قسماً بالنازلات الماحقات… وعقدنا العزم أن تحيا الجزائر
محمد صادق الحسيني
يوم أمس، كانت الذكرى السنوية لانطلاق الثورة المسلّحة ضدّ المستعمر الفرنسي البشع في الجزائر، جزائر العروبة وفلسطين والإسلام الثوري الأصيل، من عبد الحميد بن باديس مروراً بـ بن بللا وبومدين وصولاً إلى قادة الجزائر الحاليين…
هو عيد كلّ الجزائريّين يحتفلون به وكأنه عيد ثانٍ لاستقلال الجزائر بعد تحرّرها من الاستعمار الفرنسي الذي دام أكثر من ثلاثة عشر عقداً (132 سنة)، بفضل تفجير الثورة التحريرية الكبرى والتي تعدّ أكبر ثورة في القرن العشرين، وهو يوافق 5 جويلية سنة 1962، ولقد تمّ توقيع مرسوم الاستقلال يوم 3 جويلية 1962 وقامت جبهة التحرير الوطنية بإقرار 5 جويلية لمسح هزيمة 5 جويلية 1830 بسيدي فرج.
تحية تليق ببطولات الشعب الجزائري البطل، نطلقها لهذا الشعب العظيم، في الذكرى الستين لاستقلال الجزائر، التي تصادف اليوم.
تحية إكبار وإجلال لأرواح ستة ملايين ونصف المليون شهيد، من أبناء الشعب الجزائري، ارتقوا شهداء على أيدي الوحوش الاستعمارية الفرنسية، بين عام 1830 وحتى استقلال الجزائر عام 1962. بشهداء الجزائر، الذين حاربوا الاستعمار الفرنسي وتصدّوا له، والذين لم يكونوا مليوناً ونصف مليون من الشهداء فقط، وذلك لأن هؤلاء هم من استشهدوا خلال الثورة الجزائرية المعاصرة، التي امتدّت من سنة 1945 وحتى الاستقلال سنة 1962. لذلك فلا بدّ من إضافة خمسة ملايين شهيد جزائري قتلتهم قوات الجيش الاستعماري الفرنسي من العام 1830 وحتى العام 1945.
هذا الجيش الذي كان ولا يزال يشكل الأب الروحيّ لكلّ من أتى بعده من تنظيمات عسكرية مسلحة، بدءاً من نظام پول بوت في كمبوديا – المستعمرة الفرنسية السابقة، حيث قتل تلميذ الجيش الفرنسي هذا، پول بوت، ما يزيد على ثلاثة ملايين من الشعب الكمبودي المسالم في سبعينيات القرن الماضي، وذلك بقطع رؤوسهم ووسائل أخرى.
ولا بدّ أنّ الجميع لا يزال يذكر جرائم عصابات داعش، التي أدارها الاستعمار الغربي بكلّ مكوّناته، والتي مارست سياسة قطع الرؤوس على نطاق واسع، سواء في سورية او العراق او ليبيا. ولا تزال تقوم بذلك حالياً.
لذا فإنّ من الضروري جداً وفي يوم استقلال الجزائر الثاني أن نذكّر العالم بأنّ الجيش الفرنسي» الحضاري» قد قطع رؤوس مئات من الثوار الأحرار الجزائريين أثناء احتلاله الجزائر وسرقها وذهب بها إلى فرنسا، بعد أن أحرق جثثها في الجزائر، والتي يبلغ مجموعها 536 جمجمة، لا تزال السلطات الفرنسية تضعها في صالات عرض لما يسمّى «متحف الإنسان» في باريس، منذ ما يزيد على 170 سنة.
فهل هناك جريمة ضدّ الإنسانية أكثر بشاعةً من هذه الجريمة؟! ألا يجب على العالم كله أن يُحاكم كلّ من تولّى السلطة في فرنسا، منذ بدء استعمارها للجزائر وحتى اليوم، بتهمة ارتكاب هذه الجرائم بدايةً والسكوت عليها لاحقاً والاستمرار في سرقة رفات هؤلاء المجاهدين الذين لم يقوموا إلا بما قام به المواطن الفرنسي، إبان الاحتلال النازي لفرنسا: مقاومة الاحتلال…؟
علماً أنّ الاحتلال النازي لم يرتكب مثل هذه الفظائع، في فرنسا، كما أنّ داعش لم يصل الى مستوى هذا الإجرام، الذي وصل إليه قادة فرنسا السياسيون والعسكريون.
هؤلاء القاده الذين قتلوا خمسة وأربعين ألف مواطن جزائري بتاريخ 8/5/1945، أيّ يوم استسلام ألمانيا النازية وفي يوم واحد، وذلك خلال المظاهرات التي انطلقت في مدن الجزائر، للمطالبة برحيل قوات الاحتلال الفرنسية، عن أرض الجزائر.
