عيد التأسيس

عيد التأسيس… فكر واضح ونهضة فاعلة ومقاومة منتصرة

 

وحده أنطون سعاده تفرّد بالعمل الوطني على قواعد من العلم والمعرفة.. وكان يُلاحق ويُسجن أينما حلّ لأنه عمل من أجل تعميم وتوضيح الهوية القومية للأمة وتثبيت حقها وإقامة حركة نظامية معاكسة للخطة الصهيونية

 

إنّ أعظم الأخطار التي لاحظها الزعيم أنطون سعاده هو الخطر اليهودي، فاليهود بنشوء منظمتهم الصهيونية العاملة ضمن خطة نظامية هي لا شك سائرة إلى هدفها على الرغم من بطلان عقيدتها وزيف ادّعائها بحقها في إقامة كيانها العنصريّ على مساحة أمتنا.
ومع انحلال العامل الوطني في شعبنا وقيام المشاريع الاستعمارية بالعمل على تجزئة البقية الباقية لتقسيم الإرادة الشعبية وعدم قيام حركة تنظر إلى حقيقتنا كأمة، فإنّ أمتنا تقف على حدّ السيف وتنحدر بسرعة باتجاه حتفها.
وحده أنطون سعاده تفرّد بالعمل الوطني على قواعد من العلم والمعرفة دون الاستناد إلى الموروثات الدينية أو العشائرية ولا الفردية القاتلة المتفشية في صفوف أبناء الأمة.
ولم ينتظر ثواباً من أحد بل كان يلاحق ويسجن أينما حلّ لأنه عمل من أجل تعميم وتوضيح الهوية القومية للأمة وتثبيت حقها وإقامة حركة نظامية معاكسة للخطة الصهيونية.
ونحن اليوم نحيي الذكرى الثانية والتسعين لتأسيس حزبنا الذي كان ولا يزال ركناً أساسياً من أركان نهضة وبعث أمتنا، وحاملاً رئيسياً من حواملها العقائدية والمجتمعية والفكرية والسياسية والحضارية.
إنه الحزب السوري القومي الاجتماعي، الذي رأى النور في السادسَ عشرَ من تشرين الثاني عام ألفٍ وتسعمئةٍ واثنين وثلاثين على يد الزعيم والمعلم والمفكر السوري أنطون سعاده، الذي وعى مبكراً هموم أمته ومآسيها فحملها في قلبه وعقله وبين جوارحه وانطلق في سعيه بحثاً عن الخلاص من تلك الهموم والمآسي، منطلقاً من سؤالين محوريّين: ما الذي جلب على شعبي هذا الويل؟ ومن نحن؟ وذلك كمنطلق لتشخيص الداء الذي تعاني منه أمتنا وفق أسس منهجية منطقية وعلمية فأتى الجواب بإطلاق حركة إنتاج فكري فاصل في تاريخ الأمة وثورة على الرجعية الداخلية وعلى الطغيان الخارجي تمثلت بالحزب السوري القومي الاجتماعي.
إذن، لم يأت تأسيس حزبِنا كردةِ فعلٍ ارتجاليةٍ أو انفعاليةٍ على حالة التخبّط والفوضى والبلبلة، وانعدام اليقين وضياع الهوية وفقدان البوصلة، بل أتى هذا التأسيس استناداً إلى نظريةٍ علميةٍ مفادها، أنّ التعيين هو شرط الوضوح، وأوضح ما تجلّى في تعيينه حين قال، إنّ حربنا مع اليهود هي حرب وجود لا حرب حدود، وبأنّ اللقاء الوحيد المتاح مع الصهاينة هو “لقاء الحديد بالحديد والنار بالنار”.
أسّس المفكر والقائد أنطون سعاده في سياق مسيرته الكفاحية، الحزب السوري القومي الاجتماعي، ذا البنيان القوي، وشيّد بناءه على ركائز الفكر والتاريخ الحضاري للمنطقة، والتي عُرفت باسم الهلال السوريّ الخصيب ونجمته جزيرة قبرص، وأخذت بنية الحزب الصفة العقائدية، وفقاً لما تركه سعاده من تراث فكريّ ومعرفيّ لأمته، وكان متقدّماً في تصدّيه للمشروع الاستعماري القائم على التجزئة منذ «سايكس بيكو» مروراً بـ «وعد بلفور» وانتهاء بالوجود الاستعماري الاستيطاني الصهيوني على أرض فلسطين.
