نقاط على الحروف

هل نقترب من وقف إطلاق النار؟

‭‬ ناصر قنديل

 

– تزاحمت التقارير الإخبارية والتصريحات التي تتحدث عن تفاؤل بقرب التوصل الى اتفاق لوقف إطلاق النار على جبهات الحرب بين المقاومة في لبنان وجيش الاحتلال، وجاء كلام رئيس حكومة تصريف الأعمال نجيب ميقاتي عن احتمال الإعلان عن وقف النار خلال ساعات ليصبّ الماء في طاحونة موجة التفاؤل، والناس التي تعاني من الحرب ومن النزوح والتي تتلقى النيران بصدورها وأجساد أحبائها، من حقها أن تتلهّف لمثل هذه الأنباء إن كانت تعبيراً صحيحاً عن الوضع، وتفاؤلاً صادقاً مبنياً على وقائع، فهل هي كذلك؟
– المصدر الرئيسي للكلام عن التفاؤل هو وسائل إعلام الكيان، التي تقول إن رئيس حكومة الكيان بنيامين نتنياهو أبدى إيجابية تجاه البحث بإنهاء الحرب في لبنان وغزة، لأنه يعتقد أن العمليات الحربية حققت الكثير ويمكن الاكتفاء بهذه الإنجازات، ولدى التدقيق في ما تحمله التقارير نجد حديثاً عن شروط تتصل بتعديل القرار 1701 من دون ذكر ذلك صراحة، لأن الشروط المطروحة بصورة جلية واضحة تأتي من خارج القرار 1701، بل ضده وبعكس ما نصّ عليه، ولو تمّ تمريرها تحت شعار تطبيق القرار 1701، ولا توجد في لبنان قيادة سياسية ولا حكومة تستطيع الموافقة عليها.
– يريد نتنياهو تطبيق القرار 1701 بصفته قراراً بإخراج حزب الله وسلاحه من الجنوب، مقابل وقف الحرب، وامتلاك جيش الاحتلال صلاحيّة العودة إلى الحرب برضى الدولة اللبنانية وتفويض المجتمع الدولي إذا لم يتحقق ذلك، وهو الجهة التي تفحص تحقيق ذلك من عدم تحقيقه، وبمعزل عن الروح الوطنية التي يفترض أن تدفعنا للقول بأن ذلك كله مرفوض، سنذهب بعقل بارد لمقارنة الطلبات التي يطرحها قادة الكيان مع القرار 1701.
– ينص القرار 1701 على مرحلتين، الأولى هي وقف الأعمال العدائيّة، وبعد أن يقوم الطرفان اللبناني والإسرائيلي بتنفيذ موجباتهما المنصوص عليها في مرحلة وقف الأعمال العدائيّة تتوافر فرص الانتقال الى مرحلة وقف إطلاق النار النهائي أي الهدنة الثابتة. والأعمال العدائيّة من الطرف اللبناني هي إطلاق الرصاص والصواريخ، لكنها من طرف الكيان تتضمن انسحابه من الأراضي التي احتلها خصوصاً خلال حرب تموز 2006 وفي طليعتها الجزء اللبناني من بلدة الغجر، وهذا لم يحدث طيلة 18 عاماً مضت على صدور القرار، ومثلها الانتهاكات اليوميّة للأجواء والمياه اللبنانية، والقبول بحل يقدّمه الأمين العام للأمم المتحدة للنزاع حول مزارع شبعا، وقد قدّم الأمين العام السابق بان كي مون هذا الحل ورفضه الاحتلال، وعندما ينجز الاحتلال موجباته بوقف الأعمال العدائية يستحق الانتقال إلى وقف إطلاق النار النهائي. وفي لبنان كان الاستعداد قائماً لفتح النقاش حول الاستراتيجية الدفاعية وسلاح المقاومة، على الأقل جنوب الليطاني، عندما تتم استعادة الأراضي المحتلة، ووقف انتهاكات الأجواء والمياه الإقليمية، وهل يمكن لأحد توقع أن تطلب الحكومة من حزب الله إخلاء جنوب الليطاني من السلاح والاحتلال باقٍ في أرض لبنانية محتلة وينتهك الأجواء والمياه؟
– الذي يعرضه الاحتلال على لبنان هو شرعنة أعماله العدائية التي لم تتوقف خلال 18 عاماً من التزام لبنان بالقرار 1701، وبدلاً من وقفها تصبح أعمالاً شرعية، ويصبح جعل منطقة جنوب الليطاني منزوعة السلاح لضمان أمنه كقوة احتلال وتحويل جنوب الليطاني عملياً إلى حزام أمني جديد، يدخل اليه ويخرج منه متى يشاء، ثم يبني فيه ميليشيات مساندة ويستعيد فيه حكومة ظل مسلحة من العملاء، كما كان حال الشريط الحدودي المحتل، فهل يتوقع أن يقبل لبناني بذلك؟
– وقف إطلاق النار دون اتفاق على ما يليه والاكتفاء بالإعلان عن اعتبار القرار 1701 أساساً لتنظيم التفاوض حول ما بعد وقف النار، أمر مقبول لبنانياً، لكن هل يقبل به الاحتلال، وهو رغم كل ما يلحق به في عملياته البرية من خسائر لم يصل بعد إلى التسليم بالفشل، وعندما يصل الى ذلك يعلم أن نهاية الطريق هي انسحاب من الأراضي اللبنانية المحتلة وإيقاف انتهاك الأجواء والمياه اللبنانية قبل البحث بجعل جنوب الليطاني منطقة خالية من السلاح ما عدا الجيش اللبناني واليونيفيل كقوتين حصريتين للإشراف على تطبيق القرار 1701، بينما يطلب الاحتلال تفويضه الإشراف على تطبيق القرار 1701 كما يعيد صياغته، لأنه يطلب حق القيام بالتدخل لنزع السلاح إذا لم يفعل الجيش واليونيفيل ذلك، وهو من سوف يقرر طبعاً إذا فعلا ذلك أم لا؟
– أما وقف إطلاق نار للعودة الى الحرب لاحقاً، كما يظن البعض، فهو غير وارد ولو جرى تسويقه على أنه طلب أميركي انتخابي، فهل يعود المهجرون بوقف إطلاق نار مؤقت قابل للانفجار بعد شهرين؟ وهل يسحب قواته من نقاط كلفته خسائر بشرية جسيمة ولو على القشرة الحدودية، ليعود ويدفع ثمن احتلالها مجدداً؟ وهل لديه قدرة تحمل المزيد، أم أن المقاومة تقبل ببقاء قواته داخل الحدود تحت شعار وقف إطلاق النار؟
– مبكر جداً الحديث عن التفاؤل، وقد علمتنا تجربة غزة أن الترويج للتفاؤل يبطن غالباً التمهيد لإعلان الفشل في المفاوضات وتحميل المقاومة مسؤولية ذلك.

مقالات ذات صلة

زر الذهاب إلى الأعلى