لماذا يتفوق حزب الله على كيان الاحتلال؟ .. بماذا يتفوق على خصومه اللبنانيين والعرب؟
ناصر قنديل
– في المواجهة الدائرة منذ سنة على حدود لبنان الجنوبية بين المقاومة التي يقودها حزب الله وجيش الاحتلال، حقائق وأوهام وأحلام ووقائع. ومن الحقائق والوقائع، أن حزب الله خاض المواجهة بأقلّ بكثير وكثير جداً مما كان يرتّبه شعوره بفائض القوة الذي يملكه، وأنّه رغم التزامه العقائديّ والديني بواجب فعل كل شيء لمنع المذبحة بحق أهل غزة، وما يفرضه ذلك من وضع فائض قوته في الميدان، ورغم إدراكه الاستراتيجيّ أن جيش الاحتلال سوف يرتدّ بحرب على لبنان لمجرد الانتهاء من حسم الحرب في غزة، ما يمنح حربه طابعاً استباقياً رادعاً يستدعي بذل أقوى ما في يديه لفرض هذا الردع، فقد انتبه حزبُ الله أن الذهاب إلى الأعلى والأقوى لن يوقف الحرب على غزة ولن يمنع الحرب على لبنان، بل سيخلق موجة تعبئة غير مسبوقة في الغرب للدفاع عن الكيان وتماسكاً استثنائياً داخل الكيان لشنّ حرب كونية على المقاومة في غزة ولبنان، بينما تحمّل الآلام الناتجة عن التعامل الموضعيّ في الجبهة، سوف يظهر حقيقة الحرب الوحشية الإجرامية للكيان وسوف يتكفل شعار وقف الحرب على غزة الذي يتبنّاه الحزب وقوى المقاومة في غزة، سوف يظهر بالتوازي أن المضي بالحرب بلا قضية إلا الوحشية والإجرام والعدوان، فيُسقط فرص الحرب الكونية التي ظهرت طلائعها في حشد قادة الغرب بكل إمكاناتهم وراء الكيان في اليوم الأول لطوفان الأقصى، فربح حزب الله مشروعية الحرب وخسرها الكيان. وبدأت هذه المشروعيّة تتحوّل كرة ثلج تكبر كل يوم مع تمادي جرائم الكيان وانكشاف وحشيّته، مقابل البعد الدفاعيّ لحرب قوى المقاومة.
– يعتقد البعض أن حزب الله كان يستطيع تفادي ما صمّم له ونفذ بحقه من استهدافات وصلت إلى اغتيال قائده الشخصية الأهم في تاريخه وتاريخ حركات التحرّر والمقاومة، لو لجأ الى استخدام فائض قوته مبكراً، مشيرين إلى أن التأخر في تظهير هذا الفائض فهم عند الكيان ضعفاً وعجزاً أو خوفاً فتجرأ الكيان على الذهاب الى ما هو أعلى، لكن تجربة حزب الله تقول إنه لا يستطيع تبرير الذهاب إلى أعلى ميكافيلياً، بل أخلاقياً، وليست لديه المظلومية التي تكفي لاستيلاد المشروعيّة التي يحتاجها في تسييل فائض قوته. وما لديه من مظلومية غزة في ظل مناخ دولي عربي مسموم يريد لغزة أن تُقتل بصمت، لا يمنحه مشروعية الزج بلبنان وحيداً في أتون حرب كبرى إلا دفاعاً، أي بعد أن يذهب الاحتلال الى هذه الحرب على لبنان، ولو كانت البداية هي ما كلّف حزب الله غالياً.
