استكمال الهيكلة وقبول التحدي
عملياَ ووفق الجدول الذي سبق أن تحدّث عنه الشيخ نعيم قاسم بصفته نائب الأمين العام لحزب الله، يأتي انتخاب أمين عام للحزب خطوة أخيرة في عملية استكمال الهيكلة وملء الشواغر الناتجة عن الضربات الأمنية التي تلقاها حزب الله، وكان من الزاوية التنظيمية ممكناً للحزب المضي بصيغة القيادة الجماعية التي اعتمادها بعد اغتيال أمينه العام، لكن شعوره بالثقة بأن جسمه التنظيمي والمقاوم تعافى ويحتاج إلى استعادة دورته الطبيعية التي يمثل الأمين العام فيها رأس الهرم شجّعه على القيام بهذه الخطوة.
وجود أمين عام هو الأمر الطبيعي وفقاً لهليكية حزبية لا يسهل تعديلها ولا تعليقها في حزب ضخم ومؤسسي ويعتمد لوائح ملزمة في اتباع تسلسل خطواتها، بحيث يبدو انتخاب أمين عام أسهل من تعديل نظام او تعليق العمل بنظام، وليس من داعٍ لهذه او تلك، بالإجماع على الشيخ نعيم قاسم لقيادة المرحلة بدا بديهياً في بنية الحزب والمقاومة خلال الفترة التي أعقبت استشهاد الأمين العام السيد حسن نصرالله ومن بعده استشهاد رئيس المجلس التنفيذي السيد هاشم صفي الدين، الذي كان مرشحاً بالتوازي مع الشيخ قاسم لمهمة قيادة المرحلة، وبات الشيخ قاسم مرشحاً وحيداً للمهمة بعد استشهاد السيد صفي الدين، وفقاً للمكانة في المؤسسة الحزبية وحجم الإلمام والإمساك بالملفات السياسية والتنظيمية.
كان يمكن لحزب الله أن ينتخب الشيخ قاسم أميناً عاماً ويتفادى إعلان ذلك، فيحقق المطلوب في بنيته الداخلية دون أن يعرّض نفسه وشخص أمينه العام لمخاطر الاستهداف، لكن الحزب نظر لعدم إعلان انتخاب أمين عام وتسميته كرسالة سلبية لا يجب الوقوع في إغرائها، لأن الشيخ قاسم على لائحة الاستهداف لموقعه ودوره ومكانته وقد ازداد خصوصاً مع توليه ملء الفراغ السياسي بعد غياب الأمين العام، وإخفاء انتخابه قد يزيد السعي لاستهدافه لكن لأن الاستهداف قائم أصلاً، وما سوف يفعله عدم الإعلان هو إظهار قيادة الحزب بحالة ضعف وخوف، ولو تجاه بنيته الداخلية، بينما الإعلان هو قبول التحدي.
الإعلان هو استعداد من الشيخ قاسم نفسه، لتحمل التبعات بما فيها الاستشهاد، وهذه رسالة قوة نحو بنية الحزب وبيئته، وهو قبول التحدّي من المؤسسة الحزبية التي يبدو انها اقدمت على قبول التحدي لأنها حللت وفككت عمليات الاستهداف واكتشفت ثغراتها وقامت بملء هذه الثغرات واستيعاب الدروس، وهي واثقة من أنها أشد قدرة على مواجهة مخاطر الاستهداف، وأن الاحتلال سوف يكون أقل قدرة في الوصول إلى قيادات الحزب، والنجاح هنا هو تحد أمني استخباري يمثل الفوز فيه تعزيزاً لرصيد الحزب في المواجهة القائمة.
الأكيد أن الحزب لا يخاطر بأمينه العام المنتخب فقط ليقول بأنه جاهز للتحدي، فلو لم يكن واثقاً من حل الكثير من ألغاز الاستهدافات السابقة لما أقدم على التحدي الجديد.