مرويات قومية
ولأن في التاريخ بدايات المستقبل…
تُخصّصُ «البناء« هذه الصفحة، لتحتضنَ محطات مشرقة من تاريخ الحزب السوري القومي الاجتماعي، صنعها قوميون اجتماعيون في مراحل صعبة، وقد سجلت في رصيد حزبهم وتاريخه، وقفات عز راسخات على طريق النصر العظيم.
وحتى يبقى المستقبل في دائرة رؤيتنا، يجب أن لا يسقط من تاريخنا أي تفصيل، ذلك أننا كأمّة، استمرار مادي روحي راح يتدفق منذ ما قبل التاريخ الجلي، وبالتالي فإن إبراز محطات الحزب النضالية، هو في الوقت عينه تأكيد وحدة الوجود القومي منذ انبثاقه وإلى أن تنطفئ الشمس.
أنّ نكتب تاريخنا،..فإننا نرسم مستقبل أمتنا.
إعداد: لبيب ناصيف
الاستشهادية فدوى حسن غانم (سوريانا)
بتاريخ 25/11/1990 نفذت الرفيقة الاستشهادية فدوى حسن غانم (سوريانا) عملية بطولية ضدّ دورية لجيش الاحتلال الصهيوني في منطقة أرنون عن طريق تفجير حقيبة مملوءة بالمتفجرات كانت تحملها مما أدى إلى استشهادها ومقتل أفراد الدورية.
وأفادت المعلومات الميدانية، أنّ العملية استهدفت دورية راجلة من قوات الاحتلال الصهيوني، مؤلفة من 12 عنصراً ترافقهم دبابتان.
وقد أدت العملية إلى مقتل عناصر المجموعة الراجلة وإصابة الآليات، وعلى الاثر سارعت قوات الاحتلال الصهيوني إلى مكان العملية وقامت طائرات الهلكوبتر بنقل الجثث والجرحى إلى داخل فلسطين المحتلة.
اعتراف العدو بالعملية
وفي وقت لاحق وبعد تكتم طوال فترة اعتراف العدو الصهيوني بالعملية وحاول التقليل من خسائره وأشار إلى إصابة اثنين من جنوده. ونقلت وكالة (رويترز) عن مصدر عسكري صهيوني في (كريات شمونة) قوله إنّ فتاة عربية نسفت نفسها وجرحت جنديين وأحد السكان في مهمة انتحارية نفذتها في جنوب لبنان».
وأضاف المصدر (أنّ الفتاة اقتربت من دورية تنتمي إلى وحدة هندسية وأنذرها الجنود بالابتعاد، وأقدمت بعد ذلك على إلقاء نفسها على الدورية مفجرةً الشحنة الناسفة التي كانت تحملها).
وفي وقت لاحق أعلنت القوات الصهيونية و(جيش لبنان الجنوبي) حال استنفار قصوى في المناطق المحتلة على اثر العملية، كما سادت هذه المناطق حالة من الاضطراب وبدت على الجنود الصهاينة حالة خوف وحذر شديدين – وشهدت الطرق بين القطاعين الشرقي والأوسط تحركات كثيفة للدوريات المؤللة والراجلة التي تعرّض رجالها بعصبية ظاهرة للسائقين والمارة.
وصيتي لكم أن تصونوا دماءنا وأرضنا…
قبل ان تنطلق لتنفيذ العملية الاستشهادية… تركت الرفيقة الشهيدة فدوى حسن غانم وصيتها الأخيرة الى الرفقاء في الحزب السوري القومي الاجتماعي أكدت فيها عزمها وتصميمها على الاستشهاد من أجل الوطن القومي وطرد اليهود الغاصبين عن أراضينا الحرة، والقتال حتى التحرير والنصر…
وهذا نص وصيتها:
وصية الشهيدة
تحيا سورية أيها الرفقاء، احب أن أودعكم فرحة واثقة من النصر على أيديكم.
تحيا سورية يا أمين حبيب الشرتوني وأنت تخرج إلى الحرية، والأمة تمشي معك في موكب الفرح.
أنا الشهيدة أحييك يا ابن السادس عشر من تشرين وكلانا من أبطال الحرية.
نحن الردّ على اليهود الغاصبين، وعلى اليهود الجدد المهاجرين.
أنا الذراع القومية الممتدّة إلى الانتفاضة في فلسطين.
أنا القذيفة الموجهة ضدّ الأساطيل الأطلسية في الخليج، أنا محراب في المسجد الأقصى وفي كنيسة القيامة.
أنا الجسم المتفجّر لأرفع راية الحرية على أراضينا القومية.
أنا صوت النهضة المرعب للصهاينة وأسيادهم.
