روسيا رابح أول مع ترامب فماذا عن الحلفاء؟
إذا كانت الأسئلة الكبرى تنتظر الرئيس الأميركي دونالد ترامب في الشرق الأوسط، فإن الخيارات تضيق، بين خيار أول هو حروب مدمّرة تعطّل كل أحلامه بإنعاش الاقتصاد والوفاء بالشعارات، بعدما لم يعد ممكناً المضي بحروب بنيامين نتنياهو اعتماداً على القوة الإسرائيلية وحدها، ولا عاد المطلوب من أميركا الاكتفاء بتقديم الدعم والامتناع عن التدخل بالضغوط، بل صار المطلوب انخراط أميركا مباشرة بالحرب التي استنفدت فيها تل أبيب قدراتها وخياراتها، وإلا فخيار ثان هو الذهاب الى هدنة طويلة في المنطقة ترسم حدود القوى وفق موازينها الراهنة ولا تحقق فيها الأهداف العالية السقوف التي وضعها نتنياهو ويريد تحقيقها بانخراط أميركا في الحروب، وعبر هذه الهدنة الطويلة المسمّاة إنهاء الحرب التي رفضها نتنياهو ولن يذهب إليها إلا مرغماً يتسنّى لترامب البدء ببرمجة خطة حكمه وأولوياتها الاقتصادية.
باستثناء الشرق الأوسط يستطيع ترامب المضي برؤيته للسياسة الخارجية دون تعقيدات، فهو لا يريد حرباً مع الصين خصوصاً ولا مع أي أحد عموماً، لكنه عازم على إغلاق الأسواق الأميركية بما يتيح إعادة تنشيط الإنتاج الأميركي، حيث المنافسة مع السلع والمنتجات الصينية أو الأميركية المصنّعة في الصين تقطع الطريق على أي نهوض تعهّد بإنجازه. وهذا التأزم مع الصين مقبل حتماً، على قاعدة إعلان ترامب تخلي أميركا عن السوق الحرة والاقتصاد الحر والذهاب إلى اقتصاد الدولة والحماية الجمركيّة المأخوذة من النظريات الحمائية الاشتراكية والاقتصاد الموجّه لا الليبرالي.
الأشد وضوحاً في رؤية ترامب الخارجيّة هو التفاهم مع روسيا، ومضمونه التخلي عن الرئيس الأوكراني والتراجع عن اعتبار حلف الناتو إطاراً يستحق النزاع مع روسيا دفاعاً عنه، والاستعداد لتقاسم أوروبا مع روسيا، وترامب يجاهر بأنه لا يحترم تنظيم «قسد» ولا يرى مبرراً لهذا التوتر مع تركيا بسبب تبني كانتون كردي في سورية، وسبق له وأعلن رغبة بتفاهم مع روسيا تتولى بموجبه إدارة الحرب على الإرهاب في سورية وانسحاب القوات الأميركية منها، وتفويض موسكو بالحل السياسي.
وجود روسيا على طرف حلف الرابحين واضح، لكن تداعيات ذلك على الحلفاء لا يمكن تجاهلها، لأن سورية تقع في قلب الرابحين إذا سار ترامب بالسياسات التي تحدّث عنها، وذلك يعني قرب الانسحاب الأميركي ولاحقاً التركي من سورية، وإدارة روسيا للحل السياسي ما يعني تسريع تعافي سورية، والتعافي السوري له انعكاسات لبنانية وعراقية وإقليمية، ومعركة سورية استثمار سياسي أمني اقتصادي مشترك روسي إيراني، وربما تكون النافذة الروسيّة مدخلاً للتفاوض الهادئ الأميركي الإيراني!