دردشة صباحية
الفئران الثلاثة
يكتبها الياس عشي
إذا كان الشاعر هو صحافي القوم كما سمّاه الأقدمون، فإنّ «أبا العتاهية» تنطبق عليه هذه التسميةُ بامتياز، فقد لاحظ الشاعرُ أنّ الهوّةَ سحيقةٌ بين الأغنياء والفقراء، وأنّ أميرَ المؤمنين هارون الرشيد لا يأبه لذلك، فأرسل إليه قصيدةً من أهمّ أبياتِها:
مَنْ مبلغٌ عنّي الإمامَ نصائحاً متتاليهْ
إنّي أرى الأســعـار أسعارَ الرعيّةِ غاليهْ
وأرى اليتامى والأراملَ في البيوت الخاليهْ
من للبطون الجائعاتِ وللجسوم العاريهْ
ألقيت أخباراً إليك عن الرعيّة شافيهْ
*****
وبعد ألف عام ونيّف ما زال ارتفاع الأسعار يقضّ مضاجع الناس، وما زال الجوع يفتك بالملايين من الناس، وما زال أباطرة العالم يتحكمون في الأسواق، ويرسمون خرائط للفقر في القسم الجنوبي للكرة الأرضية!
وحدها الكلاب والقطط تعيش في حالة من الاسترخاء والرخاء، فقد صار لها طعامها الخاص، ومستشفياتها الخاصة، ونواديها الخاصة، وألبسة وقبعات تصمّمها دور أزياء خاصة بهم!
ومع ذلك يتحدثون عن العدالة، وعن حقّ الشعوب في العيش الكريم، وكأنهم لم يسمعوا ما قاله پاسكال:
«مهزلة هذه العدالة التي يحدّها مجرى ماء»!
وتحضرني هنا قصة طريفة، فقد رأى أحد الأمراء في منامه ثلاثة فئران: أحدهم بدين، والثاني هزيل، والثالث أعمى… فاستدعى الأمير عرّافةً غجرية بارعة لتفسّر له الحلم. وبعد أن أمعنت في التفكير قالت للأمير:
الفأر السمين هو رئيس بلاطك ووزيرك الأول،
والفأر الهزيل هو شعبك، والفأر الأعمى هو أنت!