وقد اختصر سعاده نظرته لهذه المسألة بالدعوة المبكّرة الى مقاومة أعداء الأمة حين أعلن قائلاً:
“لو وُجد في سورية رجل فدائي يضحّي بنفسه في سبيل وطنه ويقتل بلفور لكانت تغيّرت القضية السورية من الوجهة الصهيونية تغيراً مدهشاً”.
وانطلق بتأسيس حزبه لمواجهة المشروع الصهيوني، الذي يشمل كلّ العالم العربي، وليس فلسطين فقط، وهو كان يرى في المشروع الصهيوني، مشروع هيمنة وسيطرة على كلّ الأمة السورية، على جميع الأصعدة، عسكرياً واقتصادياً، وسياسياً.
وكان سعاده قد تناول مسألة مهمة في سياق المخاطر التي تتهدّد جميع كيانات الأمة وفي مقدمها خطرا التقسيم والتجزئة.
وإنّ النظر إلى المسألة الفلسطينية، من شأنه أن يعكس صورة نموذجية لأفكار مؤسّس الحزب أنطون سعاده، لما قدّمه هذا الحزب من تضحيات من أجل المسألة الفلسطينية، وفي سبيل وحدة لبنان وسيادته واستقلاله، وأيضاً الدور الذي لعبه الحزب ولا يزال لمقاومة المشروع الصهيونيّ في المنطقة.
إنّه حزب المفكر أنطون سعاده الذي بلغ أعلى درجات المقاومة والتضحية وقدّم قوافل الشهداء، ليؤكد قومية المعركة ضدّ الاحتلال الصهيوني والوجود الصهيوني في المنطقة.
لقد نفّذ القوميون الاجتماعيون العمليات العسكرية والاستشهادية، حيث كانوا من أوائل الذين حملوا البندقية وقاوموا كيان الاحتلال وعملاءه في الداخل، وقدّموا التضحيات والشهداء فارتقى الشهيدان القوميان الأولان على أرض فلسطين حسين البنا وسعيد العاص عام 1936، ليتبعهما المئات من الشهداء القوميين الذين تصدّوا للاحتلال الصهيوني لجنوب لبنان، والحرب الإرهابية على الشام، نذكر منهم في مواجهة الاحتلال الصهيوني للبنان الشهداء: خالد علوان (عملية الويمبي)، لبيب أبو غيدا، عاطف الدنف، نضال الحسنية، علي الحلبي… وفي الحرب السوريّة نذكر منهم الشهداء: أدونيس نصر، علاء الختيار، الوطواط، رشوان مشرف، محمد عوّاد…
كما قدّم الحزب السوري القومي الاجتماعي 14 استشهادية واستشهادياً في المواجهة مع الاحتلال الإسرائيلي نذكر منهم: سناء محيدلي، وجدي الصايغ، مريم خير الدين، خالد أزرق (من حلب)، فدوى غانم، زهر أبو عساف (من السويداء)…
يقول سعاده:
“رغماً من كلّ ما تقدّم، ومن أنّ الحركة الصهيونيّة غير دائرة على محور طبيعيّ، تقدّمت هذه الحركة تقدّماً لا يُستهان به. فإجراءاتها سائرة على خطة نظامية دقيقة. إذا لم تقُم في وجهها خطة نظامية أخرى معاكسة لها، كان نصيبها النجاح، ولا يكون ذلك غريباً، بقدر ما يكون تخاذل السوريين كذلك، إذا تركوا الصهاينة ينفذون مآربهم ويملكون فلسطين.”