– ما نشهده من حزب الله هذه الأيام ليس استفاقة بعد الصدمة، ولا استدراكاً لفعل ما كان يجب فعله وتأخر، بل هو خطة حزب الله من البداية، عندما يصعد الكيان سلم الحرب الكبرى ويرتكب جرائم وحشيّة تمنح الحزب مشروعيّة وضع فائض قوته على الطاولة، فإنه يبدأ بفعل ذلك تباعاً، منطلقاً من قوة المشروعيّة والمظلوميّة، وهي قوة أخلاقيّة لا يدرك أهميتها ومعناها كثيرون، لكنها قوة حزب الله السريّة التي طالما انتصر بقوتها كل مرة، وها هو قد تمرّس وتدرّب وتمأسس على كيف لا يسقط بالضربة القاضية، أي ضربة قاضية مهما بلغت قوتها، يواصل ضربات الربح بالنقاط ويرفع منسوبها بسرعة، إلى حيث تمنحه كل مرحلة من مشروعيّة، وتفوّق أخلاقيّ، ويقف الكيان أمامه على الحلبة مشدوهاً فاغراً فمه بذهول، بعدما انتظر الرقص على قبره، وبدأ الاحتفال بنهايته بالنظر لقوة الضربات التي وجّهها إليه، وإذ يجد أمامه ما قرأه في التوراة عن شمشون الجبار، وفي روايات الإغريق عن طائر الفينيق الخارج محلقاً من تحت الرماد، وها هو الكيان مجبر أن يفعل أقلّ مما فعله من قبل مهما أراد أن يرفع من مستوى فعله، بينما الحزب يذهب إلى أعلى بكثير مما فعله من قبل مهما أراد أن يخفض من مستوى الفعل، ويصبح مسار الحرب واضحاً، قوة صاعدة فيها تصنع المسرح وتسدّد الضربات هي حزب الله، وقوة هابطة هي الكيان تضرب بصخب لكن خبط عشواء وتتلقى اللكمات المؤلمة على الوجه.
– المعادلة اليوم بين حزب الله وكيان الاحتلال، في ميزان الحرب، أن حزب الله كسب حرب القيمة المضافة وجوهرها التفوّق الأخلاقيّ دون أن يخسر فائض قوته، وأن الكيان استهلك كل مخزون القيمة المضافة الذي تراءى له من التعاطف العالميّ يوم الطوفان، وقد تحوّل مجرم حرب، وها هو وقد استهلك كل فائض القوة الاستثنائيّ الذي كان قد تجمّع لديه، ولذلك نرى حزب الله يدخل هذه المرحلة من الحرب بكل قوة القيمة المضافة ومخزون هائل من فائض القوة، بينما يواصل الكيان الحرب وقد استهلك كل ما كان يحلم بأن يكون لديه لوهلة من فائض قوة وقيم مضافة وقد بدّده التوحش والعدوان وغرور القوة.
– حزب الله في مواجهة خصومه العرب لا يقول شيئاً، لكنه الصمت البليغ، إذ يكفي ما يقولونه هم، وما يفعله هو، فهو الذي يفترض وفقاً لسرديّتهم ضدّه خلال عقود، أنه حزب المشروع الخاص لا حزب فلسطين، وأنه حزب إيران لا العرب، وحزب طائفته لا الإسلام، وإذا بهم في لحظة لا يستطيعون الزعم أنها ليست ساعة فلسطين وساعة العرب وساعة الإسلام، يجدونه في قلب الحرب، يفضح تآمرهم وخذلانهم ويؤس عقولهم وأمراض نفوسهم، ولذلك ينفجرون غضباً من حالتهم المزرية ومن خزيهم، ولو انفجر غضبهم في وجه حزب الله، ولذلك هو يصمت ويسخر ويبتسم، ويقول الساحة تتسع للجميع من أجل فلسطين والعرب والإسلام، وأن تأتي متأخراً خير من ألا تأتي أبداً، ويُعدّ للنصر خطاباً يهديه لكل الأمة، ويقول نريده نصراً لجميع العرب والمسلمين. ويضيف لقد منعنا أن يتغوّل هذا الكيان الذي إذا ترك وأخرج الوحش الذي يختزنه في داخله وتسيّد على المنطقة فلن يعاملكم إلا معاملة العبيد، وحتى لو قبّلتم يديه وأقدامه فسوف يستحلّ لنفسه الأرض والمال والعرض.
