أولى

لنا مقاومتنا ولهم رؤساؤهم…

‬ أحمد بهجة

 

لسنا مواطنين أميركيين حتى نفاضل بين مرشح رئاسي وآخر أو بين حزب وآخر. أما الناخبون على امتداد الولايات المتحدة الأميركية فإنّ غالبيتهم الكبرى تقارب الانتخابات من زاوية البرامج الاقتصادية والاجتماعية التي يطرحها الحزبان الجمهوري والديمقراطي والمرشحون الذين يخوضون الانتخابات تحت راية هذين الحزبين اللذين يختصران العمل السياسي الأميركي منذ قرنين من الزمن وأكثر…
وتأتي السياسات الخارجية لكلّ الإدارات الأميركية المتعاقبة من دون استثناء، مع بعض الاختلاف في أساليب ووسائل العمل للوصول إلى الأهداف نفسها، تأتي في سياق خدمة البرامج الاقتصادية والاجتماعية الداخلية، (التي يهتمّ بها الناخب الأميركي حصراً) بمعنى أنّ كلّ التدخلات الأميركية في السياسات العالمية إنما الهدف منها أن تحقق مصالح الولايات المتحدة حتى لو أتت على حساب أصدقائها أو حلفائها أو أتباعها…
أما نحن في هذه المنطقة فإنّ ما يعنينا من السياسة الأميركية هو مدى انعكاسها على دولنا ومجتمعاتنا واقتصاداتنا وشعوبنا، خاصة أنّ تلك السياسة لها طابع استعماري واضح المعالم، وإذا كانت الإدارة الديموقراطية برئاسة جو بايدن (الراحلة قريباً) حاولت التعمية على ذلك الطابع الاستعماري ببعض العناوين الجذابة (الممرّ الهندي على سبيل المثال)، فإنّ الرئيس الأميركي المنتخب دونالد ترامب لا يخفي نواياه أبداً، وهو يقول جهاراً ماذا يريد أن يفعل، وفعلياً هو يريد استكمال ما بدأه في ولايته الأولى بين 2016 و 2020، حين أعلن أنه يريد من أوروبا أن تدفع للولايات المتحدة ثمن حمايتها، ويريد السيطرة على كامل ثروات العراق النفطية، ويريد الاستمرار في ابتزاز دول الخليج العربي وعلى رأسها السعودية، والكلّ يذكر أنه حين أتى في جولته الشهيرة (مع ابنته إيفانكا) عاد منها بحصيلة إجمالية بلغت مئات مليارات الدولارات، بحجة مُعلنة أيضاً من قبل ترامب نفسه وهي أنّ ما يدفعه حكام الخليج وما تمّت السيطرة عليه من ودائعهم في الولايات المتحدة إنما هو ثمن الحماية الأميركية لهم ولأنظمتهم.
في المقابل هناك دول وقوى لا تزال تقف بالمرصاد في مواجهة هذا المنطق الاستعماري، الذي يتمثل أحد أبرز وجوهه بالدعم الأميركي والغربي الغير مسبوق لكيان العدو الصهيوني الذي ارتكب منذ 7 أكتوبر 2023 حتى اليوم في غزة وفلسطين ولبنان أبشع الجرائم والمجازر في تاريخ البشرية، من دون أن يرفّ حفن لما يُسمّى «المجتمع الدولي»، أما الدول العربية والإسلامية فتقتصر ردود فعلها على البيانات المُستعادة والمُكرّرة، وها هي القمة المنعقدة هذين اليومين في الرياض تضيف بياناً جديداً على البيانات السابقة، علماً أنّ القمة السابقة عُقدت قبل عام تماماً في المكان نفسه، بدل أن تتجنّد هذه الدول يومياً وعلى مدار الساعة وتضع إمكاناتها الضخمة والهائلة (المدنية لا العسكرية) لدعم غزة وفلسطين ولبنان في مواجهة هذا العدو الغاشم الذي لا يتوقف عن القتل والتدمير والتجويع، وها أنّ المواطنين في شمال قطاع غزة عرضة للمجاعة بينما تصيب التخمة أولئك المجتمعين حول الموائد في القمم والقصور، وهم القاصرون عن إمداد أشقائهم ببعض ما يسدّ الرمق للبقاء على قيد الحياة.
إزاء كلّ ذلك… ليس هناك أيّ أمل إلا بهؤلاء المقاومين العمالقة المتجذرين في تراب الأرض ولا يتزحزحون قيد أنملة أمام أعتى قوة في العالم وأكثرها تسلّحاً وقتلاً وتدميراً وإجراماً… لكن جيش العدو المدجّج بكلّ أنواع الأسلحة الحديثة والمتطورة، والمدعوم بسلاح الجوّ، يعجز عن التقدّم من أيّ ثغرة على امتداد الحدود اللبنانية ـ الفلسطينية، وهو إذا تقدّم عشرات الأمتار لا يلبث أن ينسحب تحت وطأة ضربات المقاومة التي يخرج أبطالها من بين الركام ويخوضون المواجهات الإعجازية مع جيش العدو الذي لا ينكر ضباطه وجنوده أنهم يتعرّضون للصدّ بطريقة غير مسبوقة، ومن أعداد قليلة من المقاومين الذين يهزمون جيشاً جرّاراً حشدَ أكثر من سبعين ألفاً على حدودنا ويجبرون هذا الجيش على التراجع والاندحار خائباً مذلولاً إلى درجة بات إعلام العدو ينقل عن مسؤولين قولهم «إنّ إسرائيل ستعلن وقف النار عند الجبهة الشمالية لتجنّب أيّ قرار من مجلس الأمن ضدّها»!
كلام مضحك فعلاً… منذ متى تخشى «إسرائيل» مجلس الأمن؟ ومنذ متى يتخذ مجلس الأمن قرارات مزعجة لهذا العدو، وحتى لو صدر قرارات من هنا أو هناك في السابق فهل قام العدو بتطبيق أي منها، أم أنّ الدعم الاميركي والغربي المطلق يجعل «إسرائيل» قادرة على إبقاء كلّ القرارات الدولية تهترئ في أدراج مجلس الأمن والأمم المتحدة ولائحة تلك القرارات طويلة جداً ومعروفة للجميع.
إذن… ليس لنا سوى مقاومتنا الباسلة التي حققت الانتصارات الكبيرة، وحرّرت الأرض، وأجبرت العدو بالقوة على تطبيق القرار 425 بعد 22 عاماً على صدوره، هذه المقاومة هي التي نستند إليها ونشهد على إنجازاتها يوماً بعد يوم، ولنا ملء الثقة بمجاهديها الأبطال وقيادتها المظفرة وعلى رأسها سماحة الأمين العام الشيخ نعيم قاسم، لصنع النصر مجدّداً وتحقيق وعد شهيدنا الأقدس والأسمى والأغلى السيد حسن نصرالله…

مقالات ذات صلة

زر الذهاب إلى الأعلى