الحضور في الميدان بعد 33 يوم حرب
لم يعد حضور حزب الله في الميدان العسكري موضوعاً للنقاش، فما يقوله الميدان على المستويين الرئيسيين للمواجهة، الجبهة البرية والجبهة النارية، يقولان بوضوح أن حزب الله يقدم الأداء الاحترافي والشجاع والمقتدر الذي يُظهر تفوّقاً في الجبهة البرية ويقيم توازناً نوعياً في الجبهة النارية.
في الجبهة البرية لم تنجح كل محاولات الاختراق ولم تصمد كل أوهام التموضع والاستقرار، فقد نجح حزب الله في الصدّ عندما قرر الصدّ وفي الاحتواء ثم الانقضاض عندما توهّم الاحتلال أنه يحقق إنجازاً. ولعل بيان غرفة عمليات المقاومة الإسلامية عن حصيلة المواجهات منذ بدء هذا العدوان الشامل مع تفجير أجهزة البيجر في 17 أيلول الماضي، كافٍ لتقديم صورة عن ما جرى ويجري في الميدان، حيث لا سيطرة على أيّ من القرى الأمامية بما في ذلك ما تمكّن الاحتلال من التقدّم إليه خلال حرب تموز، وحيث خسائر الاحتلال تقارب خسائره خلال حرب تموز كلها. وبالمناسبة نحن تجاوزنا اليوم الـ 33 من هذه الحرب وحرب تموز كلها لم تدم أكثر من 33 يوم حرب.
في الجبهة النارية يتفوّق الاحتلال بالتدمير والقتل، لكن بحساب ميزان القوى الناري من حيث مدى النيران ونوعيّتها ودقتها واستمرار فاعليتها، نجحت المقاومة في إقامة التوازن النوعي، حيث وصلت صواريخها وطائراتها المسيّرة الى قلب الكيان واستهدفت حصونه المنيعة وأصابتها، وهي لا تزال تتجنب استهداف التجمعات السكنية للقتل والتدمير، مكتفية بالتهجير كهدف للضغط على القيادتين السياسية والعسكرية لوقف الحرب، ووضع حد للتأييد الأعمى الذي منحه المستوطنون للعدوان بوهم الانتصار وعدم دفع الأثمان. ومن جهة موازية لا تزال المقاومة تقيم حساباً لإبقاء بيروت العاصمة والمؤسسات الحيوية للدولة اللبنانية بمنأى عن الاستهداف من خلال عدم الذهاب بعيداً في استهداف عمق الكيان كبنى سكنية ومؤسسات مدنية وخدمية.
إذا كان الميدان العسكري يتحدّث عن نفسه بما نراه، فلا حاجة لأن نسمع، وقد سبق للسيد حسن نصرالله أن أطلق معادلة الخبر فيما ترون لا فيما تسمعون وها نحن في قلب هذه المعادلة، أما في الميدان السياسي والإعلامي فإن الخبر فيما نسمع، وقد خسر الحزب وخسرت المقاومة وخسر لبنان حضوراً كان مالئ الدنيا وشاغل الناس، وكان وحده كافياً لتأمين تغطية سياسية وإعلامية لمواكبة حرب كاملة على جبهة قيادة العدو وجبهة مستوطنيه، وجبهة المقاومة ومجاهديها وجبهة بيئتها الشعبية وجبهة لبنان الداخلية من صديق وخصم، وصولاً إلى رسم المعادلات للوفود الدولية وما تحمل من مشاريع، وإذا بالحزب والمقاومة ولبنان فجأة في أشرس الحروب بدون السيد حسن نصرالله، وبعدها بقليل يكتشف الحزب والمقاومة ولبنان أن عليهم المضي قدماً بدون السيد هاشم صفي الدين، وهو من كان يظن الكثيرون أنه قادر على ملء بعض الفراغ وتأمين بعض الحضور، رغم أن مسؤوليته الرئيسية سد فراغ السيد الأول في إدارة الميدان العسكري، والحمل كبير والفراغ كبير، فكانت إطلالات نائب الأمين العام للحزب الشيخ نعيم قاسم، تثلج الصدور وتشعر بقوة الحضور وتجلب الاطمئنان.
الظروف التي فرضتها الحرب وترجمها الحزب بتقييد حركة الشيخ نعيم قاسم بعد فقدان القائد الأول والقائد الثاني، لم يكن مسموحاً معها بالتهاون في ضوابط التحفظ الأمني، فلا مكان لتحمّل خسارة بحجم غيابه، لم تسمح بإشباع حاجات الساحة السياسية والإعلامية، والساحة تتطلب المزيد من الحضور، وكان الأمر يحتاج فدائياً يقتحم الميدان، ويطلّ بصورة علنية ويشرح ويحلل ويجيب على الأسئلة، متمماً ما كان يقوم به نائب الأمين العام، حاملاً على ورقة ما كتب من توجهات رسمية للحزب يتقيد بها ويشرحها ولا يرتجل حولها، لكنه يتحدث بلغة تمتلئ بالروح والحماسة والمشاعر والعواطف فتثير مثلها في الناس، فكان خير الفدائي في ميدان بطولة لا تقلّ عن ميادين الحرب الأخرى، هذا هو الحاج محمد عفيف في مؤتمر صحافي في روضة من روضات شهداء المقاومة يطلّ من الضاحية الجنوبية، يمارس فعل الوفاء لسيد المقاومة ويؤدي واجب المقاومة نحو شعبها، ويترجم توجهات حزبه إلى مواقف تنبض بالحياة.