لم يبقَ سوى وضع صوره في غرف النوم!
جمال محسن العفلق
ملكيون أكثر من الملك وعاشقون له أو لأفعاله التي يجدون فيها خلاصهم ومن خلاله سيصلون الى أهدافهم المنشودة، إنهم المحتفلون بنجاح ترامب الذين احتفلوا قبله بمجرد أن أعلن فريقه الانتخابي احتمال فوزة حتى بدأ مَن يُقال عنهم زعماء سياسة وفريق من التافهين بالتبريك له، فمنهم من أرسل رسالة عبر حسابة الشخصي وهو أحد الساعين لتسلّم منصب وزاري وربما أكثر، وآخر خرج لإلقاء خطاب الفوز علينا وأنّ العالم اليوم قد تغيّر… أما أصحاب المطالب الخاصة فنشروا أنهم يريدون من ترامب محو إيران عن بكرة أبيها! وهناك البقية الباقية ممن يسمّى بـ “المعارضة السورية” شعروا بالنصر وطلبوا منه شيئاً بسيطاً لعله مع بداية تسلّمه الرسمي يقصف دمشق ويمسحها عن الخارطة.
هذا ليس بالهزل أو التهكّم إنما هو واقع نعيشه اليوم مع خصوم الوطن الذين باعوا أرواحهم وأوطانهم لإرضاء أعداء بلادهم، وهذا بالتعبير السياسي فقدان أكثر الخصوم السياسيين لأدوات الحوار وعجزهم عن طرح أجندة وطنية حقيقية تعبّر عن مضمون وطني قادر على تحرير الإنسان أولاً من التبعية العمياء والجهل أنّ الغرب وأياً كان من يقوده هو بالنهاية يعمل من أجل مصالحة القومية والوطنية الخاصة به ولا يرى في هؤلاء إلا مجموعة من الوصوليين الفاقدين لكلّ المبادئ والقيم الإنسانية، وهم أدوات يهمّه أن يستفيد منها ولكنه لا يحترمها ولا يثق بها أصلا.
فالخدعة بالديمقراطية أنها تخلق المنافسة الوهمية بين مجموعة من الأحزاب يتصدّرها دائماً حزبان لهما القطعة الأكبر من الكعكة السياسية، فـ لعقود طويلة من الزمن تناوب على الحكم في بريطانيا حزبا العمال والمحافظين وفي أميركا جمهوري وديمقراطي ولم يتغيّر شيء على السياسة الخارجية، فالجميع يعمل تحت سقف مصالح بلاده ويحقق لها مكاسب في السياسة الخارجية وهذا ليس عيبا بل أنه يُحترم فمن يعمل لمصلحة بلاده وإنْ كان عدواً لنا نحترمه ولكن العيب في الذين يمتدحون هؤلاء ويناصروهم على حساب أوطانهم بحجة أنّ السياسة تقتضي منهم ذلك وأنّ مصالح الأوطان لا يمكن أن تكون إلا بالخضوع للأقوى.
لكن ترامب ليس الأقوى كما يعتقد البعض إنما هو الأوقح الذي لم يحترم أيّ من حلفائه ولا أصدقاء بلاده، بل سخر منهم واعتبرهم مثل الأبقار، ولا دور لهم في الحياة سوى دفع ثمن حمايته لهم وأنهم ملزمون بالتوقيع على عقد تجاري حتى لو كان بيع الهواء المعلب لهم ليصبح هواهم أميركياً بلا منافس.
ليس ذلك من باب التقليل من شأن الرجل، فهو اليوم رئيس أكبر دولة في العالم، ولكن هذا لا يعني الخضوع والتمني منه أن يقتل أبناء وطننا، ولا يلزمنا أصلاً بالخضوع له أو لسياسته دون قيد أو شرط لنصبح نعاجاً جاهزة للذبح في أيّ وقت يختاره هو وإذا ما فعلنا ذلك فما معنى أننا ننتمي لوطن؟
ففي الولايات المتحدة الأميركية نفسها يوجد معارضون ورافضون لسياسته فكيف نحن أصحاب القضايا الوطنية وأصحاب قضية المقاومة للاحتلال، كيف نسمح لأنفسنا أن نناصره ولو بالكلمة وهنا يوجد فارق كبير بين أن نحلل سياسته أو ان نعلن الولاء له ونطالبه بتحريرنا وعلى حساب أخوتنا وأبناء جلدتنا.
كم هو ضعيف ذلك المسؤول الذي أرسل له عبر منصات التواصل تلك الكلمات والتبريكات، وكم هو قصير نظر ذلك الذي احتفل به عبر ذبابه الإلكتروني وكأنه هو الذي انتصر بالانتخابات، وأكثر هؤلاء لو رشحوا أنفسهم لعضوية البلديات في قراهم لن يحصلوا على خمسة مؤيدين.
إنّ القوة تنبع من الذات لا من دعم الأعداء ولا من ضعف الخصوم، هكذا علمنا التاريخ رغم قسوة الدروس على أصحاب القضايا الوطنية، وأنّ الحقيقة المطلقة تقول إنّ عدوك يحترمك عندما تكون نداً له لا عندما تكون خاضعاً أو تاجراً يبيع أبناء وطنه، والأمثلة كثيرة على ذلك.. فلماذا نخالف الوقائع بالجري وراء الوهم؟
نعم وصل ترامب المجرّب سابقاً الى البيت الأبيض وهذا يعني اتباع سياسة تناسب وصوله تقودها الحكومات بما يضمن مصالحها ويجنّبها الصدام، وهذا أمر ينطبق فقط على من يدير السياسة الخارجية، أما الذين يعملون في الشأن السياسي لمصالحهم الخاصة ويتمنون عليه أن يضعهم على كرسي الحكم عليهم أن يدركوا انّ الانتخابات المقبلة ليست بعيدة في أميركا فهي تجري كلّ أربع سنوات وهذا حكماً يعني إذا أوصلهم الرجل لمرادهم فإنهم راحلون معه كما رحل عملاء الكيان في عام تحرير الجنوب. وكما رحل الأفغان مع المحتلّ الأميركي، وكم نزع الحكم من بعض الذين قضوا عمرهم في خدمة الأميركي وتخلى عنهم من أجل مصالحه ومصالح الكيان فكانت العبارة الأشهر (المتغطي بالأميركي عريان).
وهنا نقول للذي أضاء الشموع محتفلا بفوز ترامب أقرأ جيدا التاريخ وتذكر أنّ القضية ليست أفراداً إنما هي قضية وطن يجب أن يحميه أهله ويناصره أبناؤه، ويعلم كلّ من احتفل بفوز الرجل أنّ سياسة أميركا اتجاه المنطقة العربية مفتاحها الوحيد حماية الكيان ودعم الاستيطان وإذلال محيطة العربي، وأنت أيها المحتفل من ضمن هذا المحيط المقصود حتى وإنْ بذلت كلّ جهدك في خدمتهم فباب السفارة الأميركية يمكن قفله في وجهك بكلّ سهولة عندما لا يكون لهم حاجة بك، ولكن للاحتياط يمكنك وضع صورته في غرفة نومك ربما ينظر إليك بعين العطف يوماً ما ويرضيك بحفنة من الدولارات وهذا أقصى ما يمكن فعله، ولكن لن يكون على حساب مصالح الولايات المتحدة الأميركية والكيان الصهيوني الزائل عما قريب لأنّ هناك من يرسم حروف المستقبل بدمه وكرامة لوطنه رغم كلّ السهام التي تُغرس في ظهره من أبناء جلدته…