و”لذلك نرى أننا نواجه الآن أعظم الحالات خطراً على وطننا ومجموعنا. فنحن أمام الطامعين والمعتدين، في موقف تترتّب عليه إحدى نتيجتين أساسيتين هما: الحياة أو الموت، وأي نتيجة حصلت كنا نحن المسؤولين عن تبعتها”. هكذا عبّر أنطون سعاده واختصر رؤيته حول المسألة الفلسطينية.
ويجدر هنا نقل ما جاء في خطاب الأوّل من آذار عام 1949، وهو خطاب مفصليّ في تاريخ الحزب السوري القومي الاجتماعي. قال سعاده: “إنّ الصراع بيننا وبين اليهود لا يمكن أن يكون فقط في فلسطين بل في كلّ مكان حيث يوجد يهود قد باعوا هذا الوطن وهذه الأمّة”… “إنّ لنا في الحرب سياسة واحدة هي سياسة القتال. أما السياسة في السلم فهي أن يسلّم أعداء هذه الأمّة بحقّها ونهضتها”.
وفي الخطاب الذي ألقاه في أوّل حزيران عام 1949، قبل استشهاده بثمانية وثلاثين يوماً قال الزعيم: “تقوم اليوم في الجنوب دولة جديدة غريبة كنت أترقّب قيامها… ولكني كما أعلنت قيام تلك الدولة أعلن اليوم محق تلك الدولة عينها، ليس بقفزة خياليّة وهميّة، بل بما يعدّه الحزب القومي الاجتماعي من بناء عقديّ وحربيّ يجعل من سورية قوة حربية عظيمة تعرف أنّ انتصار المصالح في صراع الحياة يُقرَّر بالقوة بعد أن يُقرّر بالحق.”
“إنّ محق الدولة الجديدة المصطنعة هو عملية نعرف جيداً مداها. إنها عملية صراع طويل شاقّ عنيف يتطلب كلّ ذرة من ذرات قوانا لأنّ وراء الدولة اليهودية الجديدة مطامع دول أجنبيّة كبيرة تعمل وتساعد وتبذل المال وتمدّ الدولة الجديدة بالأساطيل والأسلحة لتثبيت وجودها”.
وهنا لا بدّ لنا من التوقف ملياً أمام مؤامرة تدبير اغتيال زعيم الحزب السوري القومي الاجتماعي في الثامن من تموز 1949، والتي كانت وراءها دولة الاغتصاب وبعض الأنظمة الغربية الاستعمارية والأنظمة الرجعية العربية، مما يدلّ بوضوح على أهميّة دور سعاده وحزبه في فضح ومواجهة الخطة اليهودية ودولتها الجديدة المصطنعة، التي قامت بعقد ما يُسمّى باتفاقيات الهدنة مع عدة دول في أمّتنا والعالم العربيّ عام 1949.
وكشف سعاده لهذه الخطة المنكرة بذاتها، وتبعاتها على الأمّة باستمرار أجيالها، وإطلاقه التهديدات الواضحة لحكام الدول السوريّة التي تفكّر في سلوك هذا الطريق، لا سيّما في عبارته المدوّية: «إنّ اليد التي تمتدّ لتوقّع الصلح مع اليهود تقطع من العنق”.
إنّ الدولة اليهوديّة لم تنشأ بفضل المهارة اليهوديّة، ولا بشيء من الخلق والعقل اليهوديين، إذ لا توجد لليهود قوة خلاقة، بل بفضل التفسّخ الروحيّ الذي اجتاح الأمة السورية ومزّق قواها وبعثر حماسها وضربها بعضها ببعض وأوْجدها في حالة عجز تجاه الأخطار والمطامع الأجنبيّة.
تلك الدولة الجديدة تقف اليوم متحدية، يعلن أقطابها أنها تستعدّ حربياً لتحتل أرضاً ما بين الفرات والنيل.
نحن في الحزب السوري القومي الاجتماعي كنا نعلم مدى مطامع الخيالات اليهودية الوقحة، وقد حذرنا من هذه المخاطر.
