نقاط على الحروف

تكامل لا تطابق الاستراتيجيتين العسكرية والدبلوماسية

‬ ناصر قنديل

 

– الأكيد كما قالت حرب تموز 2006 وكل ما قبلها، أن الاستراتيجية العسكرية للمقاومة التي تولى قيادتها منذ العام 1992 الأمين العام لحزب الله الشهيد السيد حسن نصرالله، تعزف مع الاستراتيجية الدبلوماسية التي يديرها رئيس مجلس النواب نبيه بري، سيمفونية واحدة، لكن كل يعزف على آلة مختلفة، وله نوتة مختلفة ضمن التوزيع الموسيقي، لكن النغمة النهائية التي تخرج هي الخلاصة الموسيقية المنشودة التي لا تكتمل بلا قيام كل من العازفين بدوره. ولمن يريد التشبيه، فنحن أمام توزيع أدوار يشبه ذلك القائم بين الأميركي والإسرائيلي، حيث يلبس الأميركي قبعة المسعى الدبلوماسي عندما يحدث أحد أمرين: تحقيق الاحتلال لإنجاز عسكري ينتظر ترجمته في السياسة، وعندها يتحدّث بلغة السعي لوقف الأذى عن لبنان أو غزة أو سواهما حسب جبهة القتال، ويقترح حلاً سياسياً هو في الواقع الثمن الذي يريده الاحتلال لوقف الحرب؛ أو يحدث تراجع وفشل وعجز في خطة الاحتلال نجد كيف يتقدّم الأميركي بحثاً له عن مخرج يحفظ ماء الوجه ولو بدأ بالسعي لتحصيل أثمان فشل الاحتلال في فرضها في الميدان ويحاول الأميركي تحقيقها في السياسة، وعندما يشتدّ الخناق على الاحتلال يقدّم الأميركي التراجعات تحت عنوان السعي لضمان الاستقرار واحترام القانون الدولي.
– في المواجهة الراهنة، تدير المقاومة الحرب تحت عناوين ليست هي عناوين الحرب الدبلوماسية، وما صدر عن المقاومة حول تفويض الرئيس بري، والقبول بأولوية وقف النار، هو آخر ما سوف نسمعه من المقاومة، التي سوف تقول إنها غير معنيّة بما يُقال وما يجري على الساحة الدبلوماسية، وإن أولويتها هي المواجهة الميدانية وتكبيد الاحتلال أكبر خسائر في حربه لإيصاله إلى اليأس من جدوى الاستمرار بخوضها والرهان على تحقيق إنجازات وانتصارات فيها. وهذا هو معنى استراتيجية إيلام الاحتلال، لكن المقاومة في هذا السياق لاستراتيجيتها قد تلجأ إلى فتح الطريق أمام جيش الاحتلال للتوغل والتقدم، ولكن ليس بهدف التراجع، بل تمهيد للانقضاض وتوجيه الضربات القاتلة. وهذا ما شهدناه في معارك الأيام التي مضت على طول جبهة المواجهة الحدودية، بينما صواريخ المقاومة وطائراتها المسيّرة تذهب إلى عمق الكيان وتغطي شمال فلسطين المحتلة، وتصيب عقيدة الأمن في الكيان، وترفع منسوب اليأس من قدرة جيش الاحتلال على توفير الأمن لمؤسسات الكيان ومستوطنيه، وتضرب الثقة بجدوى مواصلة الحرب.
– في الاستراتيجية الدبلوماسية يحدث شيء مختلف. فالكيان لم يعد قادراً على التساكن مع وجود مقاومة مسلّحة وقادرة على الحدود، مستعدة لوضع قواعد الاشتباك جانباً وإطلاق النار عبر الحدود، عندما تجد ذلك منسجماً مع رؤيتها واستراتيجيتها، كما حدث في 8 أكتوبر تحت عنوان جبهة الإسناد، ثم تضرب أمن المستوطنات وتهجر المستوطنين، لأنها تعتبر أن ذلك يخدم استراتيجية جبهة الإسناد لغزة هذه المرّة، وقد تجد عنواناً مشابهاً في مرة أخرى، وحصيلة تقدير الموقف في الكيان تعبر عنها مواقف معلنة، جوهرها تفكيك المقاومة واحتلال المزيد من الأرض والسيطرة على الأجواء، باعتبار كل ذلك صار ضمانات حيويّة لمفهوم الأمن الاستراتيجي للكيان، ما يعني أن الإسرائيلي الذي كان يكتفي قبل شهور بوقف إطلاق النار على جبهة لبنان، لم يعد قادراً على قبول ذلك دون تعديل الوضع الاستراتيجي مع المقاومة وميزان القوى بينه وبينها عبر الحدود. وقد تحوّل ذلك الى التزام رسمي وخطة عملية معلنة بعد الإنجازات التي حققها الكيان في الضربات التي استهدفت المقاومة، وأوحت له بواقعية خطته.
– في هذه المرحلة من الحرب، لم يعُد عنوان الموقف يتجسّد بالإعلان عن ربط المسار مع الحرب في غزة في الاستراتيجية الدبلوماسية، طالما أن الإسرائيلي لا يريد وقف النار دون تحقيق أهداف يشكل جوهرها نسف القرار 1701، فلماذا يمنح مشروعية حربه باعتبار لبنان هو المسؤول عن الحرب من خارج القرار 1701 عبر ربط جبهته بجبهة غزة، ولذلك صارت الاستراتيجية الدبلوماسية تقوم على ثنائية وقف إطلاق النار وتطبيق القرار 1701، أي العودة بالاحتلال إلى قدر التساكن مع مقاومة مسلحة وقادرة عبر الحدود، وهو ما يعادل هزيمة تشبه الهزيمة التي يمثلها القبول بشروط المقاومة في غزة، وليتحمّل الاحتلال مسؤولية استهداف القرار 1701 ورفض وقف إطلاق النار، وهذه وظيفة الاستراتيجية الدبلوماسية، أنه طالما تستمرّ الحرب أن يكون الاحتلال خلالها فاقداً للمشروعية، يواجه بالرفض دعوات وقف النار وتطبيق القرار 1701، دون أن يكون مطلوباً من المقاومة أن تقول إنها قرّرت فك الترابط مع جبهة غزة، لأن مهمتها في مكان آخر، وجوهرها إسقاط أهداف الحرب في الميدان، فتضمن إحباط المسعى الأميركي عندما يراهن على المجيء لحصاد ثمار إنجازات للاحتلال، ثم تفرض عليه المجيء عندما يكون الاحتلال قد فقد الأمل من تحقيق أي إنجاز وباتت كلفة الحرب عليه أعلى من عائداتها، وكلفة الاستمرار فيها أكبر من كلفة وقفها.
– المقاومة في تكتيكاتها تملك حرية مناورة بحدود فتح الطريق للاحتلال كي يتقدّم وتطبق عليه، والدبلوماسية في تكتيكاتها تملك حرية مناورة لفتح الطريق أمام شعارات مثل وقف النار وتطبيق القرار 1701 في لحظة صعود الاحتلال إلى أعلى الشجرة لتحاصره وتضيق عليه الخناق بالتناسب ذاته مع تضييق المقاومة للخناق العسكري عليه في الميدان، وصولاً إلى الإطباق أسوة بما حصل في حرب تموز 2006 بنجاح باهر.

مقالات ذات صلة

زر الذهاب إلى الأعلى