أولى

قطع «اليد الطولى» للكيان الصهيوني… والنتن/ياهو

 

د. جمال زهران*

 

يسعى النتن/ياهو (رئيس عصابة السلطة في الكيان الصهيوني)، إلى إشاعة فكرة الهيمنة على المنطقة العربية والإقليم، من خلال أفعاله، ومن خلال الدعم المطلق من الولايات المتحدة (الشيطان الأكبر في العالم)، ومعها أوروبا الغربية الاستعمارية خاصة (بريطانيا – فرنسا – ألمانيا – إيطاليا). ومن ثم يطلق على نفسه، أنه صاحب «اليد الطولى» التي تطال كل الإقليم، وتتحكم في كل شيء، حيث يغتال شخصيات كبرى هنا وهناك، مخترقاً كل الحواجز الجغرافية، نتيجة تزويده بالمعلومات الاستخبارية، وبأحدث أنواع الأسلحة التكنولوجية، التي تذهب إلى هؤلاء الخصوم، فتشاع الفوضى، وينتشر التخويف، على أمل لهذا النتن/ياهو، أن تتراجع المقاومة أو يصدّر لهم فكرة الهزيمة وعدم القدرة على الفعل والمجابهة مع العدو الصهيوني، فيشيع اليأس عند جمهور المقاومة وجمهور المنطقة والإقليم، ويستسلمون للهيمنة الصهيونية بقيادة عصابة الحكم في الكيان، ويفقدون الأمل في إمكانية تحرير فلسطين، التي يُراد لها، أن تتحوّل إلى وهم وكابوس!
فالحادث إذن، أنّ النتن/ياهو، قد خاض معركة البقاء الصفرية، ضد الإدارة الأميركية أياً كان انتماؤها الجمهوري أم الديموقراطي، وحصل على تأييد مطلق، بالتخويف والتهديد، والقدرة على تعبئة الصهيونية العالمية، التي تسيطر وتهيمن على حركتي الأموال والأعمال والإعلام، في العالم، الأمر الذي ساهم بدوره في قيام الإدارة الأميركية بتخويف العالم ومعاقبة كل من لا يرضخ ولا يستسلم للإدارة الصهيونية/ الأميركية، لتصبح هي الإرادة العليا المهيمنة على العالم كله. ومن ثم فقد انحسرت أن لم تكن قد تلاشت، تلك المساحة المتاحة لحرية الحركة لأي إدارة أميركية. وللنظر، ماذا حدث بعد «طوفان الأقصى» في السابع من أكتوبر 2023م، والمفاجأة الاستراتيجية الكبرى للمقاومة الفلسطينية بقيادة حركتي حماس والجهاد، التي أوْجعت الكيان الصهيوني وضربته في مقتل، وجدنا الرئيس الأميركي (جون بايدن) الديموقراطي، يأتي مسرعاً إلى الكيان، ليربّت على كتف النتن/ياهو، وعصابته، ليعلن الولاء الكامل والدعم المطلق للكيان الصهيوني، ووعده بتقديم كلّ ما يطلبه من أموال (الدولارات) – وصلت حتى الآن نحو (25) مليار دولار خلال عام واحد، ومن أسلحة حديثة، وصلت إلى ما يجاوز (500) طائرة نقل ضخمة نقلت الأسلحة للكيان جواً، إضافة إلى نحو (500) سفينة أو باخرة نقلت أسلحة حديثة بحراً، بخلاف الدعم السياسي المطلق، حتى الوعد بالدفاع المباشر عن الكيان وقت اللزوم، وعدم تعريض الكيان، إلى أي مخاطر، ليستمرّ الكيان مهيمناً ومسيطراً، بالوكالة عن أميركا الاستعمارية، وبالأصالة عن مشروع صهيوني استعماري، يرونه لا يزال صالحاً للسيطرة على الإقليم، منطقة نفوذ ونهب لموارده!
كما أنّ النتن/ياهو… ذهب إلى توسيع دائرة التطبيع مع دول عربية متلاحقة، وعدم الاقتصار على دول الجوار الجغرافي (مصر/ الأردن)، ومعهما السلطة الفلسطينية منذ اتفاق أوسلو عام 1992م، إلى الآن، وانتقل بتأثير دول جوار، أم بالتأثير الأميركي المباشر، إلى التطبيع مع دول الخليج العربي، دولة تلو أخرى (الإمارات/ البحرين) بشكل مباشر، وقطر وعمان، بشكل غير مباشر، وكانت المملكة السعوديّة في الطريق، وقد بدأت المباحثات لترجمة ذلك، إلا أنّ «طوفان الأقصى»، قد عصف بهذا المشروع التطبيعي كما اعترف النتن/ياهو نفسه، تحت قبة الكونغرس الأميركي، ومرة ثانية تحت قبة الجمعية العامة للأمم المتحدة! بالإضافة إلى تطبيع كامل مع المغرب، وصل إلى حدّ الفجور، ويتشابه مع الإمارات، وأيضاً مع السودان الذي كان لانشغاله بالحرب الأهلية، الحيلولة دون استكمال مشروع التطبيع، وأكده «طوفان الأقصى».
وقد أصبح الكيان الصهيوني/ الأميركي، في مرحلة متقدّمة بعد التوسّع في التطبيع، وأصبح مخيفاً لكلّ النظم العربية سواء التي طبّع معها، أو التي لم يطبّع معها! حيث أصبحت الدول الأخرى تخشى المواجهة معه، وتحاول تفادي ذلك!
