الغرق في التفاؤل والأحلام ليس واقعياً…
} علي بدر الدين
من حق اللبنانيين والنازحين منهم أن يتفاءلوا ويأملوا ويحلموا، بأنّ وقف الحرب الإسرائيلية المتوحّشة على وطنهم بات قريباً، ووقف إطلاق النار يتم التحضير له على نار حامية (إمّا لكي ينضج بسرعة أو ليحترق)، وأنّ الهدنة أصبحت «قاب قوسين…» والعودة إلى الديار لن تتأخر.
الإفراط في التفاؤل والمبالغة في الأحلام والآمال المتوقعة، خاطئة وفي غير محلّها وتعني غرقاً في المجهول والإستعجال في حسم الأمور قبل أن يتبيّن الخيط الأبيض من الخيط الأسود، ومن دون بروز معطيات ومؤشرات ميدانية توحي بأنّ هذه الحرب ستنتهي فعلاً ولبنان مقبل على الهدوء والاستقرار و»السلام».
لغاية الآن فإنّ ما يطفو على السطح من حراك سياسي وديبلوماسي وتحديداً أميركي وبدرجة أقلّ فرنسي غربي وعربي، وما يتمّ تسريبه من مقترحات ووثائق عن قصد وسابق قرار وإصرار، الهدف منها شراء الوقت وتضييع البوصلة وتشويه الحقيقة والحقائق حول ما يجري في الخفاء والكواليس وتحت الطاولة بين الذين بيدهم الأمر والحلّ وليس بالضرورة أن يكون فعلياً وجدّياً وواقعياً، ولنا في مثال غزة دليل على عقم الطروحات والمقترحات والحلول وحجم النفاق «وليس كلّ ما يُعرَف يُقال»، و «من جرّب المجرَّب كان عقله مخرَّب».
فهل يمكن بعد التجارب تصديق الإدارة الأميركية والدول الأوروبية والعدو الصهيوني بأنهم فعلاً يرغبون ويريدون وقف الحرب «الإسرائيلية» على لبنان أو يسعون إلى السلام؟ الجواب البديهي، أنهم يريدون استسلاماً مشروطاً.
المهمّ ألاّ يكون الأمل والتفاؤل مبنيان على الوهم والسراب، وعلى اللبنانيين من المقيمين والنازحين التسلُّح بالوعي والحذر والواقعية، والتروي بإصدار أحكامهم على الشكل والظاهر والمواقف المسرّبة من فعل فاعل، والحرص واجب من المستعجلين العودة (ونحن منهم) حتى لا يزيد الإحباط ويُعمَّم اليأس ويصعّب البعض على أنفسهم «حياتهم» المتبقية في كوكب النزوح، ولا بدّ من التمثّل بالقول المأثور «ما تقول فول حتى يصير بالمكيول» وحتى يتيقَّن الجميع من نتائج الحراك الديبلوماسي»الهوكشتايني» وما سيحمله معه من زيارته للكيان الغاصب. وعندها يُمكن» أن يُبنى على الشيء المقتضى».
اعتقادي أنه لن يكون مشجعاً، خاصة أنّ الجميع ينتظر نتائج الانتخابات الرئاسية الأميركية بعد أيام قليلة. والتلاعب بالمنطقة ومصيرها حتى تسلُّم الرئيس الأميركي الجديد (ديمقراطي أو جمهوري) مهامه في كانون الثاني 2025.
إنّ الدعوة إلى الحذر والواقعية في مقاربة ما حصل ويحصل وما هو متوقّع علّه يُترجم رغبات النازحين بشكل خاص بالعودة القريبة إلى قراهم وبيوتهم، وهذا لا يعني على الإطلاق سحب بساط التفاؤل وهدم الأحلام التي تمّ بناؤها ربما من العدم (من لا شيء) بل هو من باب «التحوّط»، لأنه علينا أولاً انتظار الانتخابات الرئاسية الأميركية لأنّ مفتاح الهدنة ووقف إطلاق النار هو بيد أميركا.
أحلام الراعي…
وبما «أنّ الشيء بالشيء يُذكر» تذكرت قصة «الراعي وجرّة السمن» التي تقول:
«كان لراعٍ سَمْن وافِر جمعه في جرّة معلّقة في كوخه، وبينما كان جالساً في كوخه عند غروب الشمس مُتّكِئاً على عصاه أخذ يفكِّر بما يعمله إذا ما جمع الكثير من السمن؟
قال في نفسه: سأذهب به غداً الى السوق وأبيعه وأشتري بثمنه
نعجةً حاملاً، فتضع لي نعجة أخرى، ثم تكبر وتلد لي مع أمّها نعاجاً أخرى وهكذا… إلى أن يصبح عندي قطيع كبير، ثم أتخذ أيّ أجِيرٍ يرعى غنمي وأبني قصراً عظيماً، ومتى كبر ولدي أحضر له معلماً يعلِّمه القراءة والكتابة، وآمره بطاعتي واحترامي فإنْ لم يفعل ضربته بهذه العصا، ثم رفع يده بعصاه فأصابت جرّة السمن فكسرتها وسقط السمن على رأسه وثيابه وطار التخطيط وضاعت الأحلام سُدى، فحزن لذلك حزناً عظيماً، وقال: هذا جزاء من يصغي الى تخيّلاته».
ونخشى أن نصغي إلى أميركا والكيان الصهيوني فنُصاب باليأس والإحباط والإنكسار…