الأمين المؤتمن على نهج سماحة السيد…
} د. محمد سيد أحمد
ليست المرة الأولى التي نتحدث فيها عن نهج المقاومة وقدرتها على الصمود والانتصار، رغم الضربات الجبانة والمجرمة التي توجَّه لها من قبل العدو الصهيونيّ، فخلال المواجهات الأخيرة قام العدو باستخدام أساليب العصابات، حيث اغتيال قادة المقاومة الكبار ظنّاً منه أنه بذلك يقضي على التنظيم ويسقطه، لكننا أكدنا على عكس ذلك تماماً في عدة مقالات أهمّها المقاومة لا تهزم، والمقاومة متعلقة بروح سيّدها، والمقاومة مستمرّة ولعنة السنوار تلاحق الكيان…
فقد أكد سماحة السيد الشهيد حسن نصر الله في كلّ خطاباته ثقته التي لا يساورها شكّ في المقاومة، رجال الله الذين يمتلكون الحكمة والذكاء والحنكة لإدارة المعركة مع العدو الصهيونيّ باقتدار وبراعة وكفاءة عالية، وتأكيده في خطابه الأخير أنه لا يمكن أن نسمح لليأس أن يتسلل إلى قلوبنا أو عقولنا، وأنّ المقاومة لا تُهزم، ونحن على مشارف انتصار كبير، وبعد استشهاد سماحته لم تخذلنا المقاومة التي واصلت معركتها بشراسة في مواجهة العدو الصهيوني وكبّدته خسائر هائلة، ومع كلّ ضربة يقوم بها رجال الله في الميدان يردّدون عبارتهم المأثورة «شايفنا يا سيد.. راضي عنا يا سيد… السلام عليكم ونصر الله وبركاته». وعندما ارتقى الشهيد يحيى السنوار وهو حامل بندقيته في الميدان، لم يستسلم رفاقه، وأكدوا أنّ المقاومة مستمرّة حتى النصر.
وفي الوقت الذي ظنّ فيه العدو أن المقاومة الفلسطينية لم تعُد تمتلك الكوادر القياديّة القادرة على إدارة المعركة بعد اغتيال الشهيد إسماعيل هنية، أطلّ علينا يحيى السنوار قائداً ميدانياً عظيماً، وحتماً سيخلفه قائد عظيم آخر على نهج المقاومة. وهل نسيَ العدو اغتياله للشيخ الشهيد أحمد ياسين مؤسس حركة حماس عام 2004، ومن بعده بشهور اغتيال الشهيد الدكتور عبد العزيز الرنتيسي قائد حركة حماس في غزة وأحد المؤسسين للحركة. وبالطبع كان غياب سيّد المقاومة اللبنانيّة صادماً، وتداولت الأنباء أنّ مَن سيخلفه هو سماحة السيد هاشم صفي الدين، وقبل إعلان حزب الله عن تنصيب أمين عام جديد استشهد سماحته، وقبل أيام أعلن الحزب عن تنصيب قائد جديد هو سماحة الشيخ نعيم قاسم نائب الأمين العام التاريخي للحزب ليكون أميناً مؤتمناً على نهج سماحة السيد، وكان سماحة الشيخ نعيم قاسم قد شارك في الأنشطة التأسيسيّة للحزب وعُيّن في عام 1991 نائباً لسماحة السيد الشهيد عباس الموسوي الأمين العام الثاني للحزب الذي تم انتخابه في العام نفسه خلفاً للأمين العام الأول الشيخ صبحي الطفيلي، وبعد اغتيال العدو الصهيوني للسيد الشهيد عباس الموسوي في مطلع العام ١٩٩٢، انتخب سماحة السيد حسن نصر الله أميناً عاماً للحزب، وظلّ الشيخ نعيم قاسم نائباً له على مدار ما يزيد على الثلاثة عقود، حقّق فيها الحزب انتصارات مدوّية على العدو الصهيوني، وأصبح أحد أهمّ القوى المقاومة في المنطقة والعالم.
وخلال الأسبوع الماضي أطلّ علينا سماحة الشيخ نعيم قاسم، إطلالته الأولى بعد توليه القيادة، وهي الإطلالة التي كان ينتظرها العالم أجمع، وبالطبع شعر جمهور المقاومة بارتياح شديد، في حين أنّ العدو الصهيوني وحلفاءه حول العالم أصابهم الفزع من جديد، ففي الوقت الذي كانوا يظنون فيه أنهم تخلصوا من عقدتهم الكبرى سماحة السيد الشهيد حسن نصر الله الذي كان حين يتحدّث يقف الكيان وحلفاؤه على «رجل ونص»، وجدنا خليفته الذي تجاوزت سنوات عمره السبعين عاماً قضى معظمها في العمل النضاليّ، يخرج كالأسد ويتحدّث باللهجة الحاسمة نفسها، والواثقة في رجال الله كما كان يتحدّث سيدنا الشهيد حسن نصر الله. وأكد سماحة الشيخ نعيم قاسم أسد المقاومة الجديد أنّ برنامج عمله هو استمراريّة لبرنامج عمل قائدنا السيد حسن نصر الله في كلّ المجالات السياسية والجهادية والاجتماعية والثقافية.
