صوت المقاومة الذي لا يسكت… وركام الضاحية منبر للصمود والتحدي
فراس رفعت زعيتر
بعد كلّ حفلة جنون «إسرائيلية» مجرمة على لبنان يتجلى الحاج محمد عفيف، مسؤول العلاقات الإعلامية في حزب الله، كأحد أبرز رموز قيادة المقاومة. ففي كلّ مرة يطلّ فيها من قلب الضاحية الجنوبية لبيروت، من بين الركام والدمار، يوجه رسالة واضحة ومباشرة إلى العدو: الضاحية ستبقى منبراً للمقاومة، مهما علت قنابلهم أو دُمّرت الأبنية. هذه الضاحية، التي تعدّ رمزاً للصمود، ليست فقط رمزاً لبيروت وحدها، بل لكلّ الجنوب، البقاع، وكلّ لبنان، باعتبارها عاصمة للأحرار وحاضنة للمقاومين.
يعيد الحاج محمد عفيف، في كلّ خطاب، تذكير الجميع بأنّ المقاومة لا تنكسر، وأنّ الصوت المقاوم يعلو فوق كلّ محاولات القمع والترهيب. إنه بذلك يجسّد استمرار تحدي المقاومة لـ «إسرائيل»، ويؤكد أنّ صواريخ العدو لن تستطيع إسكات الصوت الذي يمثل قضية الحرية والكرامة.
صوت المقاومة أقوى من دمار العدو
إصرار الحاج عفيف على الظهور من قلب الدمار ليس مجرد خطوة إعلامية، بل هو تعبير عن فلسفة المقاومة التي تؤمن بأنّ المواجهة مع العدو ليست فقط عسكرية، بل نفسية وإعلامية أيضاً. هذه الاستراتيجية تذكرنا بشخصيات تاريخية أخرى تحدّت أعداءها في ظروف قاهرة. من هذه الشخصيات أرنستو تشي غيفارا، الذي كان رمزاً عالمياً للمقاومة والتحدي في وجه الإمبريالية. غيفارا، خلال ثورته في كوبا، لم يكتفِ بالقيادة من الخلف، بل كان دائم الحضور على الخطوط الأمامية، ملهماً مقاتليه بالصمود رغم الظروف القاسية والتفوق العددي والعسكري للعدو. ففي «معركة سانتا كلارا»، حيث كانت قوات باتيستا تفوقهم قوة، ظهر غيفارا مراراً متحدياً العدو، محركاً في رجاله روح الصمود والقتال، تماماً كما يظهر الحاج محمد عفيف بين الدمار ليقول إنّ إرادة المقاومة لا تنكسر. مثل غيفارا، الذي قال «علينا أن نقاتل حيث يكون العدو أقوى»، يثبت الحاج عفيف في كلّ مرة أنّ المقاومة ليست مجرد ردّ على العدوان، بل هي مشروع حياة وصمود ضدّ الاحتلال مهما كانت التحديات.
رسائل التحدي: النصر آت مهما طال العدوان
في إطلالته الأخيرة، كما في كلّ مرة، أبدع الحاج محمد عفيف في وضع جمهور المقاومة في صورة ما يجري على مختلف الساحات إعلامياً، سياسياً وعسكرياً، سواء في الداخل أو الخارج. بخبرة رفيعة، نجح في تسلسل الأفكار وتقديم الوقائع بحنكة، مشدّداً على أنّ المقاومة بخير، وأنّ «المفاجآت» التي تنتظر العدو لن تتوقف طالما استمرّ عدوانه. تحدّى الحاج محمد عفيف قيادة العدو، من رئيس الوزراء بنيامين نتنياهو إلى أصغر جندي على حدود لبنان، قائلاً لهم إنّ الردّ سيكون حتمياً على كلّ جريمة وعدوان. وبتلميحه إلى نجاة نتنياهو من المحاولة السابقة، أوصل رسالة صريحة: «إذا لم تصلك أيدينا المرة الماضية، سننجح في المرة المقبلة». هنا، يتجلى عفيف كقائد يعرف تماماً ما يجري خلف الكواليس وما تخبّئه المقاومة من مفاجآت.
إرادة الصمود والبناء من جديد
في كلّ خطاب له، لا ينسى الحاج محمد عفيف أن يطمئن جمهور المقاومة بأنّ ما دمّرته آلة الحرب «الإسرائيلية» سيتمّ تعميره، وأنّ كلّ من فقد بيته أو ممتلكاته سيتمّ تعويضه. هذا الوعد هو وعد السيد الشهيد، وهو يعطي الأمل لكلّ من تضرّر، ويؤكد أنّ المقاومة ليست مجرد مشروع عسكري، بل مشروع حياة يعيد بناء الأرض والإنسان. كما أنّ هذه الرسالة تعيد للأذهان العديد من الشخصيات التاريخية التي كانت تبعث برسائل الطمأنينة لشعوبها في أوقات الدمار. ففي القرن الـتاسع عشر، كان سيمون بوليفار، قائد حروب الاستقلال في أميركا اللاتينية، يطمئن شعوبه بأنّ النصر سيكون لهم رغم التضحيات، وأنّ الأرض المحررة ستعاد إعمارها من جديد.
الحاج محمد عفيف، بصوته الهادئ والمليء بالثقة، أصبح رمزاً من رموز المقاومة في وجه آلة الحرب الإسرائيلية. إنه صوت لا يخاف من التهديدات، ولا يتراجع أمام التحديات. ظهوره الدائم من قلب الدمار يذكرنا بأنّ المقاومة ليست فقط بندقية أو صاروخ، بل هي أيضاً الكلمة والإرادة والصمود. في النهاية، تبقى رسالته واضحة: النار بالنار، والحديد بالحديد، والميدان هو الحكم.