أقسموا معي جميعاً أننا سنحرّر أرضنا والإنسان.
وصيتي لكم أن تصونوا دماءنا وأرضنا.
وإلا تتردّدوا في القتال حتى التحرير والنصر.
ولتحي سورية وليحي سعاده.
} الشهيدة فدوى حسن غانم (سوريانا).
من مواليد العام 1971 – في بلدة الحيصة – قضاء عكار.
انتمت إلى الحزب السوري القومي الاجتماعي في العام 1988.
بـيـت الـمـال الـعـربـي
كثيرا ما يسمع أحدنا ببيت المال العربي انما لا يعرف عنه تأسيساً وممارسة ودوراً.
المعلومات التي دوّنها الرفيق الأديب عبد اللطيف كنفاني(1) بتاريخ 5/11/1993عن أمين عام بيت المال العربي الدكتور عزت طنوس، تقدّم إضاءة جيدة على بيت المال العربي الذي كان من أركانه الرفيق عبد اللطيف قبل سقوط القدس، فاضطراره، كما معظم أهلنا في فلسطين الى مغادرتها.
***
واحد من أولئك الأبرار الأوائل الذين اتقدت محبة فلسطين في قلوبهم وما خبت جذوتها على امتداد العمر. ذلـكم كان راحلنا الكبير الدكتور عزت طنوس، الذي ما كلّ له يوم ساعد ولا هانت له عزيمة ولا هدأت له ثائرة في مسيرة نضاله الطويلة بل في رسوليته من اجل بلاده.
عرفته رئيساً لي في بيت المال العربي في القدس، أمينه العام.
«نحن في سباق مع الزمن»،
قال لنا هذا القول يوم جمعنا حوله صبيحة يوم من عام 1947 وكنا نواة الجهاز الإداري لبيت المال العتيد. وشدد على اننا سنكون مستنفرين على مدار الساعة. ولكم كان صادق القول، أميناً مع نفسه مخلصاً لرسالته اذ انه كان بالفعل أول المستنفرين من بيننا.
كان بيت المال العربي قد انبثق عن الهيئة العربية العليا لفلسطين وعهدت إليه مسؤولية جباية التبرعات لتمويل العمل القومي. وعندما سُمي الدكتور عزت طنوس اميناً عاماً لبيت المال، لاقى اختياره ترحيباً بالغاً في الأوساط كافة لمـا عُرف عنه من خلق وترفع وعفة ولما اقترن اسمه بالنضال والتضحية في سبيل فلسطين التي احب.
بادر من يومه الأول الى تأسيس الإدارة المركزية لبيت المال في القدس، فأرسى قواعد عمل مؤسسي هي مثال في التنظيم، ثم انطلق يؤمّن الانتشار في أرجاء فلسطين كلها. فجاء تشكيل لجان بيت المال في المدن والقرى والتي كانت مثابة مجالس أهلية محلية انبرت للتوعية برسالة بيت المال ومناشدة الأهلين للبذل والعطاء.
ولقد أقبل الكثيرون من رجالات البلاد ووجهائها على الانضمام الى لجان بيت المال. ومنهم من تسابق الى عضوية تلك اللجان في مؤازرة فريدة لذلك الجهد واجماع على مــساندة الرجل الثقة الذي يقف خلفه.
انما لوضع أسس الجباية وكانت تشبه التكليف الضريبي مثلها كمثل ضريبة الدخل، كان لا بدّ من الاســتئناس برأي التجار والمزارعين والمهنيين وأرباب الحرف والهيئات النقابية والمجالس البلدية والجمعيات الشعبية على اختلافها، وذلك لوضع الجداول بالمبالغ التقديرية المــقترح تحصيلها. وهــذا ما انصرف إليــه الأمــين العام بصحبة أعوانه فجال على مدن فلسطين وقراها يوماً بعد يوم.
فمن القدس الى يافا واللد والرملة. ثم من القدس ثانية الى حيفا وعكا والناصرة وطبرية وصفد فالعودة مرورا بــ نابلس وجنين و طولكرم. وتتوالى الزيارات الى الخليل والى بيسان ورام الله وبيت لحم وغزة وبئر السبع وخان يونس والمجدل، وأريحا… نعم أريحا. وماذا أعدد لأعدد. وأنا إنْ لم أتوقف هنا في واحدة من محطات تلك الجولات فإنّ أمين البيت لم يغفل يومها بلدة كبيرة كانت ام صغيرة إلا وزارها أو اضطر للمبيت في ضيافة أهلها ليعود منها غانماً مكرماً مفعماً بالأمل والحماس.
بعد كلّ الإعداد والتنظيم حقق بيت المال جانباً من رسالته فساهم في تمويل المجهود القومي ما قدّر له أن يفعل قبل تسارع الأحداث على النحو الذي بات معلوماً.