– حزب الله في مواجهة خصومه اللبنانيين، يفهم أن البعض ضدّه لأن لديهم شهوات سلطوية يراهنون على العداء لحزب الله أن يجلب لهم دعماً كافياً من أعدائه في واشنطن وتل أبيب ليقترب من نيلها، وأن بعضاً آخر يحمل أحقاداً على الحزب ودفاعه عن سورية من موقع تأييدهم لما خطّط له أعداء سورية ضدها، ويظنّ هؤلاء أنه لولا حزب الله لتحقق لهم ما أرادوا، وأن بعضاً يحمل للحزب ضغينة داخلية تتصل أنه لم يدعم مشروعه السلطويّ، أو أنه دعم مشاريع مخالفة مثل دعمه لرئاسة العماد أميل لحود وتالياً العماد ميشال عون وأخيراً ترشيح الوزير سليمان فرنجية، لكن حزب الله ينظر للمعركة التي يخوضها اليوم ومنذ سنة بصفتها الحرب التي أخضع إدارته لها لحساب الوطنية اللبنانية، رغم كل أسبابه لخوضها وفق معايير يعتقد الكثيرون أنها أعلى مرتبة عنده، فهو اكتفى بتفعيل الجبهة الأماميّة تحت شعار اذهبوا ووقعوا اتفاقاً ينهي الحرب على غزة، لأنه على يقين بأن الرفض يعني أن الكيان يخبئ حرباً على لبنان، كشفت الضربات التي تلقاها الحزب، أنها إعداد أميركي إسرائيلي مسبق لحرب كبرى، وليست انتقاماً من مفاعيل جبهة الجنوب الأماميّة، كما لم تكن حرب تموز رداً على أسر الجنديين وتبين لاحقاً بوضوح وبالوثائق أنها حرب مسبقة الإعداد فرض الحزب على الكيان خوضها وهو مفتح العيون وثابت الأقدام ويده على الزناد، بدلاً من أن تُخاض والكل نيام.
– حزب الله في مواجهة خصومه اللبنانيين يسبقهم بخطوتين، الأولى نجاحه لسنة كاملة بتجنيب لبنان حرباً كانت ستأتي بمجرد الانتهاء من حرب غزة، وهو أمر لا يملك أحد جواباً على سؤال ما إذا كانت ستأتي قبل الآن أم بعده، لو تركت غزة وحيدة، وكم كانت سوف تصمد حينذاك بروح الشعور بالتخلي واليأس من مواصلة الحرب بلا أفق ولا أمل. وهو عندما ذهب الكيان إلى هذه الحرب فقد نجح بأن يجعل وقودها ما أمكن حصراً من بيئته وبنيته وقادته، وليس من سائر بيئات الوطن ومؤسساته ومدنه وقراه، أما الخطوة الثانية فهي أنه بينما يقف خصومه يرفعون شعارات الاحتلال ذاتها المتصلة بنزع سلاح المقاومة تحت عنوان القرار 1559، فإن الشعب اللبناني كله يقف وراء الدعوة لأولويّة وقف إطلاق النار، كما تضمّنها نداء الرئيس نبيه بري الذي أيّده الرئيس نجيب ميقاتي والأستاذ وليد جنبلاط والأستاذ جبران باسيل، وأعلن الشيخ نعيم قاسم أن حزب الله يؤيّده أيضاً.
– يتفوق حزب الله أخلاقياً في الاستراتيجية والتكتيك أيضاً، فيربح حروبه، ويسبق خصومه العرب بأنه عربي أكثر منهم، وخصومه المسلمين بأنه مسلم أكثر منهم، وخصومه اللبنانيين بأنه لبنانيّ أكثر منهم.