أولى

معركة كسر عظم وإرادات في جنوب لبنان: المقاومة قادرة على هزيمة العدو مجدّداً…

‭‬ حسن حردان

مع دخول العدوان الصهيوني على لبنان أسبوعه الثالث، اشتدّت المواجهات في القرى الحدودية من جنوب لبنان وقوات الاحتلال التي حشدت خمس فرق من الغرب إلى الشرق على طول الحدود البالغة نحو مائة كلم، في محاولة مستميتة للسيطرة على القرى المحاذية للجدار الحدودي وتلالها المشرفة على المستعمرات الصهيونية، ومدن وبلدات جنوبية.. وتدور اشتباكات ضارية وشرسة ومن مسافات صفر بين رجال المقاومة وجنود الاحتلال الذين يواجهون صعوبة شديدة في التقدّم داخل البلدات وجوارها.. وتقع في صفوفهم خسائر كبيرة،
ويبدو من الواضح أنّ هذه الضراوة في المعارك اتخذت طابع معارك كسر عظم، وصراع إرادات، حيث يحاول الاحتلال كسر إرادة المقاومة، سعياً إلى الوصول إلى أهدافه التي تتجاوز ما أعلنه عن سعيه للسيطرة على منطقة شريط حدودي، إلى سحق المقاومة وتجريدها من سلاحها، والقضاء على كلّ الإنجازات التي حققتها المقاومة بدءاً من انتصارها التاريخي عام 2000 بتحرير معظم الأراضي المحتلة في الجنوب والبقاع الغربي بالقوة ومن دون قيد ولا شرط، مما أحدث تحوّلاً في مسار الصراع العربي «الإسرائيلي» يؤكد قدرة المقاومة المسلحة على هزيمة جيش الاحتلال.. وهو ما تكرّر خلال العدوان الصهيوني على لبنان عام 2006… ولهذا يسعى قادة العدو إلى الانتقام من المقاومة وتصفية الحساب معها والقضاء عليها وإعادة لبنان إلى العصر «الإسرائيلي»، عندما كان العدو يدخل إلى لبنان متى أراد ويفرض مشيئته على اللبنانيين، وصولاً إلى اجتياح لبنان عام 1982 وفرض رئيس للجمهورية، واتفاق 17 أيار تحت الحراب الإسرائيلية..
ويمكن القول إنّ العدو يطمح إلى التخلص من ظاهرة المقاومة التي فرضت عليه معادلات الردع وكشفت عجزه واعادت الأمل للجماهير العربية بإمكانية تحقيق المزيد من الانتصارات، وعززت المقاومة الفلسطينية، وتطلعات الشعب الفلسطيني لتحرير فلسطين والعودة إليها..
هذه هي الأهداف «الإسرائيلية» التي تدغدغ مخيّلة رئيس وزراء العدو بنيامين نتنياهو، الذي يرى انّ سحق المقاومة في لبنان والتخلص من وجودها، سيفتح أمامه الطريق واسعاً لأجل القضاء على المقاومة الفلسطينية، وتصفية قضية فلسطين، وصولاً إلى إعادة رسم خارطة المنطقة وفق تصوراته، وبالتالي تنصيب نفسه ملكاً على كامل دول المنطقة…
لكن هل انّ أهداف نتنياهو التي أنعشت لدى جميع الصهاينة، يساراً ويميناً، أحلامهم التوسعية، لا سيما بعد أن نجح نتنياهو في اغتيال قادة أساسيين في المقاومة وفي الطليعة قائد ورمز المقاومة وانتصاراتها، الشهيد سماحة السيد حسن نصر الله.. هل انّ هذه الأهداف والأحلام ستتحقق؟
بقراءة متأنية لواقع المقاومة اليوم، بالقياس إلى ما كانت عليه عام 2006 عندما حققت النصر الاستراتيجي والتاريخي على جيش الاحتلال، ومنعته من تحقيق أهدافه، التي هي نفس الأهداف التي يسعى إليها من وراء عدوانه على لبنان في عام 2024.. يمكن أن نخلص إلى ما يلي:
أولاً، إنّ المقاومة، وعلى الرغم من استشهاد قائدها الكبير والرمز، هي في وضع أفضل بكثير مما كانت عليه في عام 2006 على كلّ المستويات:
على مستوى العديد والكفاءة القتالية:
