مقالات وآراء

القدس بوصلة المعارك…

‬ رنا العفيف

 

ظلّت القدس بوصلة المعارك، لتكون خاتمة السيد الشهيد حسن نصر الله واضحة وجلية لا لبس فيها ولا جدل، أيّ سمات عامة لخطاب الأمين العام لحزب الله جعلت من خطاباته مسموعة واستثنائية؟
شهيد الأمة شهيد على طريق القدس كما اختار أن يسمّي من سبقوه من شهداء حزب الله وعناصره وكوادره ضمن معركة الإسناد لغزة بعد يوم واحد فقط من طوفان الأقصى، ليكون واحداً من أشجع القرارات التي اتخذها السيد الشهيد منذ توليه الأمانة العامة لحزب الله قبل 32 عاماً، فكان أكثر من الفلسطينيين والعرب غيرة على القضية في كلّ خطاب له متميّز واستثنائي قلّ نظيره في تاريخ القضية نفسها، بعدما أدار الكلّ ظهره لفلسطين خيانة وتطبيعاً، واعترافاً بالعدو واحتلاله!
توجه السيد في قلب بصير تشدّ كلماته الرباط بعزم وشجاعة في قلوب أنصاره ومحبّيه بكلّ وضوح في الفكرة التي ينبع من القراءة العميقة والتحميص وبث الغموض في تمايل خطابه حتى أربك العدو والخصم وأكثر في تكريس مؤسسات «إسرائيل» ونخبها في حالة جمود حتى بات الجميع يلجأ إلى تفسير المعاني والرسائل التي لها وقع بارز في «المجتمع الإسرائيلي» الذي معظمه يثق بما يقوله حتى وصل القول من قبل الغالبية «نحن نثق بما يقوله (السيد) نصر الله بينما قادتنا يكذبون علينا»، وكانت الجملة الذهبية التي أربكت بنيامين نتنياهو ومَن سبقه ومَن معه أنّ «إسرائيل أوهن من بيت العنكبوت، ناهيك عن محركات البحث في علم فنّ الخطابة الذي توقف الأدباء والباحثون في اللغة عن فكّ العلاقة التي تربط السيد نصر الله والناس، بدءاً من انتظار الخطاب وتوقيته وما يحمل من وثائق وبراهين على مستوى النصوص والرسائل والبلاغة والفصاحة التي كان يتمتع بها ببراعة…
وبالرغم من قهر الغياب إلا أنّ صوت القدس يصدح بقوة في آذان أطهر الناس، أربعون يوماً وما زال صوته القوي يخاطب الشعب الفلسطيني بيقين التحرير والنصر بأبعاده الاستراتيجية المستشرفة القارئة في الأفق القريب البعيد الذي أجبر أعداءه على الإنصاف من خلال الأسلحة الإعلامية التي يكتنز منها الهجمات النفسية بدحر الخصوم في التقاطع والحروب والمعارك وهو سيدها وأمينها وقائدها حتى في عليائه مقداماً قائداً مقاتلاً منتصراً، بل هو الوعد الصادق بالنصر قطعاً يعد المجاهدين بالنصر مجدداً، فعندما استشهد ظنّ «الإسرائيلي» بأنه قضى على حزب الله وكوادره، ولم يكن يعلم أنّ هذه الشهادة كانت أمنيته ونالها بشرف، وفرض معادلة جديدة تحققت من خلالها الكثير من الإنجازات في يوم الثامن من أكتوبر من عام 2023 وجعل من الميدان بوصلة استكمال الموهبة الفذة في الإلقاء عسكرياً وأمنياً وسياسياً يواصل فكره الوقاد نحو القدس…
صحيح أنه ارتقى بعدما وعد جمهوره وأحبّته بيقين أنه من الجيل الذي سيشهد التحرير، إلا أنّ هذا الوعد لا يزال قائماً كما قال في وداعه الأخير إلى اللقاء، بمعنى أنه سيكون حيث يراقب الشهداء المعركة ويرقبون النصر الموعود والتاريخ يشهد أنّ نصر الله لم يخلف الوعد ولا العهد، لكن آن له أن يرتاح بعد رحلة طويلة إسمها تحرير فلسطين التي توّجها بانطلاق جبهة الإسناد اللبنانية لغزة بقرار أكثر من شجاع صعوداً لما نراه وصولاً ليومنا هذا وقد دفع دمه وروحه على طريق القدس دعماً لفلسطين شعباً ومقاومة، وبالتالي هي معركة لا بدّ أنها ستنتهي بكلّ تأكيد وسيكون من أهمّ نتائجها أنّ هزيمة الاحتلال ممكنة وقائمة ما دام الزناد جاهزاً على السلاح وأنّ ميعاد هذه الأرض لأصحاب الأرض، وها هي المعركة مستمرة بالرغم من سياسة الاغتيالات التي يقوم بها الكيان «الإسرائيلي»، لكنه لم يحقق أيّ نصر وهذا باعتراف الكيان الصهيوني نفسه، بينما الشعب الفلسطيني رغم الحصار والقتل والتجويع، يواصل هذه المعركة بصمود وبكلّ ما يملك من إرادة لن ينكسر ولم يتراجع بالإضافة إلى فصائل المقاومة الفلسطينية التي تؤكد كلّ يوم الموقف الفلسطيني المبني على النقاط الأساسية على مستوى الميدان والسياسة وعلى الأرض حيث تتجذر وتتعمّق وحدة الفصائل الفلسطينية التي تخوض هذه المعركة التاريخية بكفاءة عالية وتخطت المراحل الصعبة واستوعبت الصدمات التي تلقاها بعمليات نوعية لم يثنها اغتيال القادة، بل هي مستمرة بثوابتها المتعلقة بوقف إطلاق النار بشكل شامل والانسحاب من غزة وتبادل الأسرى، ومهما فعل نتنياهو لا تنازلات ولن يكسروا إرادة هذه المقاومة حتى تحرير القدس…

مقالات ذات صلة

زر الذهاب إلى الأعلى