أولى

الجنرال إعلام الصهيونيّ لا يزال يخدعنا!

‬ د. محمد سيد أحمد

ليست المرة الأولى التي نتحدث فيها عن الجنرال إعلام، ذلك المصطلح الذي قمنا بصكه منذ انطلاق موجة الربيع العربي المزعوم قبل عقد ونيّف من الزمان، حيث يُعدّ الإعلام في العصر الحديث أحد أهمّ أدوات تشكيل الوعي لدى الرأي العام، وعملية تشكيل الوعي بواسطة وسائل الإعلام ليست بريئة على الإطلاق، فدائماً ما تتحكّم فيها مصالح القوى المسيطرة على هذه الوسائل سواء كانت قوى سياسية أو اقتصادية، وغالباً ما تنحرف هذه القوى بوظيفة الإعلام الرئيسيّة، فبدلاً من أن تسعى إلى تشكيل وعي حقيقي للرأي العام من خلال تصوير الواقع كما هو عليه ونقل الحقائق والمعلومات بموضوعيّة وشفافيّة، نجدها تفعل العكس حيث تسعى هذه القوى إلى تزييف وعي الرأي العام بحقيقة ما يحدث حوله سواء في مجتمعه أو إقليمه أو العالم.
وخلال السنوات الأخيرة ظهر الدور الخطير للإعلام، حيث أصبح أحد أهمّ الأسلحة التي استخدمها العدو الأميركي – الصهيوني لتنفيذ مخطط تقسيم وتفتيت المنطقة العربية والذي عُرف إعلامياً بمشروع الشرق الأوسط الجديد أو الكبير في إطار ما يُسمّى بالربيع العربي المزعوم، وتمّ استخدام الجنرال إعلام للتلاعب بأمن واستقرار المنطقة العربية، وخلال هذه الحرب سقطت سريعاً العديد من الأقطار العربية بفضل الجنرال إعلام الذي قام بتزييف وعي الجماهير وإيهامها بأنّ ما يحدث هو ثورة ستحقق لهم العيش والحرية والعدالة الاجتماعية، وبالطبع لم تجنِ هذه الجماهير أيّ مكاسب من تصديقها للجنرال إعلام غير مزيد من المعاناة إلى جانب تخريب وتدمير مجتمعاتها والرابح الوحيد مما حدث هو أميركا وكيانها الصهيوني فقط عبر الأربع عشرة سنة الماضية.
ومنذ قرّر العدو الأميركي – الصهيوني خوض حربه الجديدة الخبيثة في إطار ما يُطلق عليه الجيل الرابع والخامس للحروب، وهو يستخدم الجنرال إعلام حيث سعى لتزييف وعي الرأي العام العربي والعالمي وغسل الأدمغة من خلال الشاشات بأن ما يحدث داخل مجتمعاتنا هو ثورة من أجل العيش والحرية والعدالة الاجتماعية وأنّ الهدف هو إحداث تغيير جذري في بنية المجتمعات العربية لكي تلحق بركب النهضة والتقدّم، وزاد الإعلام في تضليله وخداعه حين حاول تغييب الواقع الفعلي ورسم صورة وهمية لما يحدث على أرض الواقع، ولم يستطع الإعلام الوطني في مجتمعاتنا بإمكانياته المحدودة مواجهة الآلة الإعلامية الصهيونية الجبارة وكشف زيفها وتضليلها وخداعها بل قامت العديد من وسائل الإعلام الوطنية بالدوران في فلك الإعلام الغربي الذي يهيمن عليه اللوبي الصهيوني ويضخ فيه مليارات الدولارات. ورغم مرور كلّ هذه السنوات على هذه المواجهة إلا أنّ الجنرال إعلام لا يزال يلعب دوره دون كلل أو ملل، وعلى الرغم من فشل المشروع في تحقيق أهدافه إلا أنه حتى اللحظة يسعى لتزييف وعي الجماهير بحقيقة ما يحدث على أرض الواقع – وللأسف ما زالت الجماهير العربية تسمع له وتشاهده وتصدقه – خاصة على الساحات العربية التي لا زالت مستهدفة لزعزعة أمنها واستقرارها بهدف الوصول لمرحلة تقسيمها وتفتيتها.