في هذه اللحظة التاريخية لا بد من تجديد المطالبة بما يلي:
1 ـ تسليم رفات (جماجم) المجاهدين، البالغ عددهم 512 مجاهداً، والذين لا تزال سلطات فرنسا الاستعمارية تحتجزها في هذا المتحف المشؤوم المذكور أعلاه، والموجود في باريس، ودون أيّ تأخير أو مماطلة (بعد أن سلّمت 24 جمجمة منها العام قبل الماضي للسلطات الجزائرية).
2 ـ تشكيل محكمة جرائم دولية لمحاكمة كلّ من تسلّم مسؤولية، لها علاقة بهذه الجرائم ضدّ الإنسانية، في فرنسا من عام 1830 وحتى استقلال الجزائر عام 1962.
3 ـ تسليم الأرشيف الوطني الجزائري كاملاً، وغير منقوص وعن طوال فترة الاستعمار، للدولة الجزائرية، وذلك لأن من حقها استرجاع ما سرقه المستعمرون الفرنسيون، في محاولة منهم لإخفاء الحقائق وتزوير التاريخ.
4 ـ تقديم فرنسا معلومات كاملة عن جرائمها النووية، التي ارتكبتها في الجزائر عامي 1961/1962 من القرن الماضي، وذلك عندما أجرت تجارب نووية عدة في مناطق مأهولة بالسكان من الصحراء الجزائرية، الأمر الذي أدّى إلى استشهاد الكثيرين ولا تزال تأثيراته متوالية حتى الآن على صحة الإنسان والحيوان والبيئة. فعلى حكومة فرنسا، التي كانت ولا تزال تفكر بعقلية استعمارية، عليها أن تقدّم لحكومة الجزائر، المعلومات الضرورية والكاملة عن تلك التجارب/ الجرائم، كي تتمكّن الحكومة الجزائرية من معالجة الكوارث، التي تسبّبت بها الحكومات الفرنسية السابقة، على المناخ وما يتأثر به، من إنسان ونبات وحيوان.
5 ـ أن تقوم فرنسا الحاليّة، ومن خلال مفاوضات مباشرة مع الحكومة الجزائرية، بدفع تعويضات ماليةٍ كاملة للحكومة الجزائرية عن كلّ الخسائر، المادية والبشرية، التي تعرّض لها الشعب الجزائري، على امتداد فترة استعمار فرنسا لبلاده، خاصة أنّ هذه الجرائم لا تسقط لا بمرور الزمن ولا بتغيّر الأجيال والحكام.
ألم تفرض فرنسا دفع تعويضات مالية هائلة، على حكومة ألمانيا القيصرية، في إطار اتفاقيات فرساي؟
واستمرّت في قبض هذه التعويضات حتى وصول هتلر إلى الحكم في ألمانيا، عام 1933 وتمزيقه اتفاقيات فرساي!
أَلَمْ تَقُمْ الحكومة «الإسرائيلية» بإرغام حكومة ألمانيا الاتحادية على دفع تعويضات لها، عما لحق باليهود من ظلم وخسائر بشرية ومادية، في أوروبا إبّان الحقبة النازية؟
هذه التعويضات التي لا تزال الحكومة الألمانية تواصل دفعها حتى اليوم، وإن بأشكال مختلفة عما سبق، وعلى شكل صفقة غواصات نووية، من طراز دولفين، سلّمت للكيان في الأعوام القليلة الماضية وشملت خمس غواصات، بعد أن دفعت ثمنها الحكومة الألمانية.
6 ـ في هذا اليوم العظيم، يوم استقلال الجزائر الثاني، بلد الستة ملايين ونصف المليون شهيد، ننحني، إجلالاً وإكباراً لأرواح شهداء هذا البلد العظيم، كما ننحني تقديراً لتضحيات الجيش الجزائري وقادته السابقين والحاليين وعلى رأسهم القائد الأعلى للقوات المسلحة الجزائرية، السيد الرئيس المناضل عبد المجيد تبون، الذي يُصرّ على مواصلة نضال الجزائر لاستعادة رفات الشهداء الجزائريين من أيدي لصوص الاستعمار الفرنسيّ وأحفادهم.
نبارك للشعب الجزائري هذا اليوم العظيم، ذا العمق الإنساني اللامتناهي والذي يعبّر عن أخلاق وأصالة هذا الشعب وصلابته وثباته في مقاومة كلّ أشكال الهيمنة الاستعمارية، حفاظاً على استقلاله الوطني وعلى دوره الريادي في العالمين العربي والإقليمي وصولاً الى دوره الدولي، الذي قاد فلسطين الى منبر الأمم المتحدة، سنة 1974، حيث ألقى الزعيم الفلسطيني أبو عمار كلمته الشهيرة، ولأول مرة على هذا المنبر الدولي.
الحمد لله أنه لا تزال بقية خيّرين مناضلين في هذه الأمة مثل الجزائريين لا تزال قضيتهم المركزية فلسطين ويرفضون كلّ أشكال التطبيع مع العدو الصهيونيّ ومستعدّون لإعارة جماجمهم لله من أجل المشاركة في التحرير وإعادة فلسطين الى أصحابها الحقيقيين.
بعدنا طيّبين قولوا الله…