تألفت الهيئة التي ساهمت مع الدكتور عزت طنوس في بيت المال العربي من:
الرفيق الدكتور يوسف الصايغ(2) – مديراً عاماً
الرفيق نايف بشناق(3) – مديراً عاماً مساعداً (من بلدة الطيري – حيفا، وعمل في الصحافة) .
الرفيق عبد اللطيف كنفاني – مديراً إدارياً
الأمين جورج جورج(4) – مديراً للشؤون المالية
وفي هذا دلالة على الحضور القومي الاجتماعي في القدس وفلسطين قبل النكبة عام 1948.
***
لمزيد من المعلومات التي تضيء على «بيت المال العربي» نورد ما كانت نشرته جريدة «صدى النهضة» في عددها رقم 171 تاريخ 29/10/1946، بعنوان:
«نشاط بيت المالي العربي في فلسطين»
«بيت المال العربي مؤسسة قومية أنشئت حديثاً لتوحيد الجباية الشعبية في فلسطين وتركيزها على أسس عملية. وقد باشر بيت المال العربي أعماله في منتصف ايلول المنصرم ومنذ ذلك الحين حتى اليوم استمرّ في إعداد ميزانية تقديرية لإيراداته ومصروفاته بالاستناد الى إحصاءات دقيقة شملت كافة المدن والقرى الفلسطينية وكافة الفئات الاجتماعية والاقتصادية، فجاءت الميزانية عملية مترابطة ويصحّ ان يُقال انها المحاولة المجدية الأولى لتنظيم الناحية المالية من النضال القومي في فلسطين سواء عن طريق الإيرادات او تنفيد أدوات الصرف، وستشمل المصروفات، كما فهمنا، إنقاذ وتحسين الأراضي والتنظيم والاقتصاد الوطنيين وشتى الشؤون السياسية الأخرى.
«وسينشئ بيت المال مكاتب في الألوية الفلسطينية كلها وقد عهد الى الأستاذ يوسف الصايغ(2) بإدارة بيت المال يساعده في ذلك الأستاذ نايف بشناق(3) ويشرف على أعمال هذه المؤسسة من قبل مجلس الأمناء: الدكتور عزت طنوس بصفته أميناً عاماً للمجلس، وقد عقد المجلس اجتماعاً لدراسة الميزانية أصدر على اثره البيان التالي:
من الساعة الحادية عشرة من صباح الاربعاء 16 تشرين الأول الجاري اجتمع مجلس الأمنــاء لبيــت المال العربي في مكتب بيت المال الكائن في دار الهيئة العربــية العلــيا بالقدس وقد حضر من الأعضاء السادة: جمال الحسيني، الحاج طاهر قرمان، الحاج مصطــفى استيــتيه، فيصل النابلسي، الشيخ شاكر ابو كشك، أسعد الحلبي، كامل القاضي والدكتور عزت طنوس الأمين العام. وقد اعتذر البعض عن عدم الحضور لأسباب قاهرة.
«قدّم الأمين العام مشروع ميزانية ضخمة لبيت المال العربي وتولّى عرض تفاصيل بنودها بالاستناد الى إحصاءات وتقديرات عملية، وبعد مذكرة دقيقة ودرس طويل أقرّ المجلس الميزانية في جملتها وتفصيلها مع بعض التعديل وقرّر عرضها على الهيئة العربية العليا لتقرّها ثم تذاع على الرأي العام ويباشر فوراً بالعمل على تحقيقها.
«وتقرّر إنشاء ستة مكاتب لبيت المال العربي في الألوية التالية: القدس، يافا، حيفا، نابلس، غزة والناصرة. وسيباشر حالاً بافتتاح فرعي يافا وحيفا بالإضافة الى المكتب الرئيسي بالقدس الذي باشر أعماله منذ مدة قريبة. أما الفروع الثلاثة الأخرى فسيتمّ افتتاحها في مدة لا تتجاوز ثلاثة أسابيع.
ومن المحقق انّ هذا المشروع سيكون الأساس العملي الصحيح لإنقاذ هذه البلاد وأراضيها من الخطر المحيط بها».
هوامش
1 ـ عبد اللطيف كنفاني: المناضل والأديب والمميّز، مواليد مدينة حيفا 1927. للاطلاع على النبذة المعممة عنه الدخول إلى موقع شبكة المعلومات السورية القومية الاجتماعية. ssnp.info
2 ـ يوسف الصايغ: تولى مسؤولية منفذ عام القدس. دكتور في الاقتصاد. مراجعة الموقع المذكور آنفاً،
3 ـ نايف بشناق: رفيق، من بلدة الطيري – حيفا. عمل في الصحافة، ومنها في جريدتَي «الحياة» و»الهدف». درس في مدرسة الفنون الأميركية في صيدا ثمّ في الجامعة الأميركية في القاهرة. قضى نحبه عندما نشب حريق في جريدة «الهدف»، فبدل أن يتوجّه إلى الطوابق العُليا، توجّه إلى السفلى.
