التكنولوجيا والتسويق والسياسات… سيارات القيادة الذاتية في الصين تستمر في التقدم
بقلم وانغ جيان
انتقلت تكنولوجيا القيادة الذاتية للسيارات في الصين خلال السنوات الأخيرة تدريجياً من البحث والتطوير إلى التطبيق العملي على نطاق واسع، لتصبح الصين إحدى الدول الرائدة في مجال القيادة الذكيّة في العالم. ولا ينعكس هذا التقدّم في الابتكار التكنولوجي فحسب، بل أيضاً في دعم السياسات وعملية التسويق. ومن خلال الاختراقات التكنولوجية المستمرة والتخطيط الشامل، أظهرت صناعة القيادة الذاتية في الصين إمكانات وقدرة تنافسية قوية.
التكنولوجيا تقدّم حلولاً
دخلت شركات الاتصالات والإلكترونيات الاستهلاكية والتكنولوجيا التي تمثلها «هواوي» و«شياومي» و«دي جيه آي» وغيرها، إلى عالم صناعة السيارات، مما أدّى إلى تطوير تكنولوجيا القيادة الذاتية.
فما هي التقنيات الحالية التي تمكّن سائقي السيارات من تحرير أيديهم وتعزيز راحتهم خلف عجلة القيادة قدر الإمكان؟ كانت إجابة العديد من شركات السيارات هي: «إن أو أيه» NOA) ) في المدن.
مصطلح «إن أو أيه» الكامل يعني «التنقل على الطيار الآلي»، ويترجم عادة إلى «القيادة بمساعدة الطيار الآلي» في الصناعة بالصين. ويمكن للمستخدمين من خلاله تحقيق وظائف القيادة بمساعدة تقنية الملاحة من نقطة إلى نقطة ضمن نطاق طريق معين، ويمكن للمركبة الوصول إلى وجهتها دون تحكم السائق في السيارة.
طوّرت «هواوي» و«إكس بنغ» وظائف «إن أو أيه» التي لا تعتمد على الخرائط عالية الدقة. وتعاونت «هارموني أو إس تشي شينغ» التابعة ل»هواوي» مع شركات السيارات مثل «سيريس» و«تشيري» و«جيه أيه سي» و«بايك بلو فالي» لإطلاق علامات تجارية مثل «ون جيه» و«تشي جيه» و«شيانغ جيه» وغيرها.
وحتى نهاية عام 2023، كان هناك أكثر من 70 طرازاً من المعدات القياسية أو الاختيارية الداعمة لنظام «إن أو أيه» معروضة للبيع في السوق الصينية، بزيادة أكثر من 160 بالمئة عن العام الأسبق.
التطبيق التجاريّ يتسارع
لم تُحرز تكنولوجيا القيادة الذاتية في الصين تقدّماً على المستوى التقني فحسب، بل اتخذت أيضاً خطوة رئيسية إلى الأمام في التطبيق التجاري. على مدى السنوات القليلة الماضية، انتقلت المركبات ذاتية القيادة تدريجياً من المختبر إلى الطريق الحقيقيّ مع نضوج التكنولوجيا. قام عدد من المدن على التوالي بفتح مناطق اختبار للقيادة الذاتية، مما يوفر الدعم الكافي من السيناريوات والبيانات للتحقق من التكنولوجيا والاختبار التجاري.
عقد المؤتمر العالمي للمركبات الذكية المتصلة لعام 2024 في بكين في الفترة من 17 إلى 19 أكتوبر الحالي، حيث كشف مسؤول في مكتب عمل منطقة بكين النموذجية للقيادة الذاتية عالية المستوى أن المنطقة النموذجية قد أكملت النشر الذكي لـ 600 كيلومتر مربع من المرافق على جانبي الطريق. في المرحلة التالية، سيتمّ تخطيط المنطقة النموذجية وتوسيعها حول الطريقين الدائريين الرابع والسادس في المدينة، بمساحة مخطّطة تبلغ حوالي 3000 كيلومتر مربع، وتبلغ مساحة هذه المنطقة حوالي أكثر من ضعفي مساحة أحياء بكين الحضرية الستة.
ووفقاً ل»تصنيف أتمتة قيادة السيارات» المطبق في الصين، تنقسم أتمتة القيادة إلى 6 مستويات: من «إل 0» (L0) إلى «إل 2» (L2) هي القيادة المساعدة، حيث يحتاج السائق إلى مراقبة عملية القيادة بأكملها، و«إل 3» (L3) هي القيادة الذاتية المشروطة، حيث يتولى السائق التحكم في حالات الطوارئ، و«إل 4» (L4) هي القيادة الذاتية للغاية، و«إل 5» (L5) هي القيادة الذاتية تماماً.
من حيث سيارات الركاب، يتسارع حالياً في الصين تركيب وظائف القيادة المساعدة «إل 2» وما فوق في السيارات. ووفقاً لتقرير جمعية سيارات الركاب الصينية، فمن يناير إلى فبراير الماضيين، بلغت نسبة تركيب وظائف القيادة المساعدة «إل 2» وما فوق في سيارات الركاب العاملة بالطاقة الجديدة 62.5 في المئة، مقارنة مع 55.3 في المئة لسيارات الركاب العاملة بالطاقة الجديدة و36.6 في المئة لسيارات الركاب العاملة بالوقود العام الماضي.