ولم يكتفِ الجنرال إعلام الصهيونيّ بوسائله التقليدية المتمثلة في الصحافة والإذاعة والتلفزيون بل قام بتطوير آلته الإعلامية الجهنمية الجبارة، فاستحدث أسلحة جديدة تمثلت في ما يطلق عليه وسائل الإعلام الجديدة – السوشال ميديا – المرتبطة بالسلاح السحريّ الجديد المعروف بالشبكة العنكبوتية – الإنترنت – حيث المواقع والمنصات الالكترونية مثل الفيس بوك الأكثر شيوعاً وانتشاراً في العالم اليوم واليوتيوب وإكس وغيرها، وبذلك أصبحت وسائل الإعلام ليست عامة بل خاصة حيث أصبح لكلّ مواطن وسيلته الإعلامية الخاصة، وعبر هذا الإعلام الجديد بدأت عمليات تزييف الوعي للمواطن العربي الشغوف بهذه الوسائل التكنولوجية الجديدة والتي يقضي عليها معظم وقته ولا يتركها طوال الوقت، ففي كلّ مكان وزمان تجده ممسكاً بجهازه السحريّ الذي يستقي منه كلّ معلوماته، حيث تتشكل رؤيته للعالم عبر هذا الجهاز السحري الصغير، وأدرك العدو الصهيوني أهمية الجنرال إعلام الجديد وتأكد أنه قد نجح في ربط المواطن العربي بهذا الساحر الجديد فبدأ في إطلاق جيوشه الإلكترونيّة لتنشر بذور الفتنة وتشعل نيرانها داخل مجتمعاتنا، وبما أنّ طبيعة الأنظمة التعليمية داخل مجتمعاتنا قائمة على الحفظ والتلقين دون إعمال للعقل والنقد فإنّ أيّ معلومات تبث عبر وسائل الإعلام الجديد يتمّ التعامل والتفاعل معها على أنها حقائق مطلقة، ومن هنا ينتصر الجنرال إعلام وجيوشه الإلكترونيّة على المواطن العربي.
فالجنرال إعلام صنيعة أميركية – صهيونية، يجب أن نحترس منه وندرك دوره التدميريّ حيث يقوم بعملية تجريف للعقل الجمعي العربي. فالمعركة الجديدة بيننا وبين الغرب الاستعماري لاستمرار وتكريس تخلفنا قد تجاوزت الأسلحة التقليدية فلم يعد الاحتلال العسكريّ ممكناً في الألفية الثالثة، ولم تعد التبعية الاقتصادية وسيلة وحيدة قادرة على إخضاعنا وإذلالنا، ولم تعُد الهيمنة الثقافية التقليدية تمارس التأثير نفسه، بل تمّ تطوير أسلحته القديمة ومنها وسائل الإعلام التي أصبحت جنرالاً جديداً في ظل الجيل الرابع والخامس للحروب.
وإنْ لم نلتفت للجنرال إعلام ونواجهه فعلى مجتمعاتنا العربية أن تنتظر مزيداً من التقسيم والتفتيت والتخريب والدمار، ولعلّ ما يفعله الآن العدو الصهيوني في حربه على غزة ولبنان خير شاهد وخير دليل، حيث يستخدم الجنرال إعلام في تزييف وعي العقل الجمعي العربي والعالمي، فبعد فشل عملياته العسكرية، وهزيمة جيشه على مدار ما يزيد عن عام، يحاول أن يخدعنا بأنه ينتصر، وبأن المقاومة تهزم، وذلك بحجب المعلومات عن خسائره الحقيقية على المستويات كافة، ووضع خسائر المقاومة التي لا تتعدّى القتل والتدمير العشوائي في بؤرة التركيز والدلالة، رغم أنّ الحقيقة تقول إنّ هذا الكيان أوهن من بيت العنكبوت، وإنّ المقاومة الفلسطينية واللبنانية واليمنية والعراقية البطلة والشجاعة كبّدته خسائر هائلة عبر الاستنزاف اليومي منذ انطلاق عملية طوفان الأقصى، مما جعل ربع المستوطنين الصهاينة يشعرون بعدم الأمان ويفرون خارج الأراضي المحتلة، وأصبح ما يزيد عن النصف يفكر في هجرة عكسية، وهو قمة الانتصار للمقاومة، لن يخدعنا الجنرال إعلام الصهيوني، وعلينا تجاهله ومعه الإعلام العربي المتصهين، والتركيز مع إعلام المقاومة الذي يكشف لنا زيف وتضليل وخداع الإعلام الصهيوني، اللهم بلغت اللهم فاشهد…

مقالات ذات صلة

زر الذهاب إلى الأعلى