جانب من حضور الحزب في حيفا
من ذكريات الرفيق شفيق جاد
الرفيق شفيق جاد من مواليد مدينة حيفا عام 1927.
تعرّف على الحزب حسبما أورده في تقرير رفعه الى لجنة تاريخ الحزب، عن طريق جورج خوري من صفد الجليل وكذلك من الرفيق موريس الجدع وهو على الأرجح أخ الرفيق كميل الجدع من مدينة حيفا، وبعد لقاءات عديدة مع الرفيقين المذكورين وغيرهم من القوميين الاجتماعيين الذين غابت عني أسماؤهم، وبعد اطلاعي على فكرة الحزب الشاملة لنهوض أمتنا التي منها بلدي فلسطين شعرت بضرورة الانتماء لهذه النهضة خصوصاً أنني في تلك المرحلة شعرت أننا بأشدّ الحاجة، وفي فلسطين بالذات للانضواء ضمن جماعة او حزب يستطيع ان يتصدّى لخطط اليهود للاستيلاء والسيطرة على بلادنا، وكنت حينذاك منتسباً لنقابة العمال التي كان يرأسها النقابي سامي طه، وهي التجمع النقابي الذي أنشأه العمال الفلسطينيون لمجابهة نقابة العمال اليهودية المسماة بـ «الهستدروت» والتابعة للوكالة اليهودية بفلسطين، وكان القوميون الاجتماعيون كذلك منضوين ضمن هذه النقابة وعلى رأسهم الرفيق موريس جدع وكذلك أنا، وكان التعاون والتآزر تاماً بين مديرية حيفا التي كانت تضمّ قرابة 27 رفيقاً قومياً اجتماعياً وبين نقابة عمال حيفا التي يرأسها سامي طه، وكان لوجود هذا التنظيم العمالي في الوسط الفلسطيني دوراً مهماً في توحيد الجهد العمالي لمقاومة الهجمة الصهيونية اليهودية من خلال «الهستدروت»، مما جعل العمال في مدينة حيفا بالذات خصوصاً أنها كانت تتمتع بأعداد لا بأس بها من العمال خصوصاً في مصفاة البترول وفي بعض المصالح المهمة التي تتعلق بحركة المرفأ، ينضوون ضمن هذه الجمعية النقابية للدفاع عن مصالحهم تجاه النقابة اليهودية «الهستدروت»، مما اضعف دور الشيوعيين الفلسطينيين في التغلغل بين العمال الفلسطينين وجعل الصراع يأخذ وجهته الحقيقية بيننا وبين اليهود.
وأستطيع القول انّ معركة 1948 لو لم تنتهِ لمصلحة التهوّد ويجري تهجيرنا لكان للحزب في فلسطين دور عظيم خصوصاً أننا شاركنا مشاركة فعّالة في السنوات الأخيرة للصراع ضدّ اليهود في فلسطين.
أقسمت اليمين في مديرية حيفا المستقلة، وأذكر انّ أحد شاهدي قسمي كان الرفيق جورج خوري، وبعد سقوط حيفا في أيار 1948 نزحت الى جنوب لبنان ومنه الى مدينة صيدا حيث اتصل بي جيش الإنقاذ وتطوّعت في بنت جبيل في تموز عام 1948 بالفوج الرابع، وكان وصفي التل قائد فوج في جيش الإنقاذ في منطقة الجليل وكنت في فوجه، حيث أنهيت دورة تدريب عسكرية وبعدها عملت في مكتب قيادة الفوج في بلدة طرعان بمنطقة الجليل حيث تسلّمت مهمة تنظيم الشؤون الإدارية والكتابية للواء الرابع، ومن خلال مزاولتي العمل بمكتب القيادة التابع للواء المذكور بإمرة وصفي التل. توطدت علاقتي به وشعرت أنه يقيم علاقات مع كثير من الطيارين الذين شاركوا بالحرب في فلسطين وانّ هناك مشروعاً سياسياً قد يكون يجري التمهيد له. وكان الاتصال قائماً بينه وبين الشهيد غسان جديد قائد الفوج التابع لجيش الإنقاذ. وعندما علم بانتمائي القومي عاملني بكثير من الودّ والاحترام، الا انه لم يتحدث أمامي عن عقيدته وعن آرائه السياسية خصوصاً تجاه الحزب.