مقالات وآراء

هدى بكداش العدو… أيقونة التلازم بين الوطنية والعروبة والإنسانية…

 معن بشور

خسرت بيروت وجها نسائياً كريماً جسّدت في حياتها قيَمَ عاصمتنا النبيلة ومبادئها وأخلاقها خير تجسيد.
انها هدى عبد الرحمن بكداش العدو زوجة الرجل البيروتي المحب الصادق والصديق عدنان فتح الله، وابنة الطريق الجديدة، المحلة المجاهدة، وقلعة الوطنية والعروبة والكرامة الإنسانية.
كانت هدى على امتداد عمرها المديد عنواناً للمرأة اللبنانية العروبية الوفية، كأبناء وبنات أمتها، لـ جمال عبد الناصر ولكلّ ثورة عريية بوجه الاستعمار والصهيونية، مدركة انّ كرامة الإنسان لا تنفصل عن كرامة أمته، وحرية المواطن جزء لا يتجزأ من حرية وطنه.
كانت هدى واحدة من مؤسّسي اذاعة «صوت لبنان العربي» التي أطلقتها حركة الناصريين المستقلين (المرابطون) ورئيسها المناضل ابراهيم قليلات، والتي كانت تبث من مسجد جمال عبد الناصر على بعد أمتار من منزلها في محلة أبي شاكر في اواسط السبعينات من القرن الماضي…
من فرط حبها لـ جمال عبد الناصر كنت أمازحها وهي الصديقة العزيزة جداً لزوجتي أم ربيع: هل أطلق والدك النقابي الكبير أبو معروف عليك اسم هدى تيمّناً بـ هدى جمال عبد الناصر فتجيبني ضاحكة: لقد ولدت قبل زواج الزعيم الخالد الذكر الذي اختار اسم هدى، كما فعل والدي، لأنّ في كلمة «هدى» هداية وإيمان وقد جاء ذكرها مراراً في القرآن الكريم…
لم تكن أمّ محيي الدين وفادي وطارق مجرد مناضلة وطنية لبنانية أصيلة، وعروبية ناصرية عريقة فحسب، بل كانت واحدة من أبرز وجوه العمل الاجتماعي والإنساني في العاصمة من خلال إحدى أهمّ جمعيات العمل الاجتماعي والإنساني في بيروت وهي «جمعية العناية بالأمّ والطفل» وعلى رأسها الوجه النسائي اللامع حسانة فتح الله الداعوق (رحمها الله) التي لا ينسى بيروتي أو مقيم دورها في خدمة الإنسان.
كانت أجمل الحكايات عند هدى (رحمها الله) هي تلك التي تعيد تذكيرها بالدور الذي لعبه والدها النقابي الكبير المرحوم عبد الرحمن بكداش العدو مع اخوانه المرحومين عثمان المعبي ومنير فتحة ويوسف دوغان (دون أن ننسى رفيق عمرهم قائد شرطة بيروت أبو وليد قليلات «المتواطئ» معهم) في أسواق بيروت الشعبية منذ ثلاثينيات القرن الماضي التي طالما انطلقت منها تظاهرات وإضرابات قاومت الانتداب الفرنسي وأسقطت حكومات ورؤساء كما كان الحال يوم الثورة البيضاء عام 1952 التي أدّت الى تنحّي الرئيس بشارة الخوري…
وما زلت أذكر يوم كرّمنا في دار الندوة أبا معروف في آذار 1989 كيف انّ الدموع لم تفارق عيون الغالية هدى وهي تستمع الى كلمات نخبة من أهل العاصمة يتحدثون عن تاريخ والدها الثمانيني المتميّز وأبرزهم رئيس دار الندوة آنذاك، كبيرنا الأستاذ منح الصلح (رحمه الله) ونائبه يومها الأستاذ بشارة مرهج (اطال الله عمره).
يومها قالت لي هدى كيف لا تنهمر الدموع من عيني ولقد عشت تلك الأيام المجيدة يوماً بيوم…بل كيف لا تنهمر وانا أرى لبنان يعيش هذه الحرب المدمرة التي جرفت في ما جرفت تلك الأسواق التي كان يلتقي في ربوعها أبناء بيروت، كل بيروت، وعناوين وحدتها.
رحمك الله اختي العزيزة هدى، وعظم الله أجر أولادك وأشقائك وشقيقاتك وكلّ أهلك وأحبائك الكثر، وحمى الله بيروت وكلّ لبنان من الغدر والعدوان…

مقالات ذات صلة

زر الذهاب إلى الأعلى