أولى

النخب العربية والإعلام المتصهين!

 د. محمد سيد أحمد

ليست المرة الأولى التي نتحدّث فيها عن النخب العربية المتصهينة، والتي تُمنح مساحات على وسائل الإعلام المختلفة والتي يسيطر عليها اليهود الصهاينة عبر نفوذهم السياسي والاقتصادي حول العالم، حيث يبرز على ساحة الرأي العام العربي من حين إلى آخر بعض الأشخاص المتطرّفين في أفكارهم بشكل حادّ ممن يدّعون أنّهم نخبة، ويفجّرون بعض القضايا التي غالباً ما ترتبط بأحداث تاريخية موثقة، حيث يسيرون عكس ما هو معروف وشائع، في محاولة لتزوير الحقائق التاريخية، وتزييف وعي الرأي العام الذي لا يقرأ، مستغلين في ذلك قدراتهم على الحصول على مساحة لنشر أفكارهم المسمومة عبر وسائل الإعلام المختلفة، وبعد تفجير القضية عبر الوسيلة الإعلامية التقليدية صحيفة أو إذاعة أو تلفزيون، تنتقل القضية بسرعة البرق إلى وسائل الإعلام الجديدة المتمثلة في مواقع وشبكات التواصل الاجتماعي التي أصبحت إحدى أهمّ أدوات التلاعب بالعقل الجمعيّ في العصر الحديث.
وعلى الرغم من أنني لم أكن أنوي الدخول في مثل هذه المهاترات والجدل الدائر بين هؤلاء الأشخاص المأجورين والمدفوعين دفعاً لتفجير هذه القضايا وبين بعض المثقفين الوطنيين والقوميين المقاومين الذين تصدّوا لهم لتفنيد ادّعاءاتهم الكاذبة وكشفهم أمام الرأي العام، وكانت وجهة نظري أننا نعطيهم قيمة أكبر مما يستحقون ونزيد من شهرتهم على الرغم من أنهم كائنات لا قيمة لها، وأنّ تجاهلهم هو الأفضل، لكن دُفعت دفعاً من قبل بعض الأصدقاء للردّ على هذه الادّعاءات خاصة أنّ بعضها يمسّ مرحلة من أهمّ مراحل التاريخ العربي الحديث والمعاصر وهي مرحلة الصراع العربي – الصهيوني التي بدأت قبل سبعة عقود ونيّف منذ إعلان دولة الكيان في العام 1948، وذلك في محاولة للنيل من حركة النضال والمقاومة العربية، ضمن حملة التشويه الممنهجة التي تمارس ضدّ كلّ من يقاوم ويقف في وجه العدو الصهيوني.
وبالطبع لم أتناول الموضوع بالطريقة نفسها التي تناولها بعض الزملاء في محاولة لكشف زيف الادّعاءات التي يقدّمها هؤلاء الأشخاص المأجورون، لأنّ ما يطرحونه متهافت من الأصل فلا يمكن لمثلي أن يقف عند الخرافات والخزعبلات التي يطرحها هؤلاء الذين يصفون أنفسهم بالنخبة العربية، لكن ما سأقوم به هو محاولة البرهنة على أنّ ما يقومون به ليس بريئاً على الإطلاق، ولكنها حملات مدفوعة ومأجورة ومتعمّدة ولا تمتّ للرأي والفكر بصلة، وما هؤلاء الأشخاص إلا أدوات تعمل لدى قوى معادية تسعى بكلّ قوة لتشويه وهدم كلّ العلامات المضيئة في تاريخنا وحضارتنا العربية.
