نحترف الصبر إيماناً بالمقاومة
عبير حمدان
ترى هل سيعذرني تراب القرى في بقاعنا، وهل ستغفر لي شتلات الحبق وأشجار المشمش والتين والصنوبر، وهل ستقبل أزهار الحديقة في بيتنا أن أرويها حين أعود إليها بعد حين؟؟
ترى هل يحق لي أن أكتب عن الأمكنة والرفاق وطيف الراحلين الذي تركتهم ومضيت بحثاً عن الأمان المؤقت… وهل ما ظننته أماناً يكفي كي لا يتمزق النبض ويشتعل القلب على جميع من نحبّهم…؟
كيف يمكن للنازح أن يضمّ عمره قبل الحرب في حقيبة، كيف يمكن أن يمرّ الوقت ونحن متعلّقون بهاتف ذكي ومجموعات إخبارية ترصد الغارات المجرمة التي يتقصّد فيها العدو أن يدمّر كلّ ما هو جميل على مرأى من عالم أصمّ يتعامى عن كلّ هذا الموت المتنقل بين البيوت الآمنة خاطفاً فرح الأطفال وكتبهم المدرسية ومحيلاً حتى صوَرهم الى رماد… وكيف نجد سبيلاً للتكيّف مع جرحنا الذي يمتدّ من ضاحية الروح إلى بعلبك مترقباً ملاحم الحدود من عيتا إلى الخيام…
النزوح لا يمكن أن يكون حالة نتعايش معها ببساطة، ففي كلّ خبر يصلنا قهر مكتوم، وثقل الأيام يراكم ساعات الترقب بحثاً عن الوجوه التي نشتاقها.. قد نحترف الصبر انطلاقاً من إيماننا بالمقاومة نهجاً وفكرة وواقع، ولن نحيد عن هذا الإيمان مطلقاً، ولكن يبقى القلب مثقلاً بالوجع المرّ حيث يتردّد صدى سؤالنا لأنفسنا هل أخطأنا حين ابتعدنا عن بيوتنا وأهلنا وأحبّتنا، وهل سنقوى على تحمّل ذنبنا هذا بعد انقشاع غبار الحرب…