في التطبيقات العمليّة، لا يقتصر تسويق القيادة الذاتية على سيارات الركاب. في منطقة بكين النموذجية للقيادة الذاتية عالية المستوى، لا توجد مركبات توصيل غير مأهولة من مستوى «إل 4» فحسب، بل يوجد أيضاً أكثر من 800 مركبة بدون سائق مثل المركبات المكوكية ومركبات التنظيف وسيارات الدوريات ومركبات البيع بالتجزئة التي تخدم حياة الناس في سيناريوهات مختلفة.
وحتى الآن، أصدرت المنطقة النموذجية تراخيص اختبار الطرق لـ 33 شركة سيارات ولما يقرب من 900 مركبة، وتجاوزت المسافة المقطوعة لاختبار القيادة الذاتية 32 مليون كيلومتر، وهو ما يمثل أكثر من ربع إجمالي الأميال التجريبية في البلاد.
السياسات تدعم تطبيق التكنولوجيا
لعبت الحكومة الصينية دوراً مهماً في تعزيز تطبيق تكنولوجيا القيادة الذاتية. في السنوات الأخيرة، أدخلت العديد من المدن سياسات لدعم اختبار المركبات ذاتية القيادة على الطرق العامة، وأنشأت مناطق اختبار مخصصة. لا توفر هذه السياسات منصة اختبار للمؤسسات فحسب، بل تضع أيضاً أساساً متيناً للترويج على نطاق واسع لتكنولوجيا القيادة الذاتية في المستقبل.
في نوفمبر من العام الماضي، قامت وزارة الصناعة وتكنولوجيا المعلومات وأربع هيئات أخرى بإصدار «منشور بشأن العمل التجريبيّ للسماح بالوصول إلى الطرق للمركبات الذكية المتصلة» لدعم التشغيل التجريبي للمركبات ذاتية القيادة من المستويين «إل 3» و«إل 4». وفي ديسمبر من العام الماضي، أصدرت وزارة النقل «المبادئ التوجيهيّة لخدمات سلامة النقل للمركبات ذاتية القيادة (نسخة تجريبية)»، والتي توجه وتنظم تطبيق تكنولوجيا القيادة الذاتية في مجال خدمات النقل وتنطبق على المركبات ذاتية القيادة من المستويين «إل 3» إلى «إل 5».
على المستوى المحليّ، نفذت مدن شنتشن وشانغهاي وهانغتشو وأماكن أخرى تشريعات محليّة بشأن القيادة الذاتية. أصدرت بكين وشانغهاي وتشونغتشينغ ومدن أخرى تراخيص اختبار الطرق السريعة لمستوى «إل 3» لسبع شركات سيارات على الأقل. وحالياً تدفع بكين العمل التشريعي لـ «لوائح بكين للمركبات ذاتية القيادة».
بالإضافة إلى ذلك، تستثمر الصين بنشاط في بناء البنية التحتية الذكية للنقل. إن تعميم شبكات الجيل الخامس «5 جي» وتكنولوجيا تنسيق المركبات والطرق، وبناء أنظمة إشارات المرور الذكية كلها قدمت دعماً قوياً لتعميم تكنولوجيا القيادة الذاتية. وجعل تنفيذ هذه السلسلة من السياسات من الصين إحدى الدول الرائدة والأكثر نشاطاً في تعزيز تطبيق تكنولوجيا القيادة الذاتية في العالم.
التحديات والآفاق المستقبلية
على الرغم من أن تكنولوجيا القيادة الذاتية في الصين قد أحرزت تقدماً كبيراً، إلا أن التحديات لا تزال قائمة. وتحتاج تكنولوجيا القيادة الذاتية إلى مزيد من التحسينات لتتمكن من التعامل مع ظروف الطقس القاسي وسيناريوات الطرق المعقدة. وقال تشانغ يا تشين، الأكاديمي في الأكاديمية الصينية للهندسة، إن مركبات اختبار القيادة الذاتية من المستوى «إل 4» لعملاق الإنترنت الصيني «بايدو» قطعت قرابة 100 مليون كيلومتر، لكن البيانات في ظل ظروف العمل القاسية لا تزال غير كافية، وهناك تحدّيات في تصنيف البيانات ووضع العلامات ومعالجة البيانات والامتثال.
ولا تزال معايير الصناعة ذات الصلة وتدابير الإشراف على المنتجات بحاجة إلى التحسين والتوحيد. ويرى لي جيون، مؤسس مجموعة «شياومي» الصينية، أن هناك اختلافات كبيرة بين منتجات القيادة الذكية الحالية في الصناعة من حيث تعريف الوظائف وأداء السلامة والتفاعل بين المستخدم والحاسوب وظروف التشغيل وتطبيق البيانات.
لا يمكن فصل التطوّر السريع لتكنولوجيا القيادة الذاتيّة في الصين في السنوات الأخيرة عن الابتكار التكنولوجي ودعم السياسات والإمكانات الهائلة للسوق. مع استمرار تقدّم تكنولوجيا القيادة الذاتية عالية المستوى وزيادة تحسين القوانين واللوائح وبناء البنية التحتية الذكية للنقل، تستمرّ القدرة التنافسية للصين في مجال القيادة الذاتية في التحسّن وسيتمّ تعميم تكنولوجيا القيادة الذاتية وتطبيقها في المزيد من السيناريوات.