إيران تنتزع الردع الإقليمي
ناصر قنديل
تتخذ المواقف المعلنة لقادة الجمهورية الإسلامية في إيران معاني مختلفة منذ اغتيال الأمين العام لحزب الله السيد حسن نصرالله، والخطاب التاريخي لمرشد الجمهورية والقائد الأعلى للقوات المسلحة الإيرانية الإمام السيد علي الخامنئي، عن تحمل إيران للمسؤوليات التي يلقيها على عاتقها هذا الاغتيال. فقد تلقت إيران الرسالة بأن المشروع الأميركي الإسرائيلي انتقل إلى الهجوم الاستراتيجي من بوابة اغتيال السيد نصرالله كمدخل لإسقاط تجربة المقاومة اللبنانية التي يمثلها حزب الله، والتي تمثل فائض قوة محور المقاومة ورأس حربته ويشكل شخص السيد نصرالله بشعبيته الواسعة عربياً وعالمياً قيمة المحور المضافة كقوة صناعة للسياسة، وما يعنيه ترك واشنطن وتل أبيب تفوزان بهذا الرهان من تغيير جيو استراتيجي في المنطقة لا بدّ من أن ينعكس تحجيماً في مكانة إيران الإقليمية والدولية.
لم تتأخر إيران عن إدراك أن المعركة على الردع الإقليمي صارت هي القضية، وأن استهداف إيران والرهان على تجنبها الانخراط في مواجهة مباشرة مع الكيان ومن خلفه أميركا، سوف يعني إخلاء ساحة الردع الإقليمي للكيان، والتسليم بالخروج من هذه المعادلة، ولذلك جاء الرد الإيراني على اغتيال القائد الفلسطيني المقاوم إسماعيل هنية في طهران، الذي تعرض للتأجيل تحت شعار إفساح مجال المساعي للتوصل لاتفاق ينهي الحرب في غزة. بعد اغتيال السيد نصرالله مثلث الأهداف، رداً على اغتيال هنية وردعاً بعد اغتيال السيد نصرالله، وتأكيداً على أن إيران لا تخشى المواجهة المباشرة، سواء مع الكيان أو مع أميركا، وأنها وهي لا تسعى للحرب فإنها مستعدة لخوضها ولا تخشاها، ولن تتراجع عن مكانتها الإقليمية القيادية تفادياً لهذه الحرب، وجاء الرد المثلث حاسماً وقوياً وواضحاً، كماً ونوعاً، شكلاً ومضموناً.
تستعدّ إيران لردّ جديد على عدوان جديد، رفض الخامنئي تهوين أهميته أسوة برفضه تعظيمها، وحدّد مهمته بإيصال رسالة القوة التي تمثلها إيران، والتي يبدو أن الوعد الصادق الثاني لم يوصلها كما يجب. وتحدّث قائد الحرس الثوري الجنرال حسين سلامي أمس، فقال إن الردّ الآتي يفوق تصوّرات قادة الكيان، وكل شيء بات محسوماً في إيران بأن الردّ مقبل لا محالة، وأنّه رد أقوى مما يتخيّل الإسرائيليون وما يرغب به الأميركيون، وسوف تقول إيران عبره أنها قوية ومقتدرة، ولا يمكن ليّ ذراعها، وأنها في الإقليم القوة الأولى، مهما حاول الكيان ودعمت أميركا محاولاته، للقول إنه صاحب اليد العليا والطولى في الإقليم. وسوف تقول إيران عملياً ذلك بردها المقبل حكماً.
بالأمس حوار هام لقناة الميادين مع رئيس المجلس الاستراتيجي للسياسات الخارجية في إيران كمال خرازي، الذي يتولى مهمة مستشار الإمام الخامنئي للشؤون الاستراتيجية أيضاً، فقال خلاله كلاماً شديد الأهمية، حيث أكد أن «تغيير العقيدة النووية ما زال مطروحاً في حال تعرّضت إيران لتهديد وجوديّ»، وقال: «نحن الآن نملك القدرات الفنية اللازمة لإنتاج السلاح النووي وفتوى قائد الثورة السيد علي خامنئي هي فقط ما يمنع ذلك». وشدّد على أن «قدراتنا الصاروخية اتضحت للجميع والكل يؤمن بها وقد أثبتنا ذلك خلال عملياتنا»، موضحاً أن «الموضوع المطروح حالياً هو مديات تلك الصواريخ التي نلاحظ حتى اليوم هواجس الدول الغربية بشأنها». وأضاف خرازي «عندما لا تلاحظ الدول الغربية هواجسنا في ما يتعلق بسيادة إيران ووحدة أراضيها لا داعي لنأخذ بهواجسهم»، معلناً أنه «من المحتمل أن تتم تنمية مديات الصواريخ الإيرانية وزيادتها».
كلام خرازي يوضح بما لا يقبل الجدال أن إيران تخوض معركتها الكبرى لحسم الردع الإقليمي وقد أقامت حساباتها جيداً، وما لم تقم واشنطن وتل أبيب حساباتهما على أساس ما قد تفعله إيران، وتتراجعان أمامها، فالحرب الكبرى مقبلة.