في 2006 كان عديد المقاومة بالآلاف، اما اليوم فإنّ عديدها بعشرات الآلاف من المقاومين الذين يملكون العقيدة والجاهزية والاستعداد للتضحية وخوض المعارك في مواجهة جنود العدو.. وما يحصل من شراسة في المقاومة في المناطق الحدودية وتصميم المقاومين على منع العدو من تحقيق أهدافه، وإلحاق الخسائر اليومية في صفوف ضباطه وجنوده لهو دليل واضح على قوة وبأس المقاومين.. وكفاءتهم القتالية التي تعززت بالخبرات التي اكتسبوها في مواجهة الحرب الإرهابية الكونية على سورية..
على مستوى الإمكانيات والقدرات، أصبحت المقاومة تملك قدرات تسليحية نوعية بمختلف صنوف الأسلحة، لم تكن تملك الكثر منها في السابق، ولديها بنية تحتية محصّنة داخل أنفاق عبارة عن مدن في قلب الجبال تخزن فيها كلّ أنواع الصواريخ الدقيقة والبالستية والمتوسطة والقصيرة، والمضادة للدروع، وغيرها، بالإضافة إلى المُسيّرات الانقضاضية المختلفة.. وقد برهنت المقاومة على مقدرة في استخدام هذه الأسلحة في المعركة الجارية، إنْ كان في ميدان القتال البري، او في الميدان الجوي حيث تنجح مُسيّراتها في الوصول إلى أهدافها وتوجيه ضربات موجعة لجيش الاحتلال إنْ كان في المستعمرات الشمالية، او في مناطق العمق الصهيوني على غرار ما حصل في استهداف قاعدة لواء غولاني في جنوب حيفا، وقبلها استهداف تل أبيب.. او في ميدان قصف مدن ومستعمرات العدو في كل فلسطين المحتلة…
ثانياً، انّ هذه المقاومة التي كانت تملك قدرات وعديداً أكثر بكثير من حرب تموز، قادرة اليوم على خوض قتال طويل النفس وإيقاع الخسائر الكبيرة بجيش الاحتلال بما يفوق تلك التي لحقت به في حرب تموز، وجعل الكيان في حالة من الشلل، لا سيما في الشمال الفلسطيني بعمق 70 كلم، وبالتالي تحويل الحرب إلى حرب استنزاف مؤلمة للعدو على نحو لم يسبق ان واجهه من قبل.. ولا يستطيع تحمّلها لفترة طويلة بسبب أعداد القتلى والجرحى الذين ويسقطون يومياً بين جنوده، والخسائر العسكرية في الدبابات والمدرّعات والآليات، والخسائر الاقتصادية، وما ستؤدي اليه من خسائر على مستوى الروح النفسية والمعنوية لجيش الاحتلال والمستوطنين. وخصوصاً مع كلّ يوم يتأكد فيه عدم قدرة جيش العدو على تحقيق أهدافه في مواجهة المقاومين..
ثالثاً، إنّ جيش الاحتلال الذي لا يزال يعاني من الفشل في تحقيق أهدافه في مواجهة المقاومة في قطاع غزة، منذ أكثر من عام على شنّ حرب الإبادة على القطاع، رغم الاختلال الكبير في ميزان القوى والقدرات والإمكانيات لمصلحة العدو، والطبيعة الجغرافية للقطاع التي تساعد العدو، كما يعاني جيش الاحتلال من الإنهاك وضعف في المعنويات، وعدم اليقين بقدرته على تحقيق النصر، ولا يزال في ذاكرته كوابيس المواجهات الضارية مع رجال المقاومة في حرب تموز، التي تتكرّر هذه الأيام في رامية والقوزح وعيتا الشعب، العديسة، ومارون الراس، وعيترون واللبونة، وغيرها.. إنّ هذا الجيش لن يكون بمقدوره تحقيق أهدافه والانتصار على المقاومة في جنوب لبنان..
وهو ما دفع المعلقون والمحللون الصهاينة إلى التأكيد بأنه لا يمكن هزيمة حزب الله وحركة حماس، وأنه مخرج سوى بوقف النار في غزة وجنوب لبنان.
وكان اسحاق بريك، اللواء احتياط في «جيش» الاحتلال الإسرائيلي، أكد في منتصف أيلول الماضي، أن «الجيش الإسرائيلي لا يمكنه هزيمة حزب الله»، وأن تصريحات نتنياهو وغالانت وهاليفي تستند إلى قدرات غير موجودة وهي «تعرّض وجود إسرائيل للخطر» .. و»يتجاهلون المعطيات الخطيرة للعملية العسكرية في قطاع غزّة، ويخططون لشن هجوم بري على حزب الله في لبنان»، مؤكداً أنّ هذا الهجوم يمكن أن «يوجه لإسرائيل ضربة قاتلة ونهائية».

مقالات ذات صلة

زر الذهاب إلى الأعلى