لا اتفاق لوقف النار بشروط نتنياهو… والكلمة للميدان
} حسن حردان
تلاشت سريعاً الأجواء الخادعة عن صيغة اتفاق لوقف النار تقوم على تنفيذ القرار 1701 وانتشار الجيش اللبناني جنوب الليطاني.. وأعلن رئيس وزراء العدو بشكل صريح ان لا وقف للنار قبل تحقيق الأهداف الإسرائيلية، مكرّراً طموحاته لتغيير الشرق الأوسط.. وهو ما يتعارض مع وجهة نظر المستوى العسكري الذي يستعجل استثمار الإنجازات العسكرية بتسوية سياسية، قبل تلاشيها، لأنّ الجيش حققه أقصى ما يمكن تحقيقه.. لكن المقاومة كان لها كلام آخر، وحاسم إزاء مثل هذه الطروحات والأهداف «الإسرائيلية» التي واكبت زيارة المبعوث الأمريكي عاموس هوكشتاين، وهو كلام يشدّد على رفض التفاوض تحت النار، وانّ المقاومة تُصرّ على وقف النار أولاً، وبعد ذلك يجرى النقاش للتوصل إلى تسوية او تهدئة، وأن المقاومة ليست مستعدة لقبول وقف النار بالشروط الإسرائيلية الأميركية التي تعني تشريع استمرار الاحتلال والعدوان وفرض الاستسلام على لبنان.. لا سيما أنّ لبنان المقاوم ليس في موقع المهزوم، والعدو الصهيوني ليس في موقع المنتصر، وما يحصل في الميدان يؤكد هذه الخلاصة، خصوصاً أنّ المقاومة نجحت في تجاوز آثار الضربات الأمنية التي وُجهت لها، وبدّدت الإنجازات التكتيكية التي حققها العدو من خلال تفجيرات أجهزة الاتصال، والاغتيالات، وتمكّنت من صدّ العدوان وإعادة تفعيل معادلاتها الردعية، ومنع جيش الاحتلال من تحقيق أهداف عدوانه البري، وجعل جبهة العدو الداخلية ساحة لاستهداف يومي بصواريخ ومُسيّرات المقاومة.. بما أثبت قدرة المقاومة على فرض نوع من توازن الردع والاستنزاف المتبادل الأمر الذي بدأ يربك كيان العدو، ويفرض عليه شيئاً فشيئاً وضعاً ضاغطاً يفتقد فيه للأمن والاستقرار، مقابل افتقاد لبنان للأمن والاستقرار، وتعطل اقتصاد العدو بنسبة كبيرة غير مسبوقة، إلى جانب الخسائر العسكرية والبشرية الكبيرة…
ولهذا فإنّ المقاومة نجحت في نقل المعركة إلى مرحلة جديدة من خلال فرض معادلة الاستنزاف المتبادل، بحيث بات كيان العدو يألم كما نألم، مع فارق الحجم الكبير للاقتصاد الإسرائيلي الذي يفوق عشرات المرات حجم الاقتصاد اللبناني الذي يعاني أصلا من أزمات كبيرة، لعب الحصار الأميركي دوراً أساسياً في مفاقمتها وتفجيرها…
في هذه معركة من «عض الاصابع»، ليس أمام المقاومة واللبنانيين من خيار سوى المقاومة والصمود والتحمّل، لأنّ البديل هو الاستسلام والقبول بالوصاية الإسرائيلية على لبنان، وضياع كلّ التضحيات والإنجازات التي حققتها المقاومة على مدى أكثر من أربعة عقود…
والتجربة مع كلّ الاعتداءات والحروب الصهيونية أكدت انّ المقاومة كانت دائما تحقق الانتصارات والعدو يهزم ويتراجع، أما لمن يتحدث عن الأثمان التي يدفعها لبنان واللبنانيون، نقول له، انّ كلفة الاستسلام أكبر بكثير من كلفة المقاومة والصمود، وانّ العدو يراهن أصلاً على تحقيق أهدافه من خلال المجازر والتدمير، في محاولة لتأليب اللبنانيين ضدّ مقاومتهم، وبالتالي تحقيق ما يعجز عن تحقيقه في الميدان، حيث يواجه مقاومة صلبة وشرسة، ويتمتع مقاوموها بالبأس والقدرة والكفاءة على إحباط أهداف جيش الاحتلال، والقدرة على إلحاق الهزيمة به مجدداً.. على أن ما يرد من أخبار عن المواجهات الضارية في أطراف بلدة الخيام، بعد فشل العدو في تحقيق مراده في محاور القتال الأخرى في القرى الأمامية، على مدى أكثر من شهر، والخسائر الفادحة التي يتكبّدها جنود الاحتلال، تؤكد أنّ العدو دخل في مأزق كبير، وأنه حتى ولو حقق تقدماً وتوغلَ بضعة كيلومترات داخل مناطق الجنوب كما حصل في عدوان تموز 2006، سيكون أمام مصيَدة أكبر أعدّها له المقاومون في خطوط دفاعاتهم الثانية، التي أعدّت جيداً لأجل تدمير وإحراق دبابات الاحتلال، وقتل أكبر عدد من جنوده.. كما وعدهم سيد المقاومة وقائدها ورمزها سماحة السيد حسن نصر الله قبل استشهاده…
انطلاقاً مما تقدّم يمكن القول إنّ مهمة هوكشتاين أخفقت، لأنّ نتنياهو أفشلها ما دفعَ بالمبعوث الأميركي إلى إلغاء زيارته إلى بيروت والعودة إلى واشنطن. في حين لا يزال نتنياهو ينتظر انتهاء استحقاق الانتخابات الأميركية، ويعيش نشوة انتصار تخالف واقع الميدان، ويريد مفاوضات تحت النار.. ولذلك جواب المقاومة كان بتصعيد ضرباتها الصاروخية على مدن ومستعمرات الاحتلال.. وإيصال رسالة قوة للعدو، بأنّ ما لا تستطيع تحقيقه في الميدان لن تحصل عليه بالسياسة، ما يعني انّ الكلمة ستبقى للميدان إلى أن يصل كيان العدو إلى طريق مسدود في رهاناته على تحقيق أهدافه، ويدفع المزيد من الأثمان الباهظة، التي لا قدرة له على الاستمرار في تحمّلها…