أخيرة

آخر الكلام

المقاومة الوطنية اللبنانية
والخيال الأوريسي…*
‭}‬ الياس عشي
في رواية «اكسودس» الشهيرة التي كتبها ليون أوريس، الإنكليزي اليهودي، والتي، تماماً كالتوراة، دخلت كلّ بيت من بيوتات الصهيونية، وغزت العقل الأوروپي، نقرأ ما يلي:
(استطاع رجال «البالماخ» في ما بعد، وقد نفدَ سلاحُهم، أن يجبروا العرب على الفرار بإطلاق صواريخ من الألعاب النارية، وإذاعة أصوات انفجارات بواسطة مكبّرات أصوات معلّقة على الأشجار في معركة «دافينا»)!
وفي حوار ساخن حول هذه الرواية الخارجة عن كلّ منطق الروايات، يقول يهوديٌّ لكاهن كاثوليكي: «إنّ الكاثوليكي يضع نفسه في يد الله ويترك المعجزات للقدّيسين، ولكنّ اليهودي يجب أن يحمّل نفسه عبء اجتراحها».
كان ليون أوريس كغيره من مئات الأدباء اليهود، يزوّرون الحقائق التاريخية في صناعة ملتبسة لليهودي – السوپرمان، في مقابل العربي الضعيف والجاهل والمتخلف الذي لا يستطيع أن يميّز بين الصواريخ والألعاب النارية. وهذه الصورة المرافقة ترسّخت في العقل اليهودي والأوروپي، فوقع الأول في الغطرسة، أمّا الثاني فرأى في الرواية ما يحرّره من عقدة الذنب.
من هنا نفهم ردّ الفعل عند اليهود بعد انتصار المقاومة على الجيش الإسرائيلي في حرب الثلاثة والثلاثين يوماً، وقبلها في حرب التحرير، وفي الجبل وبيروت والجنوب حيث الأجساد المتفجرة والعمليات النوعية لغة جديدة لم يقرأها اليهود في أدبياتهم الغارقة في وهم التفوّق!
لقد أثبتت المقاومة الوطنية اللبنانية، كما من قبل، في حربها الأخيرة مع الجيش «الإسرائيلي» أنها قادرة على المواجهة والمبادرة والموت، وأنها لا تمتّ بصلة إلى الخيال «الأوريسي»، وأنّ العرب لا تخيفهم الحناجر الجوفاء، ولا مكبّرات الصوت، ولا هم مسكونون بعقد الذنب، بل إنّ لهم قضية تساوي وجودهم.
هذا الواقع يعيدني إلى ما كتبه أمنون كابيليوك عام 1963 في إحدى صحف تل أبيب، يقول بالحرف الواحد:
«… ننظر إلى العرب من علُ، ولا نأخذهم جدّاً، إننا نشعر بالتفوّق عليهم، وأنه من الصعب التصوّر بأن هذا الشعور سيختفي ذات يوم».
هكذا كانوا يتحدثون عنّا، ثم جاءت هزيمة حزيران 1967 فارتفعت وتيرة التحدّي. وقد كتب غسان كنفاني حول هذا الموضوع ما يلي:
«لن يكون من المصادف أن نقرأ مثلاً، بعد عدوان 5 حزيران مقالاً عن العرب في مجلة «التايم» الأميركية 14/7/1967 يكرر بفظاظة وبتضليل لا مثيل لهما ما كنّا قد قرأناه في الروايات الصهيونية عن العرب على اعتبار أنّ ذلك مسلّمات بديهية لا تناقش».
كلّ ذلك صار من الماضي بعد انتصار المقاومة على الجيش «الإسرائيلي»، وإذا كان أدباؤنا ومثقفونا عاجزين عن مواجهة الأدب والثقافة اليهوديّين ـ وهنا يبرز ضعفهم ـ فإنّ المقاومة واجهت الخيال «الأوريسي» بمنطق القوة حيث «مَن له القوة له الحق، ومَن لا قوة له لا حقّ له» كما يقول الفيلسوف «هيغل».

*كُتب ونُشر في 6/11/2006، وهو الآن يتصدّر مشروع ولادة كتاب عن المسألة الفلسطينية.

مقالات ذات صلة

زر الذهاب إلى الأعلى