المقاومة فعل إرادة
عبير حمدان
حين تقف على مسافة من عمرك الذي سبق الحرب تكتشف أنّ كلّ ما كنت تعيشه جميل ولو كان يحتوي على الوجع والملل، تكتشف أيضاً أنّ الحزن جميل والعسر في حياتك ويومياتك قبيل الحرب جميل…
وعندما تكتسب صفة «نازح» تدرك أنّ الحروف ثقيلة ولو تكيّفت مع واقعك الذي يحاصرك جراء همجية عدوك الأزلي وترى نفسك محاطاً بسيل من «الأخبار العاجلة» التي تجتاح حتى الطفولة بحيث تغيب ألعابهم لتحلّ محلها مصطلحات أكبر من أعمارهم الطرية وتتبدّل أغاني المدرسة المحفوظة في ذاكرتهم ليحفظوا أسماء المقاتلات الحربية ووجوه المحللين والموفدين العرب والغربيين…
مخطئ من يظن أنّ الحرب تحجب الرؤية بل بالعكس هي تعرّي كلّ من لبس لبوس «التعايش الكاذب» وتكشف ما خلف الأقنعة المزيفة لأشخاص أتقنوا التلوّن فيما هم يتحيّنون الفرصة لإظهار حقد دفين بربطة عنق أنيقة وعالم افتراضي تحوّل الى معلقات فلسفية مرتهنة تحت مسمّى تحليل لا يفقهونه إنما هي توجيهات ممنهجة ومدروسة وخدمات غير مجانية للقاتل تحت راية «الاعتدال» و»حب الحياة» و»حرية الإعلام».
هذا الفضاء المفتوح للجميع أتاح للطحالب ان تطفو على سطح مياه آسنة بكلّ ما تختزنه من فئوية ورفض لمفهوم الكرامة والعز والصمود…
هؤلاء أخطر من العدو لأنهم يعيشون بيننا ويبدّلون جلدهم وفق مصالحهم وارتهانهم وتبعيّتهم وتخاذلهم ومنسوب خيانتهم وحيث أنّ الخيانة محال ان تكون وجهة نظر لا بل مرفوض ان تكون كذلك، وجب تعليق المشانق سابقاً وحالياً ولاحقاً…
حين بدأ «طوفان الأقصى» في السابع من تشرين الأول 2023 أنبرى البعض ليقول ماذا قدّمت الخطابات لغزة وفلسطين رغم أنّ جبهات الإسناد فُتِحت من الجنوب اللبناني الى البحر الأحمر في اليمن الى العراق، وكان الجنوب أوّل الغيث في ثاني يوم على «الطوفان» وارتقى خيرة الشباب على طريق القدس ولم يبدّلوا تبديلا مقابل محيط عربي أقفلَ حتى معابر المساعدات الإنسانية إرضاء لمنطقه التطبيعي مع عدوّنا الأزلي ومن يدعمه.
جبهة الإسناد توسّعت من الجنوب الى الضاحية والبقاع ذلك لأنّ المقاومة ليست منبراً للخطابة وحسب إنما هي فعل إرادة ومبدأ وجود سيغيّر وجه المنطقة لا بل سيعيد له الإشراق ليكون كما يجب أن يكون…
لكن من يتقن بث السموم وترويج التقارير الإعلامية المحرّضة والكاذبة والتصويب على المقاومة نقول نحن أهل هذا المقاومة التي قدّمت لفلسطين كلّ فلسطين أغلى ما تملك… وستزهر الدماء الطاهرة سنابل قمح وزيتون على طريق الحق وسنرفع راية الانتصار لأنّ هذه الأرض لا تتسع لطرفي صراع فإما نحن أو نحن…