لبنان… جرحٌ لا يندمل
سارة طالب السهيل
في قلب جنوب لبنان، حيث كانت البيوت تتعانق مع الجبال وتحتضن الذكريات، يتجلّى مشهد مأساوي يختصر معاناة أمّة بأسرها. هنا، حيث كانت الضحكات تعلو في زوايا المنازل، وحيث كانت الأمهات تروين حكايات الجدات، باتت الأجواء مشحونة بالحزن والأسى. الدمار الذي حلّ بهذه الأرض لم يكن مجرد تدمير للمعالم، بل كان تدميراً للذكريات، للتراث، وللأحلام التي نسجها الأجداد بعرقهم.
لقد فقد الكثيرون بيوتهم، تلك البيوت التي كانت تحتضن قصص الطفولة، وتاريخ العائلة، وأحلام الأجيال. كيف يمكن للناس أن يتقبّلوا فقدان ما هو أكثر من جدران وأثاث؟ إنهم يفقدون جزءاً من هويتهم، من تراثهم، من كلّ ما يجعلهم يشعرون بأنهم ينتمون إلى هذا المكان. فما قيمة الحياة عندما تُمحى الذكريات تحت ركام القصف؟
لا أستطيع أن أتحدث عن الأموال التي فُقدَت أو الذهب الذي تلاشى. فالأمر أكبر من ذلك بكثير. إنني أرى الأمهات اللاتي فقدنَ أبناءهنَّ، والآباء الذين تركوا خلفهم أرامل وأيتاماً. أرى الأطفال الذين هجروا مدارسهم، وحقولهم التي كانت تزدهر يوماً ما، وقد أكلتها النيران. كيف يمكن أن ننسى الصرخات التي تعلو في الأفق، وهي تعبِّر عن ألم لا يُحتَمَل؟
لا أريد أن أستعرض تفاصيل الدمار، بل أريد أن أستمع إلى أنين القلوب المكسورة، إلى دموع الأمهات اللواتي فقدنَ أحبابهنَّ، إلى نكبات الرجال الذين شهدوا على انهيار أحلامهم. كيف يمكن أن نتحدث عن المستقبل في ظلّ هذا الخراب؟ كيف يمكن أن نتخيّل غداً مشرقاً بينما نعيش في كابوس من الفقدان؟
إن ما حدث في النبطية وجنوب لبنان ليس مجرد قصف، بل هو جرح عميق في قلب الوطن، جرح يحتاج إلى وقت طويل للشفاء. وفي خضمّ كلّ هذا، يبقى الأمل في قلوب الناس، الأمل الذي يضيء في أحلك اللحظات. لكن، كيف يمكن أن نعيد بناء ما تهدّم، وكيف يمكن أن نستعيد ما فقدناه؟ هذه الأسئلة تظلّ بلا إجابة في ظلّ مشهد الدمار الذي يحيط بنا…