ولم يكتفِ سماحة الشيخ نعيم قاسم بذلك بل قدّم تفصيلات كثيرة لبرنامجه الذي يؤكد من خلاله أنه الأمين المؤتمن على نهج سماحة السيد، حيث أشار إلى أننا «بالمقاومة نعطل المشروع الإسرائيلي أما بالانتظار فنخسر كل شيء، حيث إننا نواجه مشروعاً كبيراً في المنطقة وهي حرب لا تقتصر على لبنان وغزة بل هي حرب عالميّة ضد المقاومة، حيث يتمّ استخدام كل الوحشيّة والإبادة في هذا العدوان من أجل تمرير المشروع ويجب علينا المواجهة وعدم الاكتفاء بالتفرّج. فهذه المواجهة ستكشف أنّ القيم الغربية هي شعارات كاذبة وقد سقطت أمام الانحياز للمتوحش. إنّ صمود المقاومة الأسطوري في غزة ولبنان ملحمة العزة وهي ستصنع مستقبل أجيالنا، لقد قلناها مراراً إننا لا نريد حرباً كما أكد سيّدنا ولكننا جاهزون إذا فرضت علينا وسنواجهها بعزة. فالإمكانيّات لدى حزب الله متوفّرة وتتلاءم مع حرب الميدان الطويلة، وكل استعداداتنا لها علاقة بإمكانيّة خوض حرب طويلة الأمد، وكما قال سيّدنا نحن ننتظر الالتحام والمواجهات تتركّز على الحافة الأماميّة والعدو خائف وهو يغيّر تصريحاته وأهدافه، وكل الإمكانات المطلوبة موجودة لدى المقاومين على الجبهات وهم صامدون وقادرون، وغرفة عمليّات المقاومة وثقت خسائر العدو وهي فقط على الحافة الأمامية ومقاومتنا أسطوريّة وهي مدرسة أجيال الحرية، والاحتلال اعترف بعجزه أمام صواريخ الحزب والطائرات المُسيّرة وهي تضرب ضمن برنامج ميداني مدروس. وقدرة المقاومة على نصب المنصات على الرغم من الغارات الجوية المتواصلة هي استثنائيّة ونحن نقاتل بشرف. نحن نستهدف القواعد والعسكر أما هم فيستهدفون البشر والحجر ويريدون إيلامنا، وعلى العدو أن يعلم أنّ قصفه لقرانا ومدننا لن يجعلنا نتراجع، والمقاومة قوية وهي تمكنت من إيصال مُسيّرة إلى غرفة نوم نتنياهو، وإذا كان قد نجا هذه المرّة فربما أجَله لم يحِن بعد، نحن نؤلم العدو واستهدافنا لقاعدة «بنيامينا» دليل على ذلك، وكذلك استهدافات حيفا وعكا وغيرهما». وتتّضح من كلمات سماحة الشيخ نعيم قاسم القوة في مواجهة العدو واستلهام روح سماحة السيد الشهيد حسن نصر الله، حيث استشهد بكلماته مراراً وتكراراً.
ولم تقف كلمات سماحة الشيخ نعيم قاسم عند هذا الحد، بل وجّه كلمة مباشرة للسفيرة الأميركية في لبنان «لن ترى لا أنتِ ولا مَن معكِ هزيمة المقاومة ولو حتى في الأحلام»، وأكد كذلك على أن «دعامة أي تفاوض هي وقف إطلاق النار أولاً»، ولم ينسَ سماحته تهديد العدو والتأكيد على ثقته في المقاومة والنصر حيث أرسل عدة إشارات كانت أهمّها «لقد قرّرنا تسمية هذه الحرب معركة أولي البأس، ستهزمون حتماً لأنّ الأرض لنا، وشعبنا متماسك حولنا، فاخرجوا من أرضنا لتخفّفوا خسائركم وإلا ستدفعون ثمناً غير مسبوق، وكما انتصرنا في تموز سننتصر الآن، وسنبقى أقوياء مع صعود متزايد لقواتنا، سيخرج الحزب من هذه المواجهة أقوى ومنتصراً». ووجّه سماحته كلمات مباشرة للبيئة الحاضنة للمقاومة والتي بدونها لا يكون النصر، حيث قال «هذه المعركة تتطلّب هذا المستوى من التضحيات، ونحن في مرحلة إيلام العدو تُضاف إليها مرحلة الصمود والصبر، فلا يمكن للمقاومة أن تنتصر من دون تضحياتكم، والآخرون مندهشون من صبركم وسنبني معاً، فحزب الله قويّ في المقاومة ببركة المجاهدين، وقويّ في الداخل السياسي بفضلكم».
واختتم سماحته كلمته بكلمات سماحة السيد الشهيد حسن نصر الله نفسها، حيث قال للمقاومين كما قال سيّدنا القائد «ولّى زمن الهزائم وجاء زمن الانتصارات»، ونحن منتصرون فاصبروا وصابروا، وبهذا الخطاب التاريخيّ تدشّن المقاومة قائداً جديداً أميناً مؤتمناً على نهج سماحة السيد، اللهم بلغت اللهم فاشهد.