ثقافة وفنون

شَرفٌ عظيمٌ

(في رثاء سيّد المقاومة السيّد الشهيد حسن نصر الله)

‬ الشاعر عبد النبي بزي*

 

(1)
لَبَيتَ رَبَكَ وَارتقيتَ صُعودا
شَرَفٌ عَظيمٌ أن تَكونَ شَهيدَا
أبشِرْ رُزِقتَ الحُسْنَيَيْن ِشَهادةً
مُثلى وَنَصْراً رَائِعاً وَعَتيدا
وَاهنأ وَقاكَ اللهُ غائلةَ الرَدى
وَحَباكَ مِنْ ماءِ الحَياةِ خُلودَا
ما زِلتَ حَياً وَاجْتَباكَ كَما اجتَبى
رَبُّ العِبادِ على العِبادِ شُهودَا
فَلَكَ الفخارُ بأن تَعيشَ مُكَرَّماً
عِند الإلهِ وشاهِداً مَشهودَا
وَتَعيشَ جَاراً لِلرسولِ وآلِهِ
وَتَعيشَ بَينَ الصَالِحِينَ سَعيدَا
وَتَعيشَ في زُهرِ الضمائرَ مُشرقاً
وَيَعيشُ ذِكرُكَ خالِداً مَحْمودَا
عِشقُ الشَهادَةِ في دِمائِكَ جَذوَةٌ
جَمَعَتْ إلى الصِيدِ الجُدودِ حَفيدَا
أثريتَ مِنبَرَكَ السَنِيَ وَطَالَما
أثرى البَيانَ وَعَطَّرَ التَجدِيدَا
أثريتَهُ وَهُوَ العَظيمُ بَلاغَةً
وَرؤىً مُنَوَرةً وَكُنتَ مُجيدَا
أثرَيتَهُ صِدقاً وفِكراً ثاقباً
وَهُدىً وَرَأياً صَائِباً وَسَديدَا
تهفو لهُ الأسماعُ وَهيَ لهيفةٌ
وَلَهُ المَنابِرُ تَنحَني تَمْجِيدَا
وَاليومَ تلتَحفُ الأسى أعوادُهُ
ويكادُ ينطِقُ بالأسى مَكمودَا
قد كُنتَ لِلناسِ الذين استُضعِفوا
أملَاً وَكنتَ القائدَ المَنشودَا
يا ابنَ الهُدى بكَ أشرَقَت وَتَآلَفَتْ
سوحُ الجهادِ وَزِدتَها تَوْحِيدَا
وَبكَ القيادةُ أشرَقَتْ وَتَشَرَّفَتْ
وَرَعَيتَ في سوحِ الجِهادِ أُسودا

(2)
وَوَقفتَ تَهْدُرُ شَامِخاً لا تَرْتَضي
لِسوى إلَهِ العالَمِينَ سُجودَا
وَحَباكَ مُلهِمُكَ الحُسينُ عَزيمَةً
لا تَنْحَني وَتصَبُّراً وَمَزيدَا
أطلَقتَ حَيَ على الجهادِ مُكَبِراً
أطلقتَ وَعداً صادِقاً وَوَعيدَا
لَقَّـنتَ إسرائيل رَغمَ عُتُوّها
دَرْساً يَظلُّ على الزَمانِ فَريدَا
أخْزَيتَها وَأهَنتَها وَترَكتَها
مًثلاً لكُلِ الظالمينَ شَرودَا
وَنَصَرتَ غَزَّةَ حِينَ غَزَّةُ لمْ تَجدْ
إلاكَ عَوْناً صَادِقاً ورَصيدَا
وَوَقفتَ وَحْدَكَ وَالعَمائمُ جَمَّةٌ
وَلكَ الفَخارُ بأن تكونَ وَحيدَا
تلكَ العَمائمُ لِلنفاقِ مَنابرٌ
أبداً تُريكَ مُنافِقاً وَحَقودَا
لَبِسوا العَمائمَ لِلتجارَةِ سِلعَةً
وَغَدا الِلئامُ مُبَشِرينَ يَهودَا
نَحَروا كَرامَتَهُم وَتِلكَ كُروشُهُمْ
تَقتاتُ مِنْ جُثَثِ الشُعوبِ قَدِيدَا
ثُلثُ الخَليقَةِ مُسْلِمونَ حَنائِفٌ
وَالرَمْلُ أكثرُ لوْ عَلِمتَ عَديدَا
إسلامُهُم مَحضُ ادّعاءٍ كاذبٍ
هُمْ أصْبَحوا لِلكافرينَ عَبيدَا
كم قَبضَةٍ سلَّت لِغَدركَ خِنجَراً
وَوَقاكَ رَبُكَ حاقِداً وَمَريدَا
كمْ حاكِمٍ وَمُعَمَّمٍ مُتَصَهْيِنٍ
يَصلي مِن الحِقدِ الدفينِ وَقيدَا
خَضَعوا لإسرائيلَ باعوا دينَهُمْ
وَضَميرَهُمْ وَتَهَوّدوا تَهويدَا

