صور وبعلبك… حكاية تاريخ ممهور بالعز
} عبير حمدان
ماذا أكتب عن صور الجميلة والعصية وكيف يمكن للأبــجدية ان تبلغ مرتبة الغضب لا الانكسار، فـ مُدننا لا تنكسر وهي أكبر من كيان همجي هجين قاتل وسافل لا يعرف سوى البشاعة والحقد… وماذا أكتب عن شمعة تضيء صيف أدراج بعلبك وتسمو كغيمة مشبعة بثلوج مقبلة لتمسح عن أنفاس المكان غبار الوحشية…
ماذا أكتب عن بحر صور الذي يعرف أن يثور مبتلعاً قنابلهم الغبية، أجل هي غبية وسترتدّ عليهم لتحيلهم رمادا…
ماذا أكتب عن تراب الجنوب الذي يبعث إلى بعلبك التحية سائلاً عن قراها وناسها وأطفالها وخيرة شبابها وهم يعبرون المدى الى مشارف الجنان، وهم يتصدّون للعدوان باللحم الحي والصبر الأسطوري…
بين صور وبعلبك حكاية تاريخ ممهور بالعز وحضارة يخشاها المحتلّ، من بين الدمار ترفع «أليسار» علامة الانتصار وتعلي أعمدة بعلبك شمسها رغماً عن كيد المعتدي.
لنا في مُدننا ذكريات لا تزول وأهازيج فرح وأيام وليالٍ وتفاصيل لا تموت… ولنا وقفات العز وأعياد تحرير وحزن مؤجل، لنا بساتين الزيتون وكروم التين وعمرنا المجبول بالأمسيات المقمرة.. لنا في صور رمال كالتبر وزبد لا يتبدّد، ولنا في بعلبك صهيل الخيول وصوت الزمن الأصيل وسنابل السهل الواسع ومعابد قلعة تتسع للكون كله…
لن تكسرنا آلة الموت فنحن قوم لا نلين وكلّما سالت دماؤنا ترسّخ فينا اليقين، نحن أهل البقاع يكلّلنا زعتر الجنوب بالثبات، ونحن أهل الجنوب نرتل على جبال صنين الآيات…
بالأمس سمعنا أصوات الانفجارات في قلوبنا وكأنّ الأبنية والشوارع في صور تسكننا، وتلقفنا الصواريخ المتساقطة على قرى البقاع في عيوننا وكأننا نسعى لاحتضان خيرة شبابنا ملء الجفون كي لا يحاصرهم الركام.
بالأمس فاح المسك من قرانا وبقيَت لنا القصص التي سنذكرها للأجيال القادمة عن بقاعنا الذي تصدّر المواجهة وليس غريباً على من يختزن في نبضه المقاومة أن يتصدّى ليصون الهوية والوطن.
هذا العدو حتماً إلى زوال مهما عربدَ وتجبّر لن يقوى على إلغاء وجودنا، ففي بلادنا الأمكنة لها أرواح وقادرة على الكلام، كل حجر وكلّ زهرة وكلّ حقل ورصيف وزاروب يروي كيف دحرنا المحتلّ وأتباعه ذات أيار وكيف أحرقناه ذات تموز وسنردّه إلى أسفل السافلين الآن وليس غداً…
بالأمس عبرت «أليسار» البحر نحو سهل البقاع لتلاقي أسوده الأشداء كمن يسرج خيل الجنوب نحو كربلاء، ويعود منتصراً…