فمن المعروف والشائع والذي لم يعُد سراً أنّ هناك قوى محركة ومتحكمة ومسيطرة على وسائل الإعلام. وتتمثل هذه القوى إما في القوى السياسية التي تحكم أيّ مجتمع وغالباً ما تكون سيطرتها على وسائل الإعلام الرسمية التي تخضع لسيطرتها المباشرة، أو القوى الاقتصادية المالكة للوسيلة الإعلامية إذا كانت وسيلة خاصة غير رسمية، فتتحكّم القوى سواء السياسية أو الاقتصادية في كل كلمة سواء مكتوبة أو منطوقة تبث عبر الوسيلة الإعلامية، وفي هذا الإطار لا يمكن أن يسمح لضيف أن يقول كلمة واحدة ضد مصالح القوى المسيطرة على الوسيلة الإعلامية، وإذا حدث ذلك غالباً ما يُعاقب مَن سمح بذلك.
وعبر خبرتي العملية في مجال الإعلام سواء أكنت كاتباً صحافياً أو محللاً سياسياً على المحطات الإذاعية والتلفزيونية فإنّ أيّ صحيفة ترسل لها مقالاً لتنشره لا يمكن أن تقوم بعملية النشر إلا إذا كانت المادة المكتوبة تتفق ومصالح القوى السياسية والاقتصادية المتحكمة في هذه الصحيفة، وكثيراً ما منعت مقالاتي عندما تتعارض مع مصالح هذه القوى. وفي بعض الأحيان تحذف بعض الكلمات والجمل التي قد يرى القائمون على عملية النشر أنّها ضدّ مصالح مشغّليهم، والأمرُ نفسه في ما يتعلق بالمحطات الإذاعية والتلفزيونية فلا يمكن أن تدعوك محطة لتهاجم سياسات القوى المتحكّمة فيها، وإذا حدث ذلك مرة فلن تدعوك المحطة الإذاعية أو التلفزيونية مرة أخرى، ولنا في ذلك مواقف كثيرة، لذلك لا نكتب ولا نظهر إلا عبر المنابر الإعلامية التي تتفق مع مواقفنا الوطنية والقومية، فلا توجد وسيلة إعلامية واحدة غير منحازة للقوى المتحكمة فيها والمسيطرة عليها.
لذلك فالعلاقة بين النخب ووسائل الإعلام علاقة وثيقة، فلا يمكن أن يسمح لأيّ شخص الكتابة أو الظهور على محطة إلا ليقول ما يُرضي القوى المتحكّمة في هذه الوسيلة الإعلامية سواء كانت سياسية أو اقتصادية، وهنا نعود لهذه النخب المزعومة وما يطرحونه من خرافات وخزعبلات عبر وسائل الإعلام التي تسمح لهم بالكتابة أو القول. فالمؤكد أنّ القوى المتحكمة في هذه الوسائل راضية كل الرضا عن ما يقوم به هؤلاء المأجورون.
فما يُطرح من خلال بعض النخب العربية المزعومة عبر مجموعة من البرامج لبعض المحطات العربية الرسمية والخاصة والتي تقدّم على مدار ما يزيد عن عام تغطية للعدوان الصهيوني على غزة وجنوب لبنان وتحاول إدانة حركة النضال والمقاومة العربية تؤكد بما لا يدع مجالاً للشك أنّ المتحكّم في هذه المحطات هو المال الصهيوني سواء كان بشكل مباشر أو عبر وكلائهم في الداخل العربي، ويحاول هؤلاء المأجورون النيل من الرموز المقاومة لصالح المشروع الصهيوني أملاً في الحصول على رضا العدو الصهيوني الذي يتحكم في صناعة القرار داخل الكثير من العواصم العربية.
لذلك لا بدّ أن يعي الرأي العام العربي أنّ النخب المأجورة ووسائل الإعلام التي يظهرون عليها يعملون بشكل منظم للنيل من تاريخنا ورموزنا الوطنية والقومية لصالح المشروع الصهيوني الذي وجد ضالته في هذه الأدوات الخائنة والعميلة، لذلك لا بدّ من كشفهم وفضحهم باعتبارهم نخباً ووسائل إعلام متصهينة، اللهم بلغت اللهم فاشهد.

مقالات ذات صلة

زر الذهاب إلى الأعلى