معركة الوجود بين أميركا الصهيونية ومحور المقاومة
ميرنا لحود
لقد أثبتت عملية طوفان الأقصى والجبهات المساندة أصالتها وصوابها وتوقيتها, فبعد مرور عام على الإخفاق الأميركي الصهيوني في حربه ضد المقاومة ومحورها وصفر التقدم في قطاع غزة البالغة مساحته ٣٦٠ كلم٢ والتخبط في محاولة اجتياح لبنان، ها إنَّ الشيطان الأكبر يتنقل من جبهةٍ إلى أخرى علّه يفلح في مكانٍ ما. هذه الحربُ شرسة للغاية لأنّها حرب الوجود بين أصحاب الأرض والغازي الآتي من أصقاع الدنيا والمدعوم من القوى العظمى في كافة المجالات عسكرياً واقتصادياً ومالياً وسياسياً. فتواجد الصهيوني على أرض فلسطين هو امتدادٌ للمصالح الأميركية البريطانية الغربية الصهيونية. والهزيمة للصهيوني ستكون أولاً بأول هزيمةً للأصيل الأميركي الصهيوني. ويعمد الكيان المؤقت في هذه الحرب إلى إزالة فكرة «أوهن من بيت العنكبوت» من خلال القصف العنيف والمسح الناري للأحياء السكنية والمدنية بامتياز متذرّعاً بأكاذيبَ وحججٍ لا يقبلها العاقل الحكيم والفهيم وهذا مقصود في الحروب لأنَّ ما يخسره في الميدان يحاول التعويض عنه في الإعلام والسياسة العوجاء المبنية على حجج خاطئة ومنها: إنّ تخزين منصّات الصواريخ بين الأحياء السكنية ضرب من الجنون، لأنَّها تحتاج إلى صيانة ومجالات واسعة ومن الصعب إخفاؤها بين الأبنية والأزقّة، فمن البديهي أن تُزرع في أماكنَ بعيدة عن السكن والمدنيين وبشكل مخفي ومحصّن والليالي أكبر برهان على ذلك. أمَّا مخازن الأسلحة الخطرة جداً في أحياءٍ مكتظة فمن سابع المستحيلات، وهذا الشرح لا يحتاج إلى تدريب عسكري إنما إلى استخدام المنطق والعقل والإدراك.
بعد مرور عامٍ على الطوفان، ورغم الكذب، لم يحسم الأميركي الصهيوني المعركة ولم يسجل أي إنجازٍ سوى قتل المدنيين واغتيال القادة عبر التقنيات الإلكترونية العالية الدّقة وهذا قادرٌ عليه لامتلاكه الأجهزة اللازمة والمعدات والإشعاعات التي تسّهل الحصول على المعلومات، وفي هذا المجال، هو سبّاق وبأشواطٍ أمام روسيا والصين، وهذا معروفٌ. ومتى تُستخدم التقنيات في ضرب الشعوب بصحتها، هل سيجد الأميركي الصهيوني والغربي معه أي عائقٍ في استخدامها للاغتيالات؟ أكثر ما هو أسمى للمقاومة خسرته وهو باستشهاد سماحة الأمين العام لحزب الله السيد الشهيد حسن نصر الله رضوان الله عليه، وهذه الشهادة الأليمة والفقدان الكبير لن يُضعفا المقاومين لا بل يزيدانهم عزماً وتصلباً أولاً للانتقام وثانياً للمضي بما هو مكتوبٌ في نمط الحزب، والميدان يؤكد على ذلك. وبمرارةٍ تَعرفُ الأوساط العسكرية الأميركية الصهيونية بأنها لن تفلحَ في كسر المقاومة وعبثاً تحاول مراكزها وأبحاثها دراسة وفهم لغز حزب الله لكيفية التعامل معه. ويصرّحون عن خيبتهم وبإذن الله لنْ يصلوا إلاَّ إلى الفراغ وذلك لعدة عوامل أهمها الإيمان بالقضية والتفاني في سبيلها وهو ما يفتقده الأميركي صاحب الحروب في العالم والأدبيات القذرة.
