أولى

هوكشتاين يُفاوض تحت النار.. بري يرفض الشروط «الإسرائيلية»

‬ محمد حمية

 

لم يكُن يُتوقع من زيارة مبعوث الرئيس الأميركي أموس هوكشتاين إلى بيروت أن تحمل حلاً دبلوماسياً سحرياً للحرب الدائرة بين حزب الله و”إسرائيل”. فالواقع الميداني والأجواء الدبلوماسية الغربية والمواقف الإسرائيلية العالية السقوف كانت تشي بأن أفق التسوية مقفل حتى الآن، لكن بمعزل عن النتائج فإن الزيارة الأميركية حملت دلالات عدة:
*جاءت بعد مضي شهر واحد على العدوان الإسرائيلي على لبنان في 23 أيلول الماضي، وبعدما غاب المبعوث الأميركي عن السمع لثلاثة أسابيع متواصلة، وفي المنطق التفاوضي الأميركي فإنه آن الأوان بعد مدة شهر من الضرب الإسرائيلي من تحت الحزام وفوقه أن يقوم المفاوض الأميركي بعملية فحص “مخبريّ” واستطلاع بنار الطائرات الإسرائيلية للموقف اللبناني الرسمي وحال حزب الله بعد حزمة “الضربات القاتلة” والسقف التفاوضي الذي يتمسك به الحزب ولبنان. ومن المعروف أيضاً أن جولة التفاوض الأولى عادة ما تُطرح السقوف الأعلى للحصول على الحد الأقصى من المكاسب من الطرف الآخر. وليس محض صدفة تزامن لقاء بري – هوكشتاين مع تحليق للمسيرات الإسرائيلية فوق بيروت.
*إعادة فتح خطوط التفاوض بعد سلسلة لكمات وضربات متقابلة بين حزب الله و”إسرائيل” التي حاولت فرض موازين قوى جديدة وإخضاع لبنان لسلّة شروطها.. وقد بدا الموفد الأميركي مختلفاً عن الزيارة السابقة، وكأن حليفة بلاده انتصرت والمقاومة سُحِقت وجاء الى بيروت ليقطف الأثمان السياسية والأمنية، وتجاهل إنجازات حزب الله والضربات المتتالية التي تقصدت المقاومة توجيهها قبيل وصول الزائر الأميركي للبنان، لا سيما عمليتي “هانيتا” و”قيساريا”، وكأن اللاوعي الأميركي المغترّ بالإنجازات الإسرائيلية، لم يستطع بعد استساغة تعديل المقاومة إلى حد كبير لموازين القوى العسكرية لا سيما في المواجهات البرية.
*الأهم في كلام مبعوث البيت الأبيض قوله إن “التزام الطرفين الإسرائيلي واللبناني بالقرار 1701 لا يكفي لوقف الحرب”.. وكأنه أراد القول إن قواعد اللعبة تغيّرت والمعادلات تبدّلت وموازين القوى باتت لمصلحة “إسرائيل” وليست على استعداد للقبول بما كانت تقبل به في السابق خلال الزيارة الأخيرة في آب الماضي. وبالتالي إما تسهيل المطالب الإسرائيلية وإما استمرار الحرب بوتيرة أقسى والمزيد من المفاجآت الصادمة، وكأنه جاء ليبرئ ذمته على قاعدة “اشهد اللهم أني بلغت”.
*وإن ادعى وزير الخارجية الأميركي أنتوني بلينكن خلال اتصاله برئيس مجلس النواب نبيه بري منذ أسبوعين وجود رغبة أميركية بإنهاء الحرب على لبنان قبل الانتخابات الأميركية، لكن من الواضح أن نتنياهو لن يمنح رئيس راحل بعد أيام “الهدية الثمينة”، بل إن المنطق يقول إنه غير مستعجل لوقف إطلاق النار وسينتظر “سيد” البيت الأبيض الجديد ومقاربته للحرب لكي يحدد مستوى التنازل الذي سيقدمه مقابل ضمانات جدية تتعلق بأمن “إسرائيل” من الشمال والجنوب.
*ويبدو أيضاً أن الحكومة الإسرائيلية لم تعد تعير اهتماماً للحلول الآنية أو المؤقتة مع حزب الله، بل تريد حلاً نهائياً للأزمة مع لبنان، ولن توقف الحرب إلا بعد تغير الواقع على حدودها ولو استمرّت بدفع تكاليف الحرب. لذلك أصر هوكشتاين على ضمانات وآليات لتنفيذ القرار 1701 وهي عملياً:
– إدراج القرار 1701 تحت الفصل السابع.
– تعزيز عديد القوات الدولية “اليونيفيل” وتوسيع صلاحياتها في جنوب الليطاني الى جانب تعزيز الجيش اللبناني ويكون بإمرة “اليونيفيل” وليس العكس.
– تجريد حزب الله من سلاحه ومغادرة عناصره من كامل منطقة جنوب الليطاني.
– انتخاب رئيس للجمهورية وإعادة تشكيل سلطة سياسية وأمنية في لبنان تحظى بثقة الغرب وقادرة على تطبيق (النيو 1701).
ولكي تستطيع “إسرائيل” تغيير المعادلة يجب توافر ثلاثة أمور:
– ربح “إسرائيل” المعركة الميدانية في الجنوب وسحق حزب الله في جنوب الليطاني.
– إجماع لبنانيّ على تعديل القرار 1701، وهذا غير متوافر في ظل التوازنات الحكومية والسياسية الحالية.
– قرار جديد في مجلس الأمن الدولي يفرض تعديلات جديدة تحت الفصل السابع، وهذا غير متوافر حالياً في ظل الموقف الروسي – الصيني.
الرئيس نبيه بري أبلغ موقف لبنان والمقاومة برفض العروض التفاوضية الإسرائيلية متسلحاً بالإجماع الوطني اللبناني وبصمود وإنجازات المقاومة في الجنوب.
يمكن الحسم بثلاثة أمور:
– إسرائيل لن توقف عدوانها على لبنان إلا إذا أصبحت غير قادرة على دفع كلفة الحرب.
-وفق المواقف والمعلومات إن جولة المفاوضات الأولى لم تغير شيئاً في واقع الحال.
*دخلنا جولة جديدة من الحرب أكثر قسوة ودموية.

مقالات ذات صلة

زر الذهاب إلى الأعلى