مقالات وآراء

«قشة» أمل النازحين…

‬ علي بدر الدين

 

لا يعرف الشوق الاّ مَن يكابِدُهُ
ولا الصبابة إلاّ مَن يعانيها
لا يسهرُ الليل إلاّ مَن به ألمٌ
لا تحرقُ النارُ الاّ رجلَ واطيها
ربما هذا ما ينطبق فعلاً على النازحين اللبنانيين من بيوتهم (مؤقتاً)، الذين ملأوا المدارس (مراكز الإيواء) والبيوت والفنادق و»الشاليهات» والشوارع والساحات على معظم مساحة لبنان وإنْ بنسبٍ متفاوتة، ومنهم من نزح أكثر من مرة لأنّ آلة الحرب «الإسرائيلية» والقتل والدمار لاحقتهم حيث هُم، أو أنذرتهم بإخلاء أماكن تواجدهم مع آلاف العائلات المقيمة الدائمة فيها، بذريعة استهداف مواقع ومقار وأبنية «حرصاً على سلامة المدنيين» وهذا العدو «الإسرائيلي» يرتكب المجازر والجرائم بحقهم يومياً.
نعم النازحون يكابدون ويعانون ويتألّمون وتحرقهم نار النزوح وتقتلهم صواريخ الطائرات الحربية «الإسرائيلية» وتدمّر الأبنية والمنازل على رؤوس الأطفال والنساء والرجال، ويهدُر الذل كراماتهم، والفقر والقلّة والعوَز والحاجة والمرض تداهمهم وتدخل بيوتات العائلات «المستورة» وتجوّع أطفالها وتحرمها من نعمة الحياة.
ليس مبالغة أنّ الشكوى بدأت تتسلّل من عائلات نازحة و(لغير الله مذلّة) من ذوبان «القرش الأبيض» الذي تآكل بفعل النزوح وكلفته العالية وانسداد مصادر التمويل من العمل والإنتاج، ودمار المنازل والممتلكات وقطع الأرزاق، خاصة أولئك الذين إذا عملوا يؤمّنون دخلاً ولو بحدّه الأدنى، فكيف بالذين لا يعملون بعد أن تركوا مصادر إنتاجهم في «عين» العاصفة وهدفاً سهلاً لغارات الطائرات «الإسرائيلية» وصواريخها الغادرة والمدمّرة؟
النازحون حقيقة في حال صعبة وكارثية ومأساوية وكلما طالت الحرب تمدّدت معاناتهم وخسروا كلّ شيء، وقد يقتل الجوع أطفالهم وكبارهم ومرضاهم، ومَن لم يمت بالحرب يموت من الجوع والحرمان والمرض لعدم القدرة على شراء الدواء.
كلّ ما يقدر عليه النازحون هو الصبر والصمت والبكاء والحزن على من استشهد تحت ركام بيته أو فوقها، أو في سيارته أو على الطرقات أو من المرض، وليس من خيار له سوى انتظار الفرج والدعاء والصلاة والوقوف على أطلال منزله وحياته المتبقية وهو دائماً مشروع شهيد أو جريح في ظلّ التوحّش «الإسرائيلي»، أو في ظلّ قضاء بقية حياته أو جزء منها نازحاً يُرثى له ويُندي الجبين ويُذرَف الدمع.
النازحون والمقيمون اللبنانيون، «علّقوا آمالهم وأحلامهم» حتى على الموفد الأميركي آموس هوكشتاين المنحاز دائماً إلى الكيان الصهيوني، وعلى أمين عام جامعة الدول العربية أحمد ابو الغيط الذي استفاق مؤخراً، وتذكّر أنّ لبنان الذي يتغنّى مسؤولوه انه من مؤسسي الجامعة، يتعرّض لعدوان «إسرائيلي» همجي وبربري، وانّ شعبه يُباد ومدنه وقراه وأملاكه تدمّرها صواريخ العدو «الإسرائيلي» ومدافعه، كما ينتظر هؤلاء الصحوة والنخوة الفرنسية تجاه لبنان من دون أثر أو مفعول.
من حق اللبنانيين أن ينتظروا ويتوقعوا ويتفاءلوا بالخير والسلام المؤجّل ووقف الحرب، وأن يتعلّقوا «بقشّة» وهم غرقى وقد يبتلعهم الطوفان، «أنا الغريق وما خوفي من البللِ».
من حق النازحين أن يحلموا ويأملوا بأنّ الفرج بات قريباً، وانّ العودة إلى الديار باتت «قاب قوسين…» لأنّ النزوح وإنْ كان مؤقتاً يكاد يخنقهم بل ويقتلهم.
من حقهم أن يسألوا متى تنتهي الحرب «الإسرائيلية» على لبنان؟ لأنّ «الكيل طفح» والأعصاب انهارت وتلفت، و»القروش» تبخّرت، والأطفال جاعت، «وبأي ذنبٍ قُتِلَت»؟

مقالات ذات صلة

زر الذهاب إلى الأعلى