقع عسكرية واقتصادية بالغة الأهمية.
ـ إذا لاحظ أنّ استطلاعات الرأي ترجّح فوز حليفه دونالد ترامب فإنه لن يتردّد في شنّ الهجوم على إيران مستخدماً قنبلة نووية تكتيكية سواء كان بمقدورها تدمير المنشآت النووية الإيرانية أو التسبّب فقط بأَضرار فادحة لبناها العسكرية والاقتصادية.
يبقى أن ينتظر نتنياهو و”إسرائيل” ما تكون قد أعدتّه لهما إيران من مفاجآت.

*نائب ووزير سابق
[email protected]

مقالات ذات صلة

زر الذهاب إلى الأعلى