الحرب والاقتصاد والثقة الراسخة بالوعد الصادق…
أحمد بهجة
لا يمكن منذ اليوم تقدير حجم الخسائر التي يتكبّدها الاقتصاد اللبناني نتيجة العدوان «الإسرائيلي»، هناك أرقام متداولة تتحدث عن خسائر بقيمة 4 أو 5 مليارات دولار، لكن الأرجح أنّ هذه الأرقام غير دقيقة، أولاً لأنّ الحرب العدوانية على لبنان لم تنتهِ بعد، بل يستمرّ العدو في القتل والإجرام والتدمير والتخريب سواء للبيوت والأبنية في القرى والبلدات والمدن في الجنوب والبقاع والضاحية أو للبنى التحتية والمزروعات والأشجار المثمرة، وهذا لا يمكن إحصاؤه وتقديره بشكل شامل إلا بعد وقف إطلاق النار.
وبالتأكيد يشكل قطع الطرقات والمعابر الحدودية بين لبنان وسورية ضرراً كبيراً على البلدين من كلّ النواحي، وبشكل خاص على المستوى الاقتصادي، وأيضاً على صعيد عبور الأفراد والسيارات والشاحنات والسلع المختلفة، وعرقلة الحركة التجارية والسياحية.
كذلك هناك تأثير كبير لإقفال المعابر على موضوع النازحين السوريين الموجودين في لبنان، حيث عاد منهم نحو 400 ألف منذ عام إلى اليوم تقريباً بسبب تراجع النشاط الاقتصادي في لبنان، وغالبيتهم خلال الشهر الفائت بعد تصاعد المواجهة والحرب العدوانية الصهيونية على لبنان. وربما يكون أحد أهداف إقفال المعابر هو وقف عودة النازحين السوريين إلى بلدهم، وأيضاً عرقلة انتقال المزيد من اللبنانيين إلى سورية بفعل تعرّض بلداتهم للعدوان الصهيوني.
لا شكّ أنّ تداعيات النزوح كبيرة جداً، سواء على النازحين أنفسهم أو على المجتمعات المضيفة، لكن الملاحظ أنّ المشكلة الكبيرة حصلت في الأيام الأولى نظراً لكثافة عدد النازحين في الوقت نفسه، ونذكر جميعاً كيف أنّ الناس بقيت لساعات طويلة في السيارات على الطريق من الجنوب باتجاه بيروت، ومع مرور الأيام تمّ استيعاب الأمور إلى حدّ كبير، نتيجة عوامل عديدة منها هذا الالتفاف الوطني الملحوظ واحتضان النازحين في مختلف المناطق اللبنانية، ومنها أيضاً أنّ الجهات المعنية في حزب الله استعادت تماسكها ونشاطها، خاصة أنها تعرّضت لضربة كبيرة مع تفجير أجهزة الـ «بايجر» واللاسلكي وخروج نحو 4000 شخص من الخدمة، وهؤلاء هم الذين كان يُعوّل عليهم في تلبية حاجات النازحين الأساسية.
لكننا اليوم… ورغم الحاجات الكبيرة، نلاحظ أنّ الوضع أفضل بكثير على صعيد توفير الأساسيات، من مواد غذائية وألبسة، وأيضاً هناك تحضيرات جدية لمواجهة موسم الشتاء والبرد.
ومن الناحية الاقتصادية هناك انعكاسات كبيرة لموضوع النازحين الذين تعطلت أعمالهم وأشغالهم ومصالحهم، خاصة لجهة وقف النشاط الاقتصادي الزراعي والتجاري والصناعي في المناطق التي تتعرّض للعدوان،
أما ما يُحكى عن مؤتمر باريس فهو أنتج وعوداً بمساعدة لبنان بنحو 800 مليون دولار كمساعدات إنسانية، إضافة إلى نحو 200 مليون دولار لدعم الجيش اللبناني لوجيستياً، لكن السؤال الأبرز هو هل ستصل هذه المساعدات إلى لبنان فعلاً أم انها ستبقى حبراً على ورق كما جرت العادة في مؤتمرات سابقة كان آخرها مؤتمر سيدر الذي عُقد في باريس أيضاً عام 2017، أي في مطلع عهد الرئيس ميشال عون، وأقرّ مساعدات ومشاريع كبيرة جداً وصلت قيمتها إلى نحو 11 مليار دولار، لكن لم يُنفذ أيّ شيء من تلك الوعود، خاصة أنّ السياسة في المنطقة انفلبت رأساً على عقب، وكانت مرحلة ما بعد احتجاز الرئيس سعد الحريري في السعودية في تشرين الثاني 2017 مغايرة كلياً لما سبقها من تعاون وانسجام بين الرئيسين عون والحريري.
اليوم نحن في مرحلة مختلفة، حيث نواجه عدواناً صهيونياً كبيراً يقتل البشر ويُدمّر الحجر، وينتهك كلّ القوانين والأعراف والمواثيق الدولية، فيما معظم دول العالم لا يبالون بما يحصل، وإذا كانت فرنسا تبدي بعض الحرص على لبنان لأنها تسعى للحفاظ على ما تبقّى لها من دور تاريخي في لبنان، إلا أنها تؤيد ما يفعله العدو الإسرائيلي خاصة أننا رأينا الرئيس الفرنسي إيمانويل ماكرون يزور كيان العدو بعد عملية 7 أكتوبر 2023 في غزة، ويتخذ مواقف مؤيدة لـ «إسرائيل» ربما أكثر من الاولايات المتحدة نفسها.
وعلى رغم الإمكانيات شبه المعدومة للدولة اللبنانية، نظراً للأوضاع الاقتصادية والمالية المعروفة والأزمة الخانقة التي يعيشها لبنان منذ العام 2019، إلا أنّ الحكومة اللبنانية تحاول وتسعى بكلّ جهودها لمساعدة الناس قدر الإمكان على تجاوز هذه المرحلة الصعبة جداً، وفي هذا السياق يجدر التنويه بعمل لجنة الطوارئ رغم أنه محدود النتائج نسبة للإمكانيات المتوفرة، لكن على قول المثل «البحصة تسند خابية».
ويبقى التعويل على المجتمع الأهلي ومؤسسات القطاع الخاص التي تقوم بمبادرات كثيرة لمساعدة النازحين خاصة واللبنانيين عامة في أمور كثيرة، لا سيما لمواجهة موسم الشتاء والبرد الآتي قريباً جداً…
أما متطلبات إعادة الإعمار فهي ستكون كبيرة جداً، خاصة أنّ حجم الدمار والتخريب هائل وطال مئات المباني والمنازل في الضاحية والجنوب والبقاع وبعض الجبل والشمال. ومن المبكر تقدير الكلفة التي ستكون عالية بالطبع، وذلك لأنّ العدوان لا يزال مستمراً ولم يظهر بعد أنّ التفاوض نتائجه قريبة.
وليس هناك حتى الآن أيّ وعود بمساعدات إلا من الدولة الإيرانية التي تعهّدت على لسان المرشد الأعلى السيد علي خامنئي بالوقوف إلى جانب لبنان واللبنانيين في إعادة بناء وإعمار ما خرّبه العدوان الصهيوني، وهذا ما كان وعد به شهيدنا الأغلى والأقدس سماحة السيد حسن نصرالله، ولذلك فإنّ الثقة راسخة لدى الجميع بأنّ ما تهدّم سيعود أفضل مما كان، لأنّ الوعد صادق دائماً…