(3)
وَتآمرَ الطاغوتُ مع أذنابه ِ
وَلِقَتلِكَ اجتمعَ الطُغاةُ حُشودَا
واستنفروا أعتى السّلاحَ تَجَسُساً
وَقذائفاً وَقنابلاً وَحَدِيدَا
لكنَهُم خَسِئوا فمِثلُكَ لم يَمُتْ
لا يَقرَبُ المَوْتُ الأكيدُ شَهيدَا
هيَ سِيرَةُ العُظَماءِ يا ابنَ مُحَمَّد ٍ
أبداً يَعيشُ بها الزَمانُ جَديدَا
رَكبُ الشَهادَةِ لمْ يَزَلْ عَبرَ المَدى
يَغذو الخُلودَ أئِمَّةً وَجُدودَا
يا بنَ الهُدى أطلقتَ صَوتَكَ بالهُدى
هَيْهات تَرضى ذِلةً وقُعوداَ
مِن كربلاءَ مِنَ الحُسين بكَ الهدى
قد شَدَ حَبلاً لِلإباء شَديدَا
وَلَزمتَ نَهجَ الحَقِ مُدَّرعاً بهِ
لم تخشَ إلا رَبَكَ المَعبودَا
أرضَيتَ رَبَكَ وَاتَبَعتَ أولي النُهى
أجدادَكَ الغُرَّ الأباةَ الصِيدَا
آلُ الرسولِ هُمُ الصِراطُ ونورُهُ
وَهُمُ الكِتابُ مُجَسَّدٌ تَجسِيدَا
عُمرُ الجهادِ بنَهجِهمْ أفنَيتَهُ
وَرَفعتَ لِلنهجِ السَليم بُنودَا
وَبحُبِهِم وَوَلائهم مَفتوحَةٌ
غُرفُ الجنانِ لِمن أرادَ وُرودَا
يا صادِقَ الوَعدِ الأبيَ لكَ العُلا
قد كُنتَ فذاً في الصِفاتِ حَميدَا
أغنيتَ ساحاتِ الجهادِ شَجَاعَةً
وَإرَادَةً وَتَجَلُداً وَصُمودَا
زِنْتَ الجهادَ وَكُنتَ في آفاقِه
بَطلاً أبياً ثابتاً صِنديدَا
بالنُبلِ والخُلُقِ الكريمِ وبالتُقى
كُنتَ المِثالَ الرَائعَ المَحمودَا

(4)
لمْ تُغركَ الدُنيا وكانَ نَعيمُها
وَمَتاعُها في ناظِرَيكَ زَهيدَا
نَشَّأت أجيالاً وكُنتَ لهُم أباً
براً رَحيماً قُدوةً وَعَميدَا
وَرَعيتَهُم وَهَدَيتَهُم وَتَرَكتَهُم
لِلحَقِ دِرعاً وَاقِياً وَجُنودَا
عِشقُ الشهادة شَعَّ مِنْ آياتِهِم
وإلى لِقائك يُسرعونَ وُفودَا
سَيَظلُ ذِكرُكَ جَذوةً بِدِمائهِمْ
وَيظَلُ طيفُكَ لِلجهادِ وَقودَا
وَتظَلُ في وُجدانِهِم بطلاً وفي
سوحِ الوَغى تَلِدُ الأسودُ أُسودَا
ستظلُ تُشرقُ في الضَمائر شُعلةً
وَتَظلُ حَياً في القُلوبِ وَدودَا
سَيَظَلُ صَوْتُكَ بالبَشائرِ هادِراً
وَيَصُكُ أسْماعَ الطُغاةِ رُعودَا
سيَضلُ صَوتُكَ بالهُدى يَطوي المَدى
وَيَظلُ لِلذكرِ الحَكِيمِ مُعيدَا
وَيَظلُ وَعدا لِلذين اُستُضْعِفوا
وَيظلُ لِلمُستكبرين وَعِيدَا
وَحليفُكَ النَصرُ المؤزَّرُ بالهُدى
لِجَميلِ ذِكركَ يَرفَعُ التَوْحِيدَا
لكَ يا شَهيدَ الحَقِ يا ابنَ مُحَمَّدٍ
فَرَشَتْ مَنازِلها القُلوبُ وُرودَا
وَحَبَتكَ حُباً بالوَلاءِ مُعَطراً
وَبِحَبلِ آلِ المُصطَفى مَشْدودَا
مَلَكَ القُلوبَ هَواكَ فانقادًتْ لهُ
طَوْعاً وَحُبُك لا يَطِيقُ حُدودَا
أسْطورَةَ التاريخَ أنتَ حَقيقَةٌ
أضحَتْ على ثَغْرِ الزَمانِ نَشِيدَا
وَالنَصرُ وَعدٌ مِنْ لدُن ربِّ الهُدى
لا يخلِفُ اللهُ العَظيمُ وُعودَا.

*عبد النبي عبد اللطيف بزي، مواليد مدينة بنت جبيل 1945. هاجرَ إلى كندا في صيف العام 1970، ولم يزلْ مقيماً في كندا، صدرت له ستة دواوين شِعريّة عن «دار الأمير» في بيروت، هي: فيض الولاء، أمُّ القرى بنت جبيل، أصحاب الكِساء، خواطِر ومشاعر، حسينيات، وطن وغربة.

مقالات ذات صلة

زر الذهاب إلى الأعلى