أولى

الزيارات الأميركية تأتي في الوقت الضائع

سعادة مصطفى أرشيد*

أثر الضربات الموجعة التي تلقتها المقاومة باستشهاد رمزين من رموزها في الضاحية الجنوبية وغزة، أخذت المواجهات على جبهات غزة ولبنان شكلاً بالغ الشدة والإجرام وبما يفوق ما جرى خلال سنة الحرب الأولى والتي كانت بدورها بالغة الحدة والقسوة، ولكن ليس الى هذه الدرجة فعادت الأفكار القديمة – الجديدة عن إقامة الشرق الأوسط الجديد الذي يريده نتنياهو كشرط من شروط تحقيق الأمن لدولة الاحتلال ويتضمّن ذلك في مرحلته الأولى لا بل في حده الأدنى إخلاء شمال غزة من السكان وترحيل قسم كبير منهم إلى خارج فلسطين، ضمّ المناطق جيم من الضفة الغربية الى دولة الاحتلال ضماً نهائياً وهي التي تبلغ مساحتها 61% من الضفة الغربية، وتهجير جزء كبير من السكان إلى الأردن تحت ضغط الظروف الاقتصادية والخوف الأمني على حياتهم بسبب تغوّل المستوطنين المدعومين رسمياً وعلنياً من الحكومة والأمن، وكذلك يتم الحديث عن منطقة عازلة تمتدّ لعشرة كيلومترات داخل الأرض اللبنانية.
تحت وقع القصف والموت والدمار يزور بلادنا وزير الخارجية الأميركي بلينكن الذي حلّ في تل أبيب حاملاً أفكاراً لا آفاق نجاح لها من قبل حضوره إلى تل أبيب فيما حل المبعوث الأميركي – (الإسرائيلي) في بيروت في مهمة مشابهة لن يُكتب لها النجاح أيضاً وإن اختلفت في تفاصيلها.
يحمل الوزير الأميركي أفكاراً لمناقشتها مع الحكومة (الإسرائيلية) تعطي دوراً لقوة شرطية تابعة للسلطة الفلسطينية، فيما يتجاهل الاتصال بالسلطة الفلسطينية في رام الله وكأنها غير موجودة أو غير ذات صلة، وربما لانشغالها بحفلات الزواج والخطوبة وأعياد ميلاد المسؤولين وأبنائهم وأنسبائهم وأقربائهم. يريد الوزير الأميركي تسويق أفكار نتجت عن اتصالاته ببعض المتموّلين وأغنياء الحرب من أهل غزة المقيمين في القاهرة وهم من يفترض الأميركي أنهم قادرون على إدارة غزة ويريد إقناع نتنياهو بهم، وبأن ذلك يلبي كامل شروطه لإنهاء الحرب إذ أن قرابة عائلية بين بعض من رجال أعمال هؤلاء وبين قادة في المقاومة قادرة على حل عقدة الأسرى، فيما يدرك نتنياهو أن ذلك محض خيال، وأن ما يريده الوزير الأميركي بالحقيقة هو إبرام اتفاق يمثل إنجازاً للإدارة الديمقراطية – إدارة جو بايدن، وأن هذا الإنجاز سوف ينعكس على توريد أصوات انتخابية مهمة لصالح المرشحة الديمقراطية كاميلا هاريس، ولكن نتنياهو الذي يتعامل مع الانتخابات الرئاسية الأميركية وكأنه هو المرشح المنافس للمرشحة الديمقراطية، وبالتالي فلن يقدّم ما يدعم خصومه حتى ولو كان نتيجة ذلك اتفاق ينهي الحرب ويلبي شروطه كاملة.
أما المبعوث الأميركي – (الإسرائيلي) أموس هوكشتاين إلى لبنان فهو يقوم بمحاولة تفاوض تحت النار، تذكّرنا بدور مبعوث أميركي آخر حمل اسم فليب حبيب خاض مفاوضات مماثلة عام 1982، ولكن مع نوع مختلف من المقاتلين، ونجح في إخراجهم من لبنان وتشتيتهم في جهات الدنيا الأربع، وفتح الطريق أمام سلسلة من التنازلات وصلت بهم وبنا إلى حالة الهوان التي نعيشها اليوم بعد أربعة عقود ونيّف. يفترض المبعوث الأميركي أن المقاومة قد تلقت ضربات مؤلمة كان منها اغتيال قائدها صاحب الكاريزما التي من الصعب تعويضها وأن نصف قوة المقاومة قد استنفدت، ثم أنه بعكس الوزير الأميركي الذي تجاهل السلطة الفلسطينية فإنه يرى أن له حلفاء يمثلون طابوراً خامساً مستعداً للانقضاض على المقاومة من الداخل عندما يطلب منهم ذلك، وبعض هذا الطابور الخامس موجود في مفاصل الإدارة الحكومية التي تكاد ترى أن المقاومة هي عصابة خارجة عن القانون تعمل ضد المصالح العليا للدولة، ووصل الأمر برئيس حكومة تصريف الأعمال الطلب من إيران تخفيف تعاطفها مع لبنان. فهذا التعاطف والدعم الذي تقدّمه إيران للمقاومة لا يحمي لبنان بقدر ما يورّطه في حرب لا ناقة له فيها ولا جمل، وبرأيه أن ذلك يمثل تدخلاً في الشأن الداخلي اللبناني الذي لا يتدخّل به أحد سوى إيران.
لا (الإسرائيلي) بوارد الاهتمام بما يأتي به الزائرون الأميركيون، وهو ينتظر بشوق استقبال المبعوثين الأميركان للإدارة المقبلة، ولا المقاومة في غزة ولبنان تثق بهم أو تنتظر منهم ما يفيد، إنهم من لزوم ما لا يلزم.

*سياسي فلسطيني مقيم في الكفير جنين – فلسطين المحتلة

مقالات ذات صلة

زر الذهاب إلى الأعلى