تأخر هوكشتاين وجاء مبكرا
– جاء المبعوث الأميركي أموس هوكشتاين إلى لبنان متأخراً، فورقة الشروط الإسرائيلية التي سلمت لهوكشتاين، كان يمكن حملها إلى بيروت قبل نهاية شهر أيلول، عندما كان الاحتلال قد نجح بتوجيه ضربات قاتلة لحزب الله توّجها باغتيال أمينه العام، وقام بجولات قصف تدميريّ وقاتل في الضاحية الجنوبية والجنوب والبقاع حصدت في يوم واحد أكثر من 600 شهيد و2000 جريح، ورغم أنه كان سيُقابَل بالرفض، وإعلان لبنان التمسك بالقرار 1701 ووقف إطلاق النار، إلا أن الطلبات الاسرائيلية كانت تبدو حينها متناسبة مع موازين القوى التي فرضها الاحتلال. وطالما أنه لم يأت يومها، فهذا يعني أنه جاء متأخراً من جهة، وأنه من جهة مقابلة كان من الأفضل له طالما تأخّر ألا يأتي.
– جاء المبعوث الأميركي أموس هوكشتاين مبكراً، لأن الوضع تغيّر كثيراً، لكنه لم يتغيّر كفاية، بعد ما قامت به المقاومة منذ مطلع تشرين الأول، أي بعد أن تتالت الضربات التي تلقاها الاحتلال منذ الضربة الإيرانية القاسية، وما تلاها من نهوض للمقاومة في الحرب البرّية وتصاعد في استهدافات صواريخها وطائراتها المسيّرة بضربات مؤلمة للكيان وشديدة الدقة وواسعة المدى وكثيفة الحضور، لأن هذه الضربات أحبطت زهو الاحتلال بإنجازاته، وأكدت أن المقاومة تستعيد حيويتها وتماسكها وحضورها، وأضعفت صورة التفوّق التي تباهى بها الاحتلال لأسبوعين، بحيث جعلت شروطه التي أرسلت إلى هوكشتاين مثيرة للسخرية، لكن ما قامت به المقاومة وقد حقق التوازن مع الكيان، إلا أنّه لم يصل إلى حد إشعاره باليأس من مواصلة الحرب، والنزول عن شجرة الحرب والتصعيد، ولذلك كان الأفضل لهوكشتاين أن ينتظر حتى يتبلور المشهد الجديد ويقيس حدود استعداد قيادة الكيان للنزول عن الشجرة فيأتي باحثاً عن مخرج، وهذا معناه أن الأفضل له لو لم يأت.
– لأن هوكشتاين يعرف الموازين والساحتين اللبنانية والإسرائيلية، وشخصيات المفاوضين، بنيامين نتنياهو ونبيه بري، فهو اختار حديثاً مختلفاً عن ما طلبه الإسرائيلي، وعن ما يريده اللبناني، ونيّته كما نية كل أميركي هي خدمة الإسرائيلي، وليس تجنيب لبنان واللبنانيين مخاطر الحرب، فصاغ نظرية محورها أن انهيار الوضع على الحدود رغم وجود القرار 1701 يعني أن القرار لم يكن كافياً لضمان الاستقرار ولا بدّ من تتمات، سمّوها ما شئتم، تعديلات أو آليات تطبيقية أو ملحقات أو رسائل ضمانات. وهو يعتقد أن هذا الطرح سينجح في إحداث اختراق لبدء التفاوض حول مضمون هذا الجديد لسد النقص في القرار 1701 لاعتماده في السعي لوقف إطلاق النار، وهنا يفتح الباب كي يطرح الإسرائيلي شروطه بصفتها هي الضمانات والآليات والملحقات، عارضاً مساعي الدبلوماسية الأميركية لتقديم الضمانات المتبادلة للطرفين.
– الأكيد أن هوكشتاين أصيب بالإحباط، وفوجئ بقوة ما سمعه وعجزه عن المضي قدماً في مناوراته الدبلوماسية، فقد سمع أولاً إثباتات تقول إن المشكلة ليست في نقص ما في القرار 1701، بل المشكلة هي أن “إسرائيل” لم تبق شيئاً منه، وتوجّهت كل الدعوات للتطبيق نحو لبنان الذي قام بكل واجباته المعقولة في التطبيق، فطالما أن أرضه محتلة خصوصاً في مزارع شبعا رغم نص القرار 1701 على إنهاء أزمة المزارع وسواها من الأراضي اللبنانية المحتلة، فهو لا يستطيع الذهاب بعيداً في الضغط على المقاومة، فكيف بحجم الخروقات الهائلة لأجوائه ومياهه، والقرار الذي لم ينفذ أبقى الوضع في حال وقف الأعمال العدائيّة دون بلوغ المرحلة المنصوص عنها في القرار حول وقف نهائي لإطلاق النار. ثم تلقى هوكشتاين الأسئلة حول مدى صدقية ما ينقله عن التزام متساوٍ للبنان والكيان بالقرار 1701، ثم طلباً بأن يحمل موافقة رسمية من الكيان بالقرار 1701، لأن ما لدى لبنان معاكس لما يقوله هوكشتاين، وقادة الكيان يقولون علناً إنهم غير مستعدين للقبول بالقرار 1701 ويعتبرون أنه انتهى، بل إن بعضهم صار يتحدّث عن جنوب الليطاني كجزء من الكيان.
– عاد هوكشتاين بخفي حنين، وربح لبنان الجولة الدبلوماسية، لكنه لم يبلغ بعد مرحلة الانتصار، بمثل ما ربحت المقاومة الجولة الميدانية لكنها لم تبلغ بعد مرحلة الانتصار. وكما حدث مع غونداليسا رايس عام 2006 في جولاتها، سوف نشهد جولات لهوكشتاين تنتهي بالنهاية ذاتها عندما تفرض المقاومة اليأس في الكيان من جدوى مواصلة الحرب والعجز عن تحمل أكلافها، وهذا ما يشكل جدول أعمال المقاومة.