أمَّا الخسارة الأخرى والتي لا تقلُّ أهميةً، فهي تتجسد في التغيّرات العالمية التي أصبحت واقعاً مريراً بالنسبة للأميركي الصهيوني مع صعود تجمع دول بريكس الذي يتوسع مع تقدّم الأيام في ظلّ عجزٍ أميركي لحؤول حصوله. ويشكل هذا التكتل أهميةً كبرى لأنَّه يَخرج عن التعامل بالدولار ويُعطي البلدان الثقة في التعاون دون الانتقاص من استقلالية وحرية وسياسة كلٍ منها مع الحفاظ على الاحترام المتبادل، ما يؤدي إلى تشجيع الجميع على المضي قدماً ويجذب الطامحين للانضمام وآخرهم الطلب الكوبي. ويعطي هذا التشكل قيمةً عالمية وازنة لأنها تشبُك التعاون بين البلدان كما يشجّع على التبادل حتى بين بلدان غير منضمة وبشكل ثنائي وهذا ما يحصل بين فيتنام والفليبين وبروناي وإندونيسيا وتايلند وماليزيا وسنغافورة، علماً بأنّ الفليبين تشارك دائماً في مناورات عسكرية مع أميركا. وتسعى الأخيرة لجرّها إلى فلكها واستخدامها لتكون الشرارة ضدّ الصين ويبدو أنَّ الفليبين بدأت تستيقظ لكنْ هل ستكون اليقظة مستدامة؟
*الشيطان في كلّ مكان: الصندوق الوطني للديمقراطية وسياسة سلسلة الانقلابات في داخل البلدان
في ظلِّ الحرب الدائرة ضدّ روسيا على الأراضي الأوكرانية وحرب الإبادة على غزّة ولبنان لم يهدأ الأميركي في ممارسة سياسته الخبيثة والتي يستخدمها كلّما سنحت الظروف لضرب الاستقرار الداخلي للبلدان وقلب الحكم بما يتوافق مع أطماعه. ومن خلال القوة الناعمة، أطاحت في باكستان بـ عمران خان المنتخب من قبل الشعب. وفي بنغلادش عمل الصندوق الوطني للديمقراطية أو الوقف الوطني للديمقراطية NED (National Endowment for democracy) (يعمل في تلك المؤسسة التابعة لـ «ـسي أي آي» عددٌ من الديمقراطيين والجمهوريين ويتلقون الأموال والدعم المباشر من مؤسسة المخابرات الأميركية) بالضغط على الحكومة حتى وقع الانقلاب على رئيسة الوزراء السابقة الشيخة حسينة ليتسلم محمد يونس إدارة الحكم. ومعروف عن الأخير بأنّه حائز على جائزة نوبل لـ «القروض الصغيرة»، ما يساهم ويساعد على دخلٍ محدودٍ يساند العائلات الأكثر فقراً، علماً بأنَّ الفكرة موجودة في كتاب الله. ولمحمد يونس صداقة شخصية مع عائلة كلينتون وتساهم مؤسسة العائلة بشكلٍ رئيسي في تمويل القروض لحامل جائزة نوبل. واعتادت عائلة كلينتون على التهديد الدائم لرئيسة الوزراء من خلال تعليق بناء جسر بادما المموَّل من البنك الدُولي بمليارين ومئتي ألف دولار كي لا يخضع يونس للمساءلة وكشف حساباته لأنّه يتهرّب من دفع الضرائب. وعندما نشب الخلاف بين يونس والشيخة حسينة هبّ للمدافعة عن يونس الرئيس السابق للبنك الدولي وعضو في مجلس إدارة بيلدربرغ (التي أسسها هنري كيسنجر وديفيد روكفلر وكلاهما أسسا «سي أي آي» جايمس والفونسون. علاوةً على ذلك تلقت رئيسة الوزراء الشيخة حسينة بعد انتخابها في يناير ٢٠٢٤ تهديداتٍ من مسؤول أميركي يحثها للتنازل عن بقعة أرض لإقامة دولة للمسيحيين ليتمَّ فيها إنشاءُ قاعدة عسكرية أجنبية على جزيرة سان مارتن وإلاَّ ستتعرّض الشيخة إلى انقلابٍ. واستخدمت أميركا الصراع المتجذر لنصف قرن بين رابطة «عوامي» القريبة من العلمانية وحزب بنغلادش الوطني التابع للإخوان المسلمين الذي يريد ضمّ البلاد إلى باكستان. وللحزب الوطني علاقة مع هانتر بايدن ابن الرئيس الأميركي جو بايدن. وينص العقد الذي يجمع شركة Blue Star Stratégies وحزب بنغلادش الوطني على تسديد ١٠٠ مليون دولار لهانتر بايدن كلفة النجاح في ممارسة الضغط الداخلي وعند صعود الحزب الوطني إلى السلطة.
وتسعى أميركا لثورة ملوّنة في تايوان وإندونيسيا وفنزويلا وجورجيا. كما أرسلت Todd Robinson الذي عمل مع الفنزويلي خوان غوايدو المدعوم أميركياً ليكون الوجه المعارض ضد الرئيس نيكولاس مادورو المنتخب من قبل الشعب. وتوجه تود روبانسون إلى جورجيا ليدعم التدريب Women Militarisation أي عسكرة النسوة، حتى يثير وقتها محاولة لثورةٍ ملوّنة ضاغطاً على الحكومة لإلغاء قانون أقرّته الأخيرة يمنع المنظمات غير الحكومية في العمل دون غطاء أو علم الحكومة. وهذا القانون موجود في أميركا ومسموح العمل بموجبه لكن الشيطان يريد تحصين نفسه ويمنع الحماية لمن يعارضه ويقاومه. ترسل أميركا عناصرها إلى العالم وتكلّفهم بالتخريب مثل فيكتوريا نولند من أصول صهيونية أوكرانية وأصول أخرى من أوروبا الشرقية. عملت مع زوجها لزعزعة الاستقرار في أوكرانيا. إضافة إلى رئيسة المفوضية للشؤون الأوروبية أورسولا فون درلاين من أصول دول البلطيق، وآنا لينا بيربك وزيرة الخارجية الألمانية وزوجها والعلاقة لكل هؤلاء مع شركات تصنيع الأسلحة.
ويعمل الصندوق الوطني للديمقراطية على تمويل كافة الأحزاب الفرنسية لتصبح مجموعة من المعارضات لا تتفق إلاَّ على تقاسم الكعكة الفرنسية مع إيمانويل ماكرون الوكيل للدولة العميقة الأميركية. وتشكلت حكومة ميشال بارنييه الأخيرة وتُدعى حكومة «سي أي آي» التي لا تمثل الانتخابات الأخيرة. لقد وصل إلى الحكم كل من صوت ضدّه لتتطبّق عبارة «الفائز منبوذ». يشبك أعضاء الحكومة علاقات مع مؤسسات صهيونية عملوا معها مثل وزير الخارجية جان ـ نويل بارو المساهم في شركة ناشئة أسّسها أعضاء من ماكينزي موالية للصهيونية. ومثل آخر لوزير الدولة للشؤون الأوروبية بنيامين حداد العميل السابق لإليوت أبرامز، مهندس الجرائم في أميركا اللاتينية.
وكما كانت شغّالة أميركا خلال الحرب الباردة عبرStay behind التابع لـ «سي أي آي» و Stay behind التابع للناتو وهندسة عمليات إرهابية معروفة مثل عملية غلاديو Gladio operation أيّ السيف، مستهدفةً أوروبا الغربية لأنَّها كانت تسعى للسيطرة عليها وظفرت بذلك. أصبحت أوروبا تحت المجهر الأميركي، ولم تنجح عمليات غلاديو إلاَّ بعد شراء أنفس من المخابرات وعناصر من الجيش ونواب وأعضاء في مجلس الشيوخ وأعضاء أحزاب، خاصةً الأكثر تطرفاً لأنَّ الجميع متطرف، بالإضافة إلى أشخاص يواكبون الإعلام أو يطلق عليهم تسمية «إعلاميون» تخرّجوا من مدارس تسيطر عليها الصهيونية في الغرب وخاصةً في فرنسا وإيطاليا. والوظيفة الأساسية لهؤلاء العاملين في الإعلام أنْ يكونوا رأس الحربة لمواجهة كلّ من يعارض السياسة المفروضة من الناتو و»ـسي أي آي»،
وتعمل الدولة العميقة الصهيونية على إدخال المهاجرين إلى أوروبا لإحداث مشاكل بين السكان على خلفية دينيّة. وصرّح رئيس وزراء هنغاريا فكتور أوربان عن ملف فرضه جورج سوروس على الاتحاد، ويهتمّ سوروس بالتمويل والتنسيق مع الجمعيات. ينص الملف على إلزام إدخال مليون مهاجر إلى دول أوروبا ليتمّ زرعهم في أماكن، ما يسهّل الخلافات بينهم وبين السكان. بالإضافة إلى حرق كنائس لتأجيج الصراعات علماً بأنَّ عدداً كبيراً من الكنائس تخضع لصيانة الدولة ومن غير الممكن الدخول إلى تلك الأماكن المحصّنة بطريقةٍ أم بأخرى سواء كانت كاتدرائية أم كنيسية صغيرة، حيث أنَّ الجرائم منسّقة بغالبيتها.
في الخلاصة، إنَّ الحرب الدائرة في المنطقة والعالم هي حرب وجودية ضد إبليس وأتباعه. ولإخراج إبليس من قلب العالم والمشرق العربي لا بدَّ من المقاومة، فالحرب ليست دينية إنما وجودية بين محور أبناء الله ورجاله ومحور الشيطان القاتل لمخلوقات الله المؤمنين بكلامه وبكتابه المقدّس؛ إنَّ هؤلاء الصابرين هم على يقين بالنصر الأكيد وبدحر إبليس من منطقتنا ومن أرزاقنا ومن أجوائنا. لقد وعدنا الله سبحانه تعالى بأنَّ الصبر في الشدائد سيحوّله إلى نصرٍ قريب، وما أجمل النصر من عند الله!