إننا كَحِزبٍ ولدَ من رَحِمِ معاناة أبناء الأمة السورية بداية القرن العشرين، وأتى انعكاساً طبيعياً لآلامهم وآمالهم وتطلعاتهم وطموحاتهم، نلتزم بعقيدةٍ واضحة، تهدف إلى تحرير الأمة من الاغتصاب من جهة وتحسين حياة مكوّنات هذه الأمة كافة.
والتي تفاعلت في ما بينها وأنتجت دورةَ حياةٍ واحدة لن تُمحى في تاريخ العلاقات الإنسانية، وقدّمت إنجازاتٍ ماديةٍ وروحيةٍ متعددةٍ للبشرية، وهي اليوم في عين العاصفة، نتيجةَ سلسلةٍ المشاريعِ الخبيثةِ التي استهدفتها ولا تزال عبر اتفاقيّات التطبيع والإذعان مع العدو الصهيونيّ، وليس انتهاءً بما يُسمّى “صفقة القرن” المشؤومة، التي ستتحطم بفضل إرادة ومقاومة السوريين طالَ الزَّمنُ أم قَصُرْ.
إنّ حزبنا يعمل ولا يزال لنقل السوريين، من حالة السكون والجمود، إلى حالة الحركة والتجدّد والفعل المؤثر، وفق نظامٍ أخلاقيٍ مناقبيٍ صارم، لتحقيق غاية الحزب.
وتبقى فلسطين ذلك الجرح الغائر في صَدرِ أمتنا، فهي بمثابة الثابت والمحور الدائم الذي لا تبدّل فيه ولا تغيُّر، وإنّ هذا المحور سيبقى هو الحامل لكلّ المعطيات الحياتية والفكرية والسياسية والاقتصادية والاجتماعية لأبناء أمتنا في كلّ المراحل التاريخية السابقة واللاحقة واليوم يثبت المقاومون الأبطال في غزة والضفة ومخيمات الشتات الذين داسوا بأقدامهم جبروت الاحتلال ومزّقوا مشاريعه ومخططاته وأفرغوا “صفقة القرن” من مضامينها وعلى رأس تلك المضامين ما يُسمّى بيهودية الدولة، ووجَهَوا صفعةً مدويةً لمشيخات الذلّ والإذعان التي تهرول للتطبيع مع هذا الكيان ظناً منها أنّ الظروف والحيثيّات السياسيّة في المنطقة والعالم باتت مواتية لذلك فأتاها الردّ صاعقاً عبر معركة طوفان الأقصى.
وعبر عمليات المقاومة البطوليّة في لبنان المقاوم التي زلزلت الأعداء في تل أبيب الذين لم يجدوا أمامهم سوى المسارعة لدفن رؤوسهم في الرمال ولتجرّع مرارةِ رسالةٍ أتتهم من وراء الحدود.
مفادها أن لا تطبيع ولا استسلام طالما هناك مقاومة تنبض بالقوة والعز والعنفوان، ومحور للمقاومة عازم على المواجهة حتى تحقيق النصر على أعداء الأمة الأميركيين والصهاينة.
إنّ المقاومة التي باتت رقماً صعباً في المعادلات الإقليمية والدولية، وهو ما يجب أن تعيه بعض الأطراف اللبنانيّة والعربيّة المطبعة التي لا تزال تراهن على “الإسرائيلي” والأميركي والغربي علّها تستطيع قلب المعادلات الميدانية والسياسية لصالحها من جديد.
وهو ما لم ولن يحدث سواء طال الزمن أم قصُر بوجود الشرفاء الأوفياء المقاومين.
لذا فإننا ندعو أبناء أمتنا الى الالتفاف حول مقاومتهم البطلة والوقوف صفاً واحداً لدرء الخطر الذي يسعى إلى تسييد الصهاينة على أمتنا عبر بوابة فلسطين ولبنان وإقامة المشاريع الاستعماريّة على أرضنا القوميّة.
في الختام أحيّي في هذه المناسبة الجليلة روح الزعيم المؤسس أنطون سعاده الذي أكد “أنّ الشعب الذي يسلّم نفسه للسلم يسلّم نفسه للعبودية”، و”أنّ الحياة كلها وقفة عز فقط”.

Related Articles

Back to top button