وخلال العام الأول لمعركة عملية «طوفان الأقصى»، ذهب الكيان الصهيوني/ الأميركي، ليعمل بكل طاقاته نحو (الإبادة الجماعية Genocide)، لشعب فلسطين في غزة، ومعاقبتهم على عملية «الطوفان»، بلا هوادة، والإصرار على تدمير كامل للبشر والحجر، بلا مراعاة لأي قوانين دولية، أو أحكام مؤسستي العدالة الدولية (العدل الدولية/ الجنائية الدولية)، وبتواطؤ رسمي من النظم العربية ومؤسستها (الجامعة العربية)، وكأن الحرب على غزة وشعبها، مجرد وهم! بل راح يعمل بكامل طاقته المتاحة، والمزوّدة بمخازن الأسلحة المفتوحة على مصراعيها من أميركا وأوروبا، للحرب على كافة الجبهات المقاومة، جنوب لبنان، بل كلّ لبنان، واليمن، وسورية، حتى إيران (توجيه ضربتين)، ولم يكتفِ العدو الصهيوني/ الأميركي، بذلك بل راح يغتال الشخصيات الكبرى، (إسماعيل هنية) في طهران، وسماحة السيد حسن نصر الله، ورئيس المجلس التنفيذي لحزب الله السيد هاشم صفي الدين في الضاحية، ومن بعدهم المقاتل يحيى السنوار، أثناء قيامه بمقاتلة جنود الاحتلال، كما اغتال رجال حزب الله (القيادات العليا والوسطى)، وكذلك رجال من حماس (صالح العاروري نموذجاً)، وغيرهم. ولكن لم يكتفِ بذلك، بل يحاول ممارسة الهيمنة بالتهديد لكلّ من لا يسمع الكلام، وينصاع لإرادته واستسلامه لكلّ ما يطرحه من آراء، حيث يهدّد رئيس مجلس النواب اللبناني نبيه بري، ويهدّد الرئيس السوري الدكتور بشار الأسد، ويهدد قائد أنصار الله في اليمن السيد عبد الملك الحوثي، وغيرهم في العراق، بل يهدّد رؤساء في الدول المطبّعة، تخويفاً وتهديداً، للاستمرار في الخنوع والانبطاع والاستسلام، لإرادة الكيان الصهيوني/ الأميركي. وهو بهذا يريد أن يؤكد أنه صاحب اليد الطولى، وأنه مستمر في الحرب حتى النهاية، وتحقيق النصر الكامل على كل الأطراف العربية والإسلامية المقاومة!
إلا أنّ الواقع قد ذهب، بعد عام وشهر، إلى منحى آخر. حيث لم يستسلم محور المقاومة، واستمرّ في استنزاف العدو الصهيوني/ الأميركي، وإجباره على فتح جميع الجبهات في وقت واحد، الأمر الذي أدّى إلى تشتيت جيش الاحتلال، وحدوث تمزق في العلاقات المدنية السياسية/ العسكرية، وحدوث فجوة بين السكان في الكيان، وبين العصابة الحاكمة. كما أنّ الأهداف المعلنة للحرب الصهيونية على غزة، لم يتحقق منها شيء على الإطلاق، فلا المقاومة انتهت أو توقفت، أو ضعفت، بل هي مستمرة وفي تصعيد ضدّ جيش الاحتلال، ولا سكان غزة قد أجبروا على التهجير القسري أو الطوعي، ولا استطاع إنقاذ وتحرير الأسرى بالقوة، ولا السيطرة على غزة رغم ما فعله هذا الجيش منعدم الأخلاق، والبربري! وكلّ ما استطاعه حتى الآن، قتل (50) ألف مواطن فلسطيني، وإصابة نحو (100) ألف فلسطيني، وتدمير البنية الأساسية (مستشفيات/ مدارس/ جامعات/ مؤسسات رسمية/ مصادر الحياة من كهرباء ومياه ونت، وتحكم في المعابر) وسط صمت دول الجوار، وصمت عالمي مريب، وكأنّ التحالف واضح ضدّ شعبي فلسطين ولبنان والعرب والمسلمين. تلك هي أميركا العنصرية، التي تأسّست على جثامين الهنود الحمر (أصحاب الأراضي الأصليين) في أميركا، وقتلوا نحو (100) مليون من هؤلاء الهنود! ويريدون أن يكرّروا، هذه المأساة في أرض فلسطين، إلا أنهم لا يدركون، أنّ لفلسطين أصحاباً من البشر الأصليين، ولا يزالون يقاومون، ولها رب يحمي الأرض، ويحمي القدس (أولى القبلتين، وثالث الحرمين). ومن ثم فإنّ المقاومة استطاعت أن تقطع «اليد الطولي» المزعومة للكيان الصهيوني/ الأميركي، واليد الطولى للنتن/ياهو أيضاً، وأنّ إجبار هذا الكيان على العمل في كلّ الجبهات، أسهم في إضعافه وانهياره عسكرياً وسياسياً واقتصادياً واجتماعياً، حتى إجبار المستوطنين على الرحيل طوال العام (أكثر من مليون ونصف المليون) هاجروا بلا عودة، وما فعلوه تجاه القيادات الكبرى من اغتيالات، سيرد إلى قادة العصابة، وليكن في ذهاب المسيرة إلى غرفة نوم النتن/ياهو، خير مثال لما هو آتٍ بإذن الله…

*أستاذ العلوم السياسية والعلاقات الدولية، جامعة قناة السويس، جمهورية مصر العربية

مقالات ذات صلة

زر